دام برس :
عندما تبدأ الجماعات المسلّحة بتبادل الاتّهامات بالتخاذل والخيانة والمعركة محتدمة في جبهة أو موقع، فهذا يعني أنّ هذا الموقع بات قريباً من النهاية.
وهذا ما جرى منذ البارحة بخصوص حي جوبر الدمشقي الذي شكّل عقدةً كبيرة في مسار المعارك بين الجيش العربي السوري والجماعات المسلّحة.
منذ قليل رفع الجيش العربي السوري العلم السوري على مسجد غزوة بدر وهي النقطة التي تشكّل موقع الدفاع الأقوى في الحي، وقبل أيام تمكّن الجيش السوري من السيطرة على دوّار زملكا وهي الخطوة الأهم في مسار المعركة والتي تتجاوز بأهميتها تحرير جوبر.
خلال الأيام الماضية من هذا الأسبوع بدأت وتيرة تقدّم وحدات الجيش السوري في الحي تتسارع خصوصاً بعد تحرير برج فتينة الذي يعتبر أعلى الأبنية في جوبر.
والبارحة سيطر الجيش السوري على أكبر وأخطر الأنفاق التي تصل جوبر بزملكا والذي كان يُستخدم في التواصل ونقل الإمداد والمقاتلين ما بين جوبر وإمتدادات الغوطة الشرقية.
كما سبق إنهيار دفاعات المسلحين في جوبر تحرير كامل منطقة الدخانيّة التي ثبّت الجيش السوري فيها نقاط ارتكاز، لتندفع وحداته بإتجاه وادي عين ترما الذي سيطرت على مساحات كبيرة منه وباتت على مشارف المنطقة السكانية في عين ترما، وحدات الجيش السوري ستُكمل طريقها الى عين ترما لتلتقي مع وحدات أخرى ستنطلق من دوّار زملكا بإتجاه المناطق السكنية في زملكا لتحقّق السيطرة على وادي عين ترما وعين ترما وزملكا في آنٍ واحد، وهي خطواتٌ قد لا تستغرق طويلاً بعد الإنهيارين الكبيرين للجماعات المسلّحة في جوبر والدخانية.
الأنفاق التي شكّلت قاعدة الإرتكاز الأساسية في العمليات العسكرية للمسلحين، يبدو أنّ الجيش السوري أصبح يمتلك خبرة كبيرة في التعاطي معها وإكتشافها والإستيلاء عليها أحياناً وتدميرها أحياناً أخرى، ما يُجير المسلحين على القتال والتنقل بشكلٍ مكشوف ويسهّل على الجيش السوري استهدافهم والقضاء عليهم.
الإعلان عن تحرير جوبر بشكلٍ رسمي لن يتأخر ولكن يمكننا القول إنّ جوبر باتت في قبضة الجيش السوري بشكلٍ كامل ونهائي، فوصول وحدات الجيش الى مسجد غزوة بدر يعني أنّ ما تبقى من جوبر هو كناية عن جيوب لن تستطيع الإستمرار في القتال إلّا إذا قرّرت الإنتحار، وهو أحد أمرين ينتظر من تبقى من المسلحين، الموت أو الإستسلام.
في النتائج الإيجابية المباشرة لتحرير جوبر والدخانية، فإنّ الضغط على قلب العاصمة من خلال قذائف الهاون سيخف كثيراً ليحّل مكانه ربما صواريخ الغراد التي سيوفرها جيش الإسلام والجماعات المسلحة للمعركة الفاصلة في دوما.
في قلب دوما وما تبقى من الغوطة الشرقية ملامح انفجار داخلي بين جيش الإسلام بقيادة زهران علوش وباقي الجماعات المسلّحة على خلفية التنكيل الذي قامت به أجهزة أمن زهران علوش بمسلحين من الجماعات الأخرى انسحبوا تحت ضغط هجمات الجيش السوري بعد معارك عدرا، وجرى إتهامهم بالتخاذل، وإستعراض المسألة هدفه التأشير على قضية قد تشكّل ثغرة كبيرة في القدرات الدفاعية للجماعات المسلّحة عند بدء معركة دوما ما سيساهم في تعجيل تحرير دوما.
ممّا لا شكّ فيه أنّ معركة دوما أصبحت على الأبواب وأنّ ما يجري على الجبهات الغربية للمسلحين في وادي عين ترما وزملكا سيؤدي بلا شك الى تهاوٍ سريع للمسلحين وستكون الإندفاعة القادمة باتجاه عربين وحرستا وفي أكثر من اتّجاه هجوم.
الخلافات التي تسود صفوف الجماعات المسلّحة كان سببها المباشر إنتقاد الجماعات لقائد جيش الإسلام زهران علوش لأساليب القيادة والتكتيكات التي لم تعد مجدية في مواجهة تقدّم الجيش السوري، مقابل تمسك علوش بوجهة نظره وآرائه حول المسألة وإعتبار السبب الرئيسي للإنهيارات هو الخيانة وليس أي شيء آخر.
وقد نشهد في دوما وحرستا وما تبقى من الغوطة الشرقية صراعات مسلّحة كبيرة بين علوش وباقي الجماعات ستكون بمثابة عامل مساعد لإنهاء المعركة في الغوطة الشرقية.
إن ما تحقّق اليوم وقبله بأيام في جوبر والدخانية وووادي عين ترما يؤشر الى قرب إنتهاء معركة الغوطة الشرقية والتي بانتهائها سيتمكّن الجيش السوري من تحشيد قواته في جبهات أخرى تحتاج بعض الجهد لتأمين طوق الحماية الكامل للعاصمة دمشق.
فانتهاء المعارك في الغوطة الشرقية سيحقّق للعاصمة أعلى مستوى من الأمان المباشر ولكنه سيبقيها تحت الضغط غير المباشر من ثلاثة مناطق تستلزم إقحام عدد كبير من وحدات الجيش السوري، وأعني بهذه المناطق جبهات جرود القلمون وجبهة القنيطرة وجبهة درعا.
وإن كانت معركة جرود القلمون لا تشكّل خطراً كبيراً على العاصمة دمشق فإنّ بقاء المسلحين في الجرود يستنزف قدرات الوحدات العسكرية للجيش السوري ويبقي عدداً كبيراً منها في حالة الجهوزية والمواجهة، وهذا ما يعني إيجاد الحلول اللازمة والسريعة لإنهاء وجود المسلحين في الجرود.
ومن هنا يأتي التعجيل في حسم معركة الغوطة الشرقية ضرورةً لمجابهة الأخطار التي تنطلق من الجهة الجنوبية في القنيطرة ودرعا حيث يحتاج الجيش السوري هناك الى مزيدٍ من القوات لتثبيت مواقعه والبدء بإنهاء الجماعات المنتشرة في الارياف، وهي وإن كانت منعزلة عن بعضها إلّا أنّها تشكل أيضاً عامل استنزاف للقدرات البشرية في الجيش السوري.
مع إنتهاء معركة دوما التي لن تتأخر كثيراً سينتقل الجيش السوري الى مرحلة يستطيع من خلالها تنفيذ عمليات اكتساح للعديد من مواقع انتشار الجماعات المسلّحة في القلمون وريف درعا وريف القنيطرة.
إذاً جوبر الآن عيونها خضر وهي تعود الى كنف الدولة السورية، فمتى تخضرّ عيون دوما ورفيقاتها حرستا وما تبقى من البلدات في الغوطة الشرقية؟
إنّه التدبير الذي سيغيّر كثيراً من خارطة توزع السيطرة ليس في الغوطة الشرقية فحسب بل في المنطقة الجنوبية برمتها.
سلاب نيوز