الرئيسية  /  كتاب وآراء

من يمحو التاريخ بإصبع ؟ بقلم : الدكتور عفيف دلا


دام برس : من يمحو التاريخ بإصبع ؟ بقلم : الدكتور عفيف دلا

دام برس :
ما كنت الهوية مجرد رقم وصورة وبيانات شخصية ، ولم تكن الأرض مجرد حجارة وتراب ومنحنيات مبعثرة ، ولم يكن الإنسان مجرد اسم أو لقب او كائن يأكل ويشرب ويتكاثر .. فما يمنح المعنى الحقيقي للهوية هو الانتماء ، وما يعطي القيمة للأرض هو كونها وطن لإنسان، وما يعلي من قيمة الإنسان هو تلك الهوية والأرض ..
وعندما تشكل الهوية والأرض قضية للإنسان فحينها يرتقي في إنسانيته حيث يمارسها ليدافع عن قضيته ويبرهن عن إرادته التي تميزه وتعطيه الخصوصية ويتسلسل ارتقاء في مراتب العلياء فيغدو مناضلاً ومقاوماً وربما شهيداً ..
وما كان التاريخ مجرد حكايا في سطور تضمها دفوف الكتب وإنما كان فعلاً تراكمياً كتبته الشعوب والأمم وأثرته بفعلها الحضاري فغدا علامة فارقة لشعب هنا أو أمة هناك تباهي به أقرانها، وتتمايز عن شذوذ هوامشه في كثير من الاحيان التي تبتعد عن متن حركية التاريخ بعبثية تحوله إلى فضاء لا معنى أو قيمة له؛ إذ هو تخريب وتدمير للإنسان وليس بناء وارتقاء له ، لذلك لم يذكر التاريخ اولئك العابثين بما ترفع له القبعة احتراماً وما تنحني الهامات إجلالاً لصنائعه ، وإنما ذكرهم على نحو يدعو للخزي والعار وكعبرة للاجيال اللاحقة حينما تقارن بين صورتين متناقضتين بين نبي وبغي ، بين مخلص ومدمر ..
كذلك هي صورة ترامب في هامش التاريخ أحمق عابث حيث ظن أن بمقدوره محو التاريخ بتوقيعٍ على صك غفران لمحتل وسلب صاحب حق في وضح الوعي والذاكرة ، فمنح ما لا يملكه لمن ليس الحق فيه وأعطى المسروق لسارقه مباركاً تلك السرقة ومثبتاً إياها بعقد من زيف ..
فعلها ترامب وهو الملاحق بملفات ضاغطة تنال من إدارته المتساقطة كأوراق الخريف تذروها الرياح بعد اصفرار الموت، علّه يحظى بدعم لوبيات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة ليستقوي بها على خصومه من مؤسسات الدولة العميقة ، ومحاولاً تقويض نفوذ منافسه الروسي على الساحة الدولية من خلال افتعال بؤر توتر جديدة وتصنيع أوراق ضغط لاستخدامها في حربه التفاوضية معه فهو يريد حصة الأسد في إعادة الإعمار في سورية ويريد فرض شروطه على بنية وشكل اللجنة الدستورية المزمع تشكيلها من وحي مظلة أستانة واتفاق سوتشي فهو اليوم الباحث عن فرص التعويض لخسارة مشروع بكامله في تفاصيل النهاية فلربما حقق ما عجز عنه بقوة الإرهاب !!
لكن عبثاً يحاول النيل من صمود سكن التاريخ بين ذراعيه فأهل الجولان هبوا وساروا مسيرة حساب في وجه المحتل بكلمة " لا " لقرار الاعتراف الأمريكي بسيادة المحتل عليهم وعلى أرضهم وأهلهم .. على حاضرهم ومستقبلهم .. وهم اليوم مع كل خطوة يختزلون الزمن ليمر شريط الأحداث مرة أخرى مبتدئاً بعام 1981 حيث قرار الضم الصهيوني للجولان الذي أطاح به أهلنا ورفضوا الهوية الإسرائيلية رفضاً قاطعاً ليقف الزمن عند ذاك التاريخ إلى اليوم متحدثاً بلسان عربي سوري وحاملاً هوية وطنية سورية لم تزل في الوجدان دون أن ينال منها مد السنين وجزرها...
وكالقمر في ليل حالك يضيء كل ما حوله ، أضاء الجولان مجدداً ساحات النضال العربي لتشعل الجماهير العربية قناديل نضالها ضد المحتل الصهيوني وتعلو الحناجر لتهتف لقائد عربي عز مثيله وهو الرئيس القائد بشار الأسد ففي تونس غص شارع الحبيب بورقيبة وبالتزامن مع انعقاد "الهاوية" العربية بآلاف المتظاهرين على زمن الخنوع والمتمسكين بحرية القرار والرافضين الوجود على هامش التاريخ بل في قلب القلب ومتن المتن لقضية جمعت من تحدثوا بالضاد وتشاركوا رغيف الذكريات حول موائد الاجداد العامرة وأسخطهم عوز سلاطين وأمراء وملوك الكراسي الفارغة والعروش الخاوية .
نعم قالها التونسيون وقبلهم الجزائريون والمصريون وغيرهم من أبناء أمة أراد المحتل شتاتها وكسر قدميها لتبقى زاحفة على بطنها فلا هامة تعلو فوق قدم المحتل لكن خسئ وساء مصيراً ، فالأمة باقية وحاضرة في الوجدان والتاريخ لا يكتبه الصغار مهما علا شأنهم زيفاً وكذباً ، فكم من احتلالات تعاقبت على أمم أرادت الاستيطان فيها أبد الدهر وظنت كذلك حقاً فكانت الهوية الفاعلة بانتمائها والأرض العامرة بإنسانها والإنسان الواثق بقضيته عنوان زوال الاحتلال وشروق شمس الحرية مجدداً ، وكيف لا وبالامس القريب كنا على موعد مع البطولة المنعشة للذاكرة في سلفيت الفلسطينية ، وكيف لا ولا نزال نحن في الجولان نزرع أبطالاً كما التفاح في بيادر الوطن لنقطفها في مواسم النضال أيقونات عز وفخار كصدقي المقت عميد الأسرى السوريين والعرب في سجون الاحتلال .
الجولان عربي سوري وما من قوة تستطيع تغيير لغته ولا طمس هويته ولا محو تاريخه ولا فصل مشيمته عن أمه سورية .. فهذه مستحيلاتنا نحن في سورية التي اجترحناها من صميم وجداننا ولم ننقلها لننسخها في كتبنا بل كتبناها بحبر دماء الشهداء وحميناها بعظيم التضحيات .. فالجولان في القلب وعبثاً يحاولون انتزاعه منا، لا بل الجولان هو القلب وعبثاً يحاولون منعه من النبض .

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=93287