دام برس :
كتب عمر معربوني في سلاب نيوز .. وعدَ فصدق وعده، سطور قليلة حملت اسم البيان رقم (1) جاءت لتزفّ لنا خبر عملية المقاومة اللبنانية في مزارع شبعا.
العملية التي حصلت بمحاذاة قرية العباسية استهدفت موكباً كبيراً يضم ضباطاً وجنوداً صهاينة، وبلحظة واحدة استهدف مجاهدو المقاومة الموكب بالأسلحة الصاروخية المناسبة ليحترق الموكب كاملاً.
العملية التي تصنّف كعمل عسكري موضعي بأبعاد إستراتيجية، جاءت لتشكّل ردّاً على غارة القنيطرة كعمل عسكري موضعي بأهداف إستراتيجية.
وعندما نفّذ الجيش الصهيوني غارة القنيطرة انطلق من أبعاد داخلية وخارجية، ففي البعد الداخلي شكلّت الحسابات الإنتخابية الصهيونية الجزء الأكبر من قرار شن الغارة، إضافةً الى رفع معنويات الشارع الصهيوني.
في حين أنّ الرسالة الثانية من هذه الغارة كانت تستهدف توجيه تهديدٍ مباشر لمحور المقاومة بضرورة وقف أعمال تنظيم المقاومة الشعبية السورية ووقف التنسيق بين فصائل محور المقاومة، ليأتي الرد صاعقاً دون تهديد مسبق وفي ظل صمت كامل من قبل قيادة المقاومة.
وخلال الفترة الفاصلة بين غارة الجولان وعملية شبعا اليوم، كانت جبهة الجولان تشهد تبادلاً لإطلاق الصواريخ بين الجيش الصهيوني والمقاومة في الجولان دون أن يعلن أحدٌ مسؤولية مباشرة عن إطلاق الصواريخ لإحداث مزيدٍ من الارتباك لدى قيادة العدو من جهة وتضليله ميدانياً من جهة أخرى، وهذا يعني في مكانٍ ما أنّ على "إسرائيل" أن تدرك أنّ تغييراً جذرياً قد حصل في الجانبين الإستراتيجي والعملاني، وأنها ليست الطرف الوحيد الذي يدير الميدان ويسيطر عليه.
المفاجأة الأولى كانت في اختيار بقعة العملية الجغرافية خارج نطاق القرار 1701 وفي مكان متنازع عليه بالمعنى القانوني، ما يفوّت على الأطراف المحلية والإقليمية والدولية الدخول في متاهات الجدل حول أحقية المقاومة بتنفيذ عملياتها والدفاع عن لبنان.
المفاجأة الثانية كانت اختيار نقطة الكمين في منطقة منبسطة نسبياً ومكشوفة لا تصلح في قوانين العلم العسكري لتنفيذ كمائن ضد أهداف كبيرة على غرار الموكب المستهدف، في هذا الجانب لن نغوص في كيفية تنفيذ العملية وهو أمر تقني بحت، إلّا أنني سأشير الى نقطة هامّة وهي أنّ العملية تمّت في بقعة الروع وهو مصطلح عسكري يعني الإشتباك مع العدو أو الكمون لقواته في منطقة فاصلة تحت نظر العدو وأسلحته ووسائط مراقبته وتنفيذ العملية والإنسحاب الى قواعد الإنطلاق دون أن يتمكن العدو من تحديد مسار المجموعة المهاجمة أو رصدها، وهذه النقطة ستكون الأكثر دراسةً وتقييماً من قبل قيادة العدو لما تشكل من أهمية اذا ما أسقطنا عملية اليوم على هجوم محتمل للمقاومة في المستقبل على الجليل الفلسطيني، وهو أمر سيتم بسرية وسلاسة على غرار عملية اليوم.
المفاجأة الثاثة وهي الكيفية التي تمت بها صياغة بيان المقاومة حيث حمل اسم البيان رقم (1) وهو أمر يحمل دلالتين أساسيتين:
1- الدلالة الأولى وهي دلالة استراتيجية تعني أنّ المقاومة جاهزة لخوض الحرب الشاملة وهي بالتالي جاهزة لإصدار ما يلزم من بيانات ترتبط بهذه الحرب مهما طال أمدها، وهو أمرٌ إن دلّ على شيء فهو يدل على ثقة المقاومة بقدراتها وإمكانياتها.
2- الدلالة الثانية وهي دلالة تكتيكية ترتبط بإمكانية إصدار البيان رقم (2) المرتبط بالعملية نفسها لجهة إمكانية أن يتضمن البيان صوراً وأفلاماً عن العملية يُظهر كيفية استهداف الموكب الصهيوني، وهذا أيضًا لا ينفصل عن الدلالة الأولى بالقول للعدو إنّ المقاومة هي من سيحدد مكان وزمان المعركة وضمن حساباتها ورؤيتها.
في المباشر يمكننا القول إنّ المقاومة باتت تدير اللعبة حيث رسمت عملية اليوم قواعد الإشتباك الجديدة وإسقاط عامل الحدود الوطنية كعائق أمام عمل المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني والمجموعات الإرهابية المدعومة من هذا الكيان في لبنان وسورية.
أكثر المنشغلين في التحليل هم خبراء العدو وقياداته السياسية والعسكرية ليأتي بيان رئاسة اركان الجيش الصهيوني الذي دعا المستوطنين الى مزاولة أعمالهم وحياتهم بشكل طبيعي مع اتخاذ الحيطة والحذر، ما يعني أنّ العدو لن يرد على العملية وأنّ اتخاذ الحيطة مرتبط بمخاوف العدو من المقاومة، وهذا ما أكده نتنياهو عندما قال إنّ "إسرائيل" سترد في حالة استمرار إطلاق النار، ما يعني أنّ قيادة العدو حتى اللحظة ابتلعت الضربة.
وبمعزل عن سلوك قيادة العدو وتصريحات المحللين والخبراء، فإنّ أقصى ما يمكن أن تفعله قيادة العدو هو وضع المنطقة في أعلى حالة من الإضطراب من خلال رفع منسوب التهديدات التي ستبقى في إطار التهديد الكلامي وتنفيذ بعض العمليات الموضعية بين فترة وأخرى، وهو ما أتوقع حدوثه على الجبهة السورية نظراً لحجم التعقيدات المحيطة بهذه الجبهة، وهذا ما قد يُترجم في تنامي عمل الجماعات الإرهابية وإمكانية أن تقدّم "إسرائيل" دعماً مباشراً لهذه الجماعات في منطقة الجولان والإمتداد الجغرافي حتى شبعا ومزارعها، وهو الأمر الذي يجب التنبه له وعدم إغفاله.
هذه العملية ليست عملية نوعية بالمعنى العسكري فقط على أهمية هذا الجانب، إنما هي عملية نوعية في البعد السياسي الذي سيساهم في تغيير المزاج الشعبي على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي، وتحديداً في الجانب المرتبط بطبيعة عمل المقاومة ومحاولات العدو المستمرة لتغيير وجهة عمليات المقاومة وهي فلسطين وأي أرض لا تزال تحت الإحتلال الصهيوني.
والعامل الأهم في هذا الجانب هو تأكيد قدرة المقاومة على القتال في اكثر من جبهة وبأنّ الجهد الرئيسي لا يزال منصبّاً نحو العدو الصهيوني.
في الختام ما أراده الصهاينة من غارة القنيطرة ارتدّ عليهم بالكامل، فها هو جيشهم يتعرض لضربة كبيرة دون أن يملك القدرة على الرد إلّا بشكلٍ موضعي.
وها هو محور المقاومة يرسل رسالة واضحة انه يعمل بشكل موحد وتحت قيادة موحدة وهو ما أكدته قيادة المقاومة في غزة وما أكدته القيادتان الايرانية والسورية وكل القيادات العربية والإسلامية المقاوِمة.
والأمر الأكثر أهمية هو حالة الإرباك والذعر وتدني الروح المعنوية وعدم الإحساس بالأمان التي يعيشها مجتمع الكيان الصهيوني في مقابل حالة من التماسك والإنضباط ومنسوب كبير من المعنويات العالية لجمهور المقاومة في لبنان وغزة وسورية تم التعبير عنه بالاحتفالات والتصريحات والبيانات.
ولا أغالي إن قلت إنّ علينا أن نستعد لمرحلة بداية نهاية الكيان الصهيوني بعد أن باتت كل المؤشرات تدل على هذه المرحلة، وهو أمر سنقوم ببحثه لاحقاً لأهميته وارتباطه بالصراع المستمر بيننا وبين الكيان الصهيوني.
سلاب نيوز