دام برس ـ سهى سليمان :

في ذلك المكان وعلى تلك الكرسي يجلس العم جواد كامل غانم، يواسي أحزانه بذكريات ولده الشهيد، يسترزق نفقة معيشته مع زوجته وأولاده، بينما تلتزم والدة الشهيد منزلها لتلملم جراح قلبها الذي أضناه غياب ولدها.

يتكأن كلاهما على عكازة من الصبر، يتضرعان إلى الله بدعاء يلفّ السماء، متوسلين أن يبثّ في قلبيهما الهدوء وراحة البال.

في منزل والديه، مؤسسة "دام برس" الإعلامية باركت لأهله باستشهاده، متحاورة مع والديه وأخيه لنتعرف وإياكم على الشهيد اللواء الركن نديم جواد غانم.

 الشهيد من مواليد عام 1954 مدينة صافيتا التابعة لمحافظة طرطوس، استشهد في السويداء  في 7 حزيران 2015، متزوج وله ستة أولاد (3 ذكور و3 إناث)، وهو خريج الكلية الجوية وقائد مطار "بلي" العسكري في السويداء.

والد الشهيد... خدمت 30 عاماً في السلك العسكري

استقبلنا العم جواد كامل غانم، أمام محلّه المتواضع، مرحباً بنا وكأننا أحد أولاده، استضافنا في دكانه ومنزله ليحدثنا عن ولده قائلاً:

كان الشهيد يخدم في القوى الجوية في دمشق وفي مطار "بلي" العسكري في السويداء، لم نعرفه إلا صديقاً وابناً عطوفاً حنوناً محباً، لكنه استشهد هو وعدد من الطيارين والعناصر في المطار إثر عطل فني أثناء عملية تذخير للطائرة في السابع من حزيران هذا العام.

كان نديم متواجداً في عمله بشكل دائم، وزياراته قليلة جداً وأغلبها كانت لغرض واجب التعزية، وفي أغلب الأحيان كان يحادثنا على الهاتف في الشهرة مرة.

رغم كلّ حزني على ولدي فأنا على استعداد أن أذهب للدفاع عن الوطن مع جميع أفراد الجيش السوري، لقد خدمت في السلك العسكري لمدة 30 عاماً وعلى استعداد أن أتابع خدمتي لهذا البلد.

أما لأهالي الشهداء فأقول لهم اصبروا وتصبروا، واذكروا الله كثيراً، فإن النصر قريب إن شاء الله، والرحمة لجميع الشهداء الشرفاء، والنصر المؤزر للجيش وللقائد وللشعب.

للشهيد حياة مهنية حافلة بالإنجازات

وهنا يظهر أخ الشهيد السيد طلال جواد غانم الذي يعين الوالد في الدكان، يتابع حديث والده قائلاً:

منذ أن بدأت الأحداث إلى الآن لم نكن نرى الشهيد سوى مرة في العام، وأغلب زياراته كانت لتقديم واجب التعزية في المحافظة لمدة لا تتجاوز الساعة.

لقد كانت حياته المهنية حافلة بالإنجازات، وكان عناصره من أفراد الجيش قبل رفاقه الضباط يتحدثون عنه وعن أخلاقه وتواضعه واندفاعه وحبه للوطن.

كانت المجموعات المسلحة تلاحقه وتطالب به وهذا ما يعزينا ونضعه وساماً على صدرنا، وقد استشهد معه عدد من رفاقه الأبطال، بعد استبسال وتحصينات ممتازة في الدفاع عن المطار مع حاميته.

لقد أوصانا الشهيد نديم بمحبة البعض والدفاع عن الوطن مهما كثرت التحديات، وكما كانت معنوياته دائماً عالية كان يوعدنا بالنصر في كلّ مرة يتحدث بها معنا، كان متفائلاً جداً ولقد شرفنا باستشهاده.

والدة الشهيد: الحزن كبير لكن الشهادة كرامة

ما هي قيمة الشهادة بالنسبة لك؟

بدورها والدة الشهيد في منزلها استقبلتنا كأحد أولادها، والدمعة في مقلتيها تتحدث عن قصة فقدان ولدها، موضحة أن الشهادة كرامة وشرف وعزّ وفخر لنا، ولأن الوطن غالٍ فهو يستحق أن نقدم التضحيات الكبيرة لأجل بقائه.

ماذا فقدت بفقدان ولدك؟

وبكل الأسى والألم والمرارة تقول:

كان الشهيد رجلاً عطوفاً محباً للجميع، مؤمناً بالله وبقضاءه، قوياً عند الشدائد، لا يخاف ولا يهاب إلا الله، استبسل في الدفاع عن وطنه، فاختار الله شهيداً.

لقد حزننا كثيراً لكن مديح رفاقه له ومحبتهم له أسعدتنا وكانت عزاءً لنا، فهم يعرفونه أكثر مننا.

آخر مرة رأيته قبل باستشهاده بأسبوع، حيث أجريت لي عملية جراحية فجاء للاطمئنان عني، ولم تتجاوز زيارته ساعة واحدة.

أهالي الشهداء... رمضان شهر التسامح والغفران

وبمناسبة شهر رمضان الكريم وجهت عائلة الشهيد رسالة إلى ذوي الشهداء تدعوهم فيها إلى الصبر وتحمل الصعاب من أجل هذا البلد الطيب، مقدرة لهم تضحيات أولادهم، وداعية من الله تعالى أن يعود الأمن والأمان إلى ربوع سورية، وأن تكون سورية بتضحيات أولادها فخر وشرف لكلّ البلدان العربية.

وأكّدت العائلة أن شهر رمضان هو شهر العطاء والخير والمحبة، شهر التسامح والغفران، شهر القرآن، شهر الإحسان والعمل بالمعروف، داعية جميع السوريين إلى التعالي عن الجراح وتضميد جراح بعضهم البعض، معتمدين على وحدتهم الوطنية ومحبتهم لبلدهم سورية الذي هو بمثابة الحضن الدافئ الذي لم يقدم لنا سوى الخير.

مؤسسة دام برس الإعلامية تشكر ذوي الشهيد نديم جواد غانم على حسن استقبالهم، رغم جرحهم الذي لم يندمل بعد، وتترحم على روح الشهيد وأرواح كلّ الشهداء الشرفاء الذين امتزجت دماءهم بتراب هذا الوطن.

ستبقون نسور الأرض والسماء...