دام برس

اتفقت الدول الغربية الساعية إلى إسقاط سوريا على إنشاء ما يسمى / مجلس وطني سوري / في اسطنبول التركية . وتم احتيار المدعو برهان غليون لرئاسة هذا المجلس , ولم يأت اختيار هذا الشخص جزافا , فعلى الرغم من وجود معارضين بلغوا حدا بعيدا في عداء سوريا الوطن من أمثال عبد الحليم خدام ورياض الشقفة وصدر الدين البيانوني ,وغيرهم كثير ,لكن تم وضع برهان غليون على رأس هذا المجلس العميل .وهنا لا بد من البحث عن السبب ,فهذا الرجل هو رجل الاستخبارات الفرنسية منذ سنوات طويلة ,وقد أنشأت له هذه الاستخبارات مركزا للتجسس على سوريا وهو المسمى ,مركز دراسات الشرق المعاصر , التابع لجامعة السوربون في باريس , ولا ندري كيف يتمكن انسان عربي مهما بلغ من العلم والمعرفة من إنشاء مركز دراسات يتبع لأعرق جامعة في العالم وهي السوربون .طبعا قد يمر مثل هذا الأمر على الانسان الجاهل البسيط ,أما الانسان العارف بخفايا الأمور وخفايا المؤامرات فيعلم أن إنشاء مثل هذا المركز لمثل برهان غليون لم يأت عبثا بل كان أمرا مخططا ومدبرا , وبالعودة إلى الوراء فإننا نعلم أن أطماع فرنسا في سوريا تعود إلى مطلع القرن العشرين فهي الدولة المنتدبة عليها بموجب معاهدة / سايكس بيكو/ عام 1916 ,وحتى عندما اضطرت فرنسا إلى إعطاء سوريا ولبنان الاستقلال عام 1946 ,فإنها حصلت من بريطانيا على حق امتياز حصري في الشأن السوري وذلك بمقتضى اتفاقية /ديغول- ليتلتون/ التي جاء فيها من الجانب البريطاني قولهم : نحن نقر بملء حريتنا أن لفرنسا المكانة الأولى المتقدمة على أية دولة أوروبية أخرى في سوريا , ولبنان . وأردفها رئيس الوزراء البريطاني بتصريح شهير في مجلس العموم قال فيه : نحن نعترف بمكانة فرنسا في سوريا من بين جميع الدول الأوروبية ذات امتياز خاص ومهما كان الحد الذي وصل إليه نفوذ أي بلد أوروبي في سوريا فإن نفوذ فرنسا ستبقى له المرتبة الأولى . واستمرت فرنسا هي مصدر السلاح الوحيد إلى سوريا حتى منتصف الخمسينات ,وكانت الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958 هي بداية الاستقلال السوري الحقيقي وقطع كل الصلات مع الماضي الاستعماري والإقطاعي التركي البغيض , ومن ثم جاءت ثورة الثامن من آذار عام 1963 لتكرس نهج الاستقلال ولتنقل سوريا بعيدا عن فرنسا وعن الحور الغربي كله . لكن وفي ظل هذه الهجمة الاستعمارية الغربية الكبرى ليس على سوريا فقط بل على كل دول المنطقة . فإن الدول الاستعمارية الغربية عادت إلى تفاهماتها السابقة في التعامل فيما بينها بخصوص المنطقة , وهكذا عاد اتفاق / ديغول – ليتلتون / إلى العمل بشكل علني . ورأينا كيف أن فرنسا فرضت مرشحها وعميلها برهان غليون على مرشحي وعملاء الدول الأخرى إيذانا منها بأنها ستكون صاحبة الشأن في سوريا الجديدة التي تحلم بها هي ومثيلاتها من دول الغرب المتكبر , لكن آن لهذه الدول الاستعمارية أن تقتنع أن التاريخ لا يرجع إلى الوراء و أن الشعب العربي في سوريا سيقاتل بأغلى ما يملك للحفاظ على استقلال قراره الوطني ولتبقى سوريا قلعة القومية والصمود العربي إلى الأبد .
علي يعرب
باحث في الدراسات السياسية والتاريخية