دام برس:
كثرت بالفترة الأخيرة المبادرات الداخلية الذاتية والصيغ الجاهزة القادمة من الخارج لإعادة إعمار سورية. وكثر معها المعارض والندوات والمؤتمرات والتي لا تؤدي بطبيعتها الاجرائية و الإسعافيه قصيرة الرؤى وغياب التنسيق فيما بينها الى اكتمال التصور الشامل والواضح والموضوعي لمرحلة اعادة الاعمار المرتقبة بسوريا الحبيبة. لذلك كان لابد من الادارة الذكية لمشروع إعادة اعمار سوريا وتفعيل دور راس المال البشري المبدع بكل جوانب إعادة الاعمار. على ان يتولى زمام الادارة مختصون يتحلون بالإرادة والقدرة على التفكير الاستراتيجي. وعلى ضرورة الاستفادة من فرصة اعادة الاعمار لتصحيح الخلل الموجود والممكن ان يستجد بالمستقبل وإعادة رسم الملامح المستقبلية بما ينسجم ويليق بالقيم الحضارية والتراثية لوطننا الحبيب سوريا. وعلى ان يكون دورنا موازي لدور جيشنا العظيم ومكمل له وذلك بصون انتصاراته وتضحياته والحفاظ عليها.
علينا أولاً تحليل الواقع الراهن بعقلانية وموضوعية وبشكل مستدام لاستخلاص العبر والاضاءة الى مكامن الخلل الموجودة والممكن ان تستجد بالمستقبل. بمعنى آخر حصر القلة من الاسباب الرئيسية للخلل الراهن والممكن ان يستجد والتي تعتبر المسبب الاكبر للخلل. على قاعدة ان الاغلبية الساحقة من الخلل بسبب قلة من الاسباب والتي من الممكن ان تتمحور حول : الجهل والفساد والبطالة والاعتماد على الخارج وما نتج عنه من مفرزات التخلف والتكفير الديني وسهولة تمرير المؤامرات الخبيثة على سوريا. حيث كان من الملاحظ ان هناك جهل بمكان ما وتدني المستوى التربوي والاخلاقي بمكان اخر. وأيضاً غياب التوازن بين المقومات الثلاث من تعليم وتربية اخلاقية وتربية وطنية على كافة المستويات من الفرد وحتى الوطن بأكمله مرورا بالأسرة والمجتمع. والذي ادى الى توازن قلق والى انزلاق بأغلب الاحيان. باعتبار ان تخصيص الوقت والموازنة والجهد باتساق وتوازن بين المقومات يثمر اكثر من صرفها على مقوم او اثنين مع اهمال المقومات الاخرى. وهذا ما افقدنا التحصين اللازم والمنعة وبالتالي الاستدامة والتنمية بالحرب والمؤامرة على سورية.

  إن غياب فكر وارادة التوازن لدى القيمين واصحاب القرار من الحكومة كان بمجمله ارضاء" لمصالح ذاتية ضيقة احيانا وغياب الفكر الاستراتيجي احيانا اخرى.
لذلك كان لابد من ضرورة التوازن بين التعليم والتربية الاخلاقية والتربية الوطنية وصولا لإعادة اعمار متوازن. فالفائدة المرجوة تكون على قدر التوازن بين المقومات على ارض الواقع وعلى كافة المستويات من الفرد وحتى الوطن بأكمله. فالتوازن بين التأهيل الفكري والاخلاقي والوطني هو الضامن للاستثمار الاقصى لراس المال البشري. حيث تأتي اهمية والحاجة للتوازن من صلاحية تطبيق الفكرة على كافة المستويات. التوازن بين المقومات على كافة المستويات والتوازن بين المستويات تبعا لكافة المقومات. فالتوازن يمهد الطريق الى استقرار المجتمع والدولة والنهوض بمقدراته الطبيعية والبشرية وصولا الى الاستدامة والتنمية بمفهومها الشامل :
إعادة اعمار مقاوم وطنياً و سياسياً وأمنياً لأي تغييرات بشكل الصراع والمؤامرة.
إعادة اعمار محصن اجتماعيا وحضاريا واخلاقيا يحظى برضى السكان.
إعادة اعمار مستدام اقتصادياً بما يكفل الاستفادة القصوى والمثلى من الموارد و المخزون الطبيعي والتراثي والسياحي والزراعي.
وبالعودة الى مكامن الخلل كان من الملاحظ ايضا كثرت الاعتماد على الخارج لدى اصحاب القرار من الحكومة ارضاء" لمصالح ذاتية ضيقة وهذا ما افقدنا القدرة على بناء قدراتنا الذاتية. بالوقت الذي كان من المفترض الاطلاع لتجارب الغير ورصد المناسب منها بما يضمن المصالح الوطنية المركزية والعليا من ناحية والاستغناء عنها تدريجيا من ناحية اخرى لإتاحة الفرصة للنهوض. اذ ان الهدف من هذه الورقة دعوة أصحاب القرار والمعنيين بالحكومة الى لقاء يهدف الى وضع التصور الاستراتيجي لإعادة الاعمار ضمن اطار معياري تنموي مستدام يوضح الطيف الكامل للمجالات الحاسمة والحيوية بإعادة الاعمار ويؤمن القواعد الاسترشادية لترجمة الاستراتيجية الى خطط اجرائية تفصيلية نوعية وقابلة للتطبيق :
خطط للتعافي والاستعادة التدريجية للمناطق والقطاعات المنكوبة والاكثر تضررا : ويغلب على هذه المرحلة الاعتماد على الخارج الصديق بما يتناسب مع مصالحنا العليا والمركزية لإتاحة الفرصة لإرساء الامن والسلام و لتحسين سبل العيش. ويجب ان تكون مرحلة محدودة وقصيرة الاجل وتأتي ضمن سياق استراتيجية طويلة الامد تضمن النهوض والاستدامة.
خطط النهوض او التحول : الانتقال السلس والتدريجي من التعافي الى التحول . يغلب عليها  التخلي والاستغناء التدريجي عن حاجة ومساعدة الغير. ويجب ان تكون متوسطة الامد وتضمن التحول الى النضج المستدام والذكي. ويغلب عليها ايضا تجهيز للكوادر والقدرات البشرية القادرة على مواكبة مرحلة التنمية.
خطط التنمية : تأتي بسياق استراتيجي طويل الامد بعد التعافي والنهوض. ويغلب عليها الاعتماد كليا على القدرات الوطنية التي تم تجهيزها وتحضيرها بمرحلة النهوض. بما يكفل الاستدامة بمفهومها الشامل الامني والاقتصادي والاجتماعي.
وخير دليل على ما سبق ذكره من رؤى وافكار هو الانتصارات والمعجزات التي سطرها و يسطرها جيشنا العظيم بقيادته الحكيمة. هذه المعجزات لن ولم تكون لولا توفر المقومات كلها بالجيش من فكر عسكري ناضج وتربية اخلاقية وعقيدة وطنية كبيرتين. وهذه دعوة لأصحاب القرار والمعنيين بالحكومة للاقتداء بنهج جيشنا الوطني وقائده العظيم والسير خلفهم لصون واعلاء تضحياتهم وانتصاراتهم والبناء عليها.

 الدكتور المهندس مازن عزت ابراهيم-استاذ مساعد بكلية الهندسة المدنية-  قسم الادارة الهندسية - جامعة دمشق.