دام برس – بلال سليطين :

عالياً في أعلى قمم الجبال وبعيداً جداًعن المدينة وصخبها تقبع "بطموش" القرية الريفية البكر في آخر نقطة من محافظة اللاذقية في ريف جبلة لتشكل الحدود مع محافظتي طرطوس وحماة.

تعتمد القرية بشكل أساسي على الزارعية وهي تعد من القراى البكر التي مازال أهلها يحافظون على تراثهم وينتظرون الطريق منذ 45 عاماً.

أهالي القربة استقبلوا دام برس بكثير من الطيب والود وبحفاوة الضيافة مما تنتجه أرضهم الطيبة، يقولون إنه من النادر أن يأتي إليهم من يستمع إلى مطالبهم ويعددون أسماء عشرة محافظين مرّوا على محافظة اللاذقية ولم يلبوا احتياجاتهم.

في منزل مختار القرية محمد يوسف كان الحوار مع الأهالي حول مطالبهم البسيطة التي وصفوها بأنها تحتاج إلى مؤتمر حواري مثل جنيف كي تتحقق ومن ثم ضحكوا جميعاً على سخرية الواقع.

حيث قال المختار لدام برس: قبل 45 عاماً من الزمن شق أهالي القرية طريقاً يصل "بطموش" مع أوتوستراد بيت ياشوط مستخدمين معاولهم الفردية معتمدين على قوة سواعدهم، وقد رويت الطريق بعرق زنودهم المخلصة لهذه الأرض.

وأضاف هذا الطريق مازال إلى الآن بلا تعبيد رغم أنه يعد شريان حياة القرية التي تنتج القمح والشعير والشنكليش والزبدة والحليب واللبن والسماد إلى جانب الزراعات الموسمية، وتعتمد بشكل أساسي على الزراعة في معيشتها من خلال تسويق منتجاتها.

طريق الكيلومترات الأربعة تخدم قرابة 800 دونم من الأراضي الخصبة وهي توفر المسافات للوصول إلى منطقة نهر البارد التي يمكنهم تأمين جل احتياجاتم وتسويق منتجاتهم عبرها بدل الذهاب إلى بانياس أو جبلة حيث المسافة تزيد عن 45 كم.

قرية الألف ومئتي مواطن تربي أكثر من 5000 رأس ماعز و50 رأس من البقر وتؤمن 400 شوال قمح للدولة كل عام وتنتج أشهى التبوغ وأطيبها طعماً في المنطقة والمعروف باسم عسل بطموش (تبغ مذاقه شهي).

يحمل أهالي القرية مدير الخدمات الفنية الحالي "جمال أمون" المسؤولية عن عدم تعبيد الطريق خلال السنوات الأخيرة رغم صدور عدة قرارات بتعبيده ووضعه في عشرات الخطط، ويقول مدير مدرسة القرية "علي صقر":إنه يعمل على تهميشنا ولا يأبه بوجعنا.

المحافظون جميعهم يستقبلون أهالي القرية بالترحيب والكلام الإنشائي، حتى أن أحد المحافظين التقى بهم لحوالي ساعة ونصف لم يسمع منهم أي كلمة فقط تحدث هو طوال الوقت فيما كانوا هم مستمعين وكلما حاولوا الحديث كان يقاطعهم ويتحدث هو حتى انتهى اللقاء دون أي فائدة.

القرية التي لا تحتوي على ينابيع مياه تعتمد على الأمطار وبالتالي تعاني من غياب الينابيع وقلة مياه السقاية ومع ذلك تتحمل ويصمد أهلها ويتشبثون بأرضهم، لكنهم كانوا قبل عقد من الزمن قد شعروا بأن الفرج قد أتاهم مع البدء بتشييد بحيرة صغيرة لتجميع المياه فيها (سدة ماء) لكي يستخدونها في السقاية.

المفارقة أن سدة الماء التي نفذها مهندسون وخبراء لم تستطع تخزين المياه بسبب تشقق التربة رغم أنها كلفت الملايين، يقول "محمد يوسف" مختار القرية لدام برس:قلنا لهم منذ البداية هذه التربة لاتجمع المياه، يجب أن تكون السدة من الإسمنت لكن أحداً لم يستجب لنا.

فشل المشروع بالمرة الأولى، فأعادوا تنفيذه باستخدام البلاستيك رغم رفض الأهالي أيضاً وكانت النتيجة ذاتها، يعلق "يوسف":التكلفة التي دفعوها كانت تكفي لتشييد بحيرتي ماء في القرية من الإسمنت !!!.

أهم مطالب القرية التي قدمت 19 شهيداً تتمثل بتعبيد الطريق وصيانة بحيرة الماء لكي تطور الحياة المعيشية فيها ويصبح الأهالي أكثر قدرة على التمسك بأرضهم في وقت تشهد فيها القرى هجرة مرعبة إلى المدينة بينما هؤلاء متشبثون بالقرية لكن أحداً لايساعدهم على البقاء والعيش في ظل ظروف أفضل بينما تهدر الملايين هنا وهناك على أعمال لافائدة منها.