خاص دام برس - بلال سليطين :
صمت مطبق تخترقه صيحات أمهات الشهداء وهن يصرخن بأعلى الصوت لماذا؟ لماذا قتلتم النساء والأطفال والشيوخ؟ لماذا أبدتم عائلات بأكملها؟ لماذا خطفتم النساء والأطفال والشيوخ الأبرياء؟، يعود الصمت من جديد وتنهمر الدموع من الحجر قبل البشر، إنه مشهد لايمكن لقلم أن يكتبه ويفيه حقه، فكيف يمكن لقلم أن يفي حق /123/ شهيداً جلهم من النساء والأطفال والشيوخ، تم قتلهم بدم باردٍ بعضهم ذبح وبعضهم قطع وبعضهم قتل بالرصاص فيما أحرق معظمهم بعد موتهم ولم يتمكن ذووهم من التعرف عليهم فشيعوا أرقاماً بلا أسماء، لكنهم شيعوا شهداء، شهداء نعم إنها الكلمة التي لم تفارق شفاه ذويهم طوال ساعات الدفن وكأنهم كانوا يواسون أنفسهم بها.
لا تستطيع اللاذقية أن تنسَّ هذا اليوم إلى الأبد فقد كان يوماً حزيناً بكل ما للكلمة من معنى، يوماً يصح أن نقول عنه بأنه يوم نكبة اللاذقية، كان كل شيء حزين، الوجوه، القلوب، العيون، حتى الجدران ولوحات الإعلانات كانت حزينة تبكي كلما وقف أمامها قارئ يقرأ نعي الشهداء، يقرأ أن بشراً قتلوا /123/ شهيداً دون أن يرف لهم جفنٌ أو يخشع قلب أو يخشوا رباً يحاسبهم على ما اقترفته أيديهم.
في المقبرة كان الأهالي حائرون بعضهم عرف شهدائه ودفنهم وبعضهم كان يبحث بين الأرقام عله يجد اسماً لابنةٍ أو أخت أو أخ أو أب أو أم أو أي أحد من عائلته التي ذبحت بأكملها حين دخل مقاتلون تكفيريون من دول مختلفة يتبعون تنظيم القاعدة إلى قريته على أنهم ثوار وذبحوا كل من فيها بلا رحمة.
رجل في الخمسين من عمره وقف إلى جانب شاخصة قبر كتب عليها الرقم /12/ وكان يبكي بعمق دنوت منه وسألته أهو ابنك فأجاب لا ادري لكن الرقم /12/ مطابق لعمر ولدي محمد /12/ عاماً وقد ذبح في قرية بارودة.
مواقف إنسانية خالدة شهدتها مقبرة الشهداء اليوم، مواقف ترق لها أقسى القلوب وتقشعر لها الأبدان، فكيف لا يقشعر بدنك وأنت ترى رجلاً يكتب على الشاخصة اسم والده وعمره /80/ حتى يعرفه زوار القبر ومن ثم يسير لبضع خطوات ويكتب اسم ابن شقيقه وعمره /15/ عاماً على قبر آخر، ومن ثم يقف ويقرأ الفاتحة ويقول "قتلوهم أعداء الله، أعداء الدين والإنسانية".
لقد أمضى الأهالي نهارهم وهم يدفنون شهدائهم بعضهم دفن أمه وأخته وبعضهم دفن جاره وبعضهم دفن ابن قريته وبعضهم دفن ابن القرية المجاورة، لافرق فكلهم كانوا مثل بعضهم البعض بالنسبة لذويهم فالمصاب واحد والقاتل واحد والمقبرة واحدة وهوية الشهداء واحدة، فهويتهم جميعاً "سورية" بينما هويات قتلتهم متعددة.
وفي نفس الوقت الذي كان الأهالي يدفنون أبنائهم كانوا يرحبون بعودة "رشا قصيبة" و"فاطر قصيبة" الذين أمضيا أياماً وليالي مختبئين من إجرام المسلحين بين أحراج جبل الشيخ نبهان، عودة "فاطر ورشا" أعادت الأمل لعشرات الأمهات بعودة أبنائهم المختطفين أو المفقودين، وكأن القدر أعادهما وأرسلهما إلى المقبرة في هذا اليوم ليبعثا الأمل في نفوس الأمهات الثكالى من جديد، الأمل بعودة أبنائهم من جهة وبالقصاص من الذين ارتكبوا المجازر من جهة أخرى.
ملاحظة ... دام برس نشرت مادة خاصة عما حدث في مقبرة الشهداء فيما يتعلق بالتشييع ومطالبة الأهالي بإقالة المحافظ والمسؤولين الذين رافقوه، لكن فضلنا أن تبقى هذه المادة خاصة فقط بالمجزرة والشهداء وذويهم، دون أن نلوثها بأي شائبة. المادة في قسم التحقيقات