دام برس :
المكان: حي من أحياء دمشق أزوره لأول مرة وسائق التاكسي يلف بي حائراً دون أن نهتدي للعنوان المنشود.
الزمان: ساعة قبل موعد عمل هام للغاية.
مددت رأسي من شباك السيارة الذي أطبق حرفه على رقبتي ...استوقفت أحد المارة ... رجلاً في منتصف العمر يمسك بيده كيساً من البامية..
- أخي بتعرف وين حي الجمعية؟؟
- وين دلّوكي؟
- أخي أنا اسأل لأني ما بعرف بالمنطقة ...
- ليش لوين رايحة عدم اللامؤاخذة؟
- على الحي اللي سألتك عليه..
- نعم نعم ...تذكرت ... اسمعي يا أختي: أول حارة على اليمين ... تجدين مفترق طرق.. اسلكي المفرق الأيمن .... تجدين بقالاً ...على كتف البقالية الأيمن ستجدين دخلوجة (بمعنى دخلة صغيرة )... ادخلي "الدخلوجة" وأكملي لآخرها ... هناك اسألي أي عابر سبيل ...مين ما سألت بيدلك ...
- مشكور يا أخي ...
اتبعت تعليماته بحذافيرها وإذ بي أدخل متاهةً أخرى أمرّ وأدهى ...درنا في مكاننا وتكررت أسماء المحالّ وتداخلت "الدخاليج" فلم نرَ شيئاً مما وصفه لي فاعل الخير الذي سألته ...
لم أجد حلاً إلا سؤال شخص آخر ...شاباً عاقد الحاجبين معقوف الشاربين.
سألته عن الحي ذاته فأجابني باستهزاء:
- من هذا " الفهيم" الذي دلك إلى هنا؟ عليك الرجوع "أناريين" (كلمة أصلها فرنسي حرّفها إلى اللهجة السورية بمعنى إلى الخلف ) ثم تتجهين يساراً .... ستجدين مفترق طرق.. اسلكي المفرق الأيسر .... ستجدين مصبغة ...على كتف المصبغة الأيسر تجدين زاروبة “حارة ضيقة" ... ادخلي "الزاروبة" وأكملي لآخرها ... هناك اسألي أي عابر سبيل ...مين ما سألتِ بيدلِّك ...
شكرت الشاب وطلبت من سائق التاكسي الاتجاه تبعاً للمعلومات التي أدلى بها ... ووصلنا بالفعل بعد عناء إلى حارة مسدودة ...
مضت ساعة ونصف من الزمن في سؤال المارة .... كلٌّ يجيبني باتجاه مختلف ... كلُّ يكذِّب أقوال من سبقه ويعيدني إلى نقطة البداية .... تمنيت أن يجيبني أحدهم بكلمتين: " لا أعرف “، لكن الكل يعرف، و " مين ما سألت يدلني " ...
عدت أدراجي خائبة بعد أن فاتني الموعد المنشود ودفعت ثمن جولتي بسيارة الأجرة " ما فتح و رزق " بعد أن رأيت خانة الآلاف في رقم عداد سيارة الأجرة الأحمر تتزايد و تتضاعف باضطراد مرعب. لكنني مع خيبتي شعرت بالسعادة المطلقة ... لم أصل إلى العنوان وفاتني الموعد لكن خصلة " إغاثة الملهوف " لا تزال مزروعة في قلب كل مواطن شريف ... جرب أن تسأل هنا عن أي شيء: عن وجهة معينة ... طبخة معينة ... ثاني أوكسيد المنغنيز .... علوم ما وراء الطبيعة ... الانشطار النووي ... "ومين ما سألت بيدلك “.