دام برس :
حدث تصعيدا اوكرانيا مقصودا و مفتعلا ضد روسيا ، من خلال انتهاك ثلاث سفن اوكرانية المياه الإقليمية الروسية ، و اوكرانيا بلا شك كانت تدرك ان روسيا دولة عظمي و سترد علي هذا الانتهاك بشكل حازم يؤدي الي تصعيد حتمي بينهما ، و هو ما حدث بالفعل من خلال اطلاق البحرية الروسية النار علي السفن الاوكرانية و اقتحامها و من ثم السيطرة عليها ، هذا الحدث الذي افتعلته اوكرانيا ليس له علاقة استراتيجية بالقيادة الاوكرانية لا من قريب و لا من بعيد ، بل له علاقة وثيقة بالصراع بين ترامب و الدولة الامريكية العميقة و توازن القوي بينهما الذي تأثر بسبب نتائج انتخابات مجلس النواب و دفاع ترامب عن النظام السعودي في قضية مقتل خاشقجي

منذ تولي ترامب رئاسة امريكا و يوجد حرب باردة بينه و بين الدولة الامريكية العميقة ، الاولوية لترامب الاقتصاد ، بينما الاولوية للدولة العميقة الصراعات الجيو سياسية ، لذلك كان ترامب يريد تصعيدا ضد الصين و مهادنة مع روسيا ، بينما الدولة العميقة كانت تريد مهادنة مع الصين وتصعيد ضد روسيا ، ترامب يبني سياسته علي اسس اقتصادية بحتة ، بينما الدولة العميقة تبني سياستها علي الصراعات الجيو سياسية لذلك حدثت الحرب الباردة بينهما ، كان التفوق في تلك الحرب في البداية لصالح ترامب ، الرجل انعش الاقتصاد ، ادخل مليارات الدولارات ، قلل نسب البطالة ، عقد اتفاق تاريخي مع كوريا الشمالية ، و انتصار ترامب علي الدولة العميقة يعني تصعيد امريكي اقتصادي ضد الصين و مهادنة جيو سياسية مع روسيا ، بينما انتصار الدولة العميقة علي ترامب يعني تصعيد جيو سياسي ضد روسيا و مهادنة اقتصادية مع الصين

كان ترامب هو المتفوق علي الدولة العميقة ، شن حربا اقتصادية شرسة علي الصين و ردت الصين بحرب مضادة ، و هادن روسيا جيو سياسيا ، اعطي بوتين ورقة اردوغان يلعب بها كما يشاء و اردوغان يهوي ان يكون ملعوبا به مادام يستفيد ، كل شيء كان يسير وفق افكار ترامب ، حتي حدث تطورين قلبا الامور رأسا علي عقب ، فوز الديمقراطيين بالاغلبية في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشيوخ ، و دفاع ترامب عن النظام السعودي في قضية مقتل جمال خاشقجي بطريقة ساذجة ،مما جعله عرضة للنقد من اغلب وسائل الاعلام و الصحف الامريكية

فانقلب ميزان القوي بين ترامب و الدولة العميقة لمصلحة الدولة العميقة ، هي الان اقوي منه داخل المؤسسات الدستورية و مجلس النواب و اقوي منه اعلاميا و دعائيا ، اي ان ترامب سيكمل ولايته الرئاسية ضعيفا امام الدولة العميقة ، لن يكون دمية في يدها ، لكن لن يستطيع اجبارها علي الصمت بخصوص تطبيق استراتيجيته المختلفة تماما عن استراتيجيتها كما كان يحدث ، سيحدث العكس تماما ستجبر الدولة العميقة ترامب علي الانصياع لمشروعها و هو مهادنة الصين اقتصاديا و التصعيد الجيو سياسي ضد روسيا ، وفقا لهذا المنطق في التحليل نستطيع ان نفهم لماذا اوعزت امريكا لتركيا بجعل مسلحيها يقصفوا حلب بالسلاح الكيميائي ، لخرق اتفاق سوتشي و افشاله ، و القضاء علي مخطط بوتين الساعي الي ان تكون روسيا هي راعية للسلام الاقليمي و مفتاح حل النزاعات لديها ، و لماذا اوعزت امريكا لاوكرانيا باستفزاز روسيا لاختبار ردة فعلها ، امريكا صعدت ضد روسيا بالوكالة مرتين ، مرة ضد اتفاق سوتشي عبر مسلحي اردوغان ، و مرة ضد الاراضي الروسية مباشرة ، و في المرتين عملت امريكا علي استفزاز روسيا لجعلها ترتكب ردات فعل غير متناسبة مع حجم الاستفزاز لتشويه صورة روسيا دوليا و تبرير فرض مزيد من العقوبات عليها ، لكن روسيا تصرفت بذكاء و برودة اعصاب ، ردت بحسم يحفظ هيبتها و في نفس الوقت بشكل منطقي لا يؤدي لتصعيد هي لا تريده ، التصعيد الذي قام به وكلاء امريكا ضد روسيا يرجع سببه الي فرض الدولة العميقة استراتيجيتها علي ترامب بخصوص المواجهة مع روسيا

لذلك وفقا لتقييمي فالتصعيد الاوكراني ضد روسيا و سعي اردوغان لافشال اتفاق سوتشي بشكل رسمي جميعها مخططات امريكية مترابطة و متزامنة ، يرجع سببها الي تغير ميزان القوي في الصراع بين ترامب و الدولة العميقة لمصلحة الدولة العميقة و بالتالي فرض استراتيجيتها و هي التصعيد ضد روسيا علي استراتيجية ترامب و هي التصعيد ضد الصين و لكن يجب التذكير ان هذا ليس له علاقة بقدرة ترامب علي الفوز بالرئاسة في الانتخابات القادمة !