غزل الموسى – دام برس - اللاذقية :
قدِّم لأغانيها ما استطعت من فروض الذاكرة فهي القادرة على إنقاذك من زحمة الكلام، تجاهل من يتأففون من الروتين اليومي فهم لم يدركوا بعد  معنى الإدمان، هي التي لم تخذل من ذكروها في عروة دهرهم و كانت الوسام الذي خبأوا خلفه الذكريات البائسة، وباتوا يسجلون في هذا اليوم من كل سنة أنه ذكرى ميلادها، 21 تشرين الثاني فمن "يومها صار القمر أكبر"، وكان لاحتفالهم بها طقوس خاصة بعد أن اجتمع صوتها مع "القهوة اللي عالمفرق".
حيث قدّم مقهى صباح ومسا في اللاذقية وتحت رعاية وزارتي السياحة والثقافة  للسنة ال14 على التوالي الاحتفالية الخاصة بعيد ميلاد السيدة فيروز، والتي أحيتها الفنانة ليندا بيطار التي كانت على الموعد كما عَهِدت هذه المناسبة على مدار السنوات الست الفائتة لتكون أيقونتها تقليد سنوي بعيد ميلاد الأسطورة.
امتلأ مدرج المركز الثقافي وكان للمكان دفئه الخاص على الرغم من طقس تشرين البارد.."فايق يا هوى" بدأ المايسترو عدنان فتح الله بإيماءاته للفرقة الموسيقية فكان كمن يحرك يديه كي يخلق السحر وينثره على المسرح، ليمهد التشيلو بخامته الرخيمة دخول صوت ليندا بيطار على اللحن الهادئ  ويخاطب الجمهور "بعتلك روحي".. لتأمر بعدها "العود الرنان" ألا يتوقف عن العزف حتى يأتي الحجل و يقول على مسمع محبي فيروز " في أمل" ولو بعد "ليالي الشمال الحزينة" ليكون "عنا الحلا كلو" رغم نشاز الحرب الذي لم يألفه السوريين طوال السنين الماضية.
عن خصوصية هذه الاحتفالية شرحت بيطار لدام برس:" لهذه الحفلة مكانة خاصة في قلبي، فاللاذقية باتت تعني لي فيروز وارتبط حبي لهذه المدينة مع صوتها ومع هذا العيد تحديداً، وكل سنة أشعر بأن حب الناس في هذا المكان يزيد من مسؤوليتي، لأنهم بالفعل جمهور ذواق وأتمنى أن أكون عند حسن ظنهم، وأن أوصل لهم محبتي في كل مرة".
لم يتردد الجمهور بالغناء كلما سنحت له الفرصة، و لم يبالِ بقطع الأغاني بالتصفيق الحار كلما وصل إلى نشوة الطرب، و على الرغم من الازدحام الذي رافق بداية الحفل، إلا أن انطباعات الرضا كانت واضحة بعد عزف أول نغمة.

"في السنة الفائتة كنت اقترح أن يكون اسم الاحتفالية يا رايحين عحلب وعلّني أشهد تنبؤي هذه السنة" يوضح منظم الاحتفالية الإعلامي سومر حاتم للجمهور الحاضر: "لكنني لم أتوقع أن أكون قبل يومين من هذا الاحتفال في البوكمال، فلا مكان للتنبؤ عندما تنتصر إرادة الحياة"
ومن إرادة الحياة هنا كان لاسم الاحتفالية نصيب حيث أوضح حاتم لدام برس:" عنّا الحلا كلو في بلدنا كلها وخصوصاً اللاذقية لأن هذه الفعاليات تستهوي جمهورها الراقي، ولاسيما أن ما ميّز هذه الاحتفالية عن المرات السابقة وجود أوركسترا كبيرة، فكان لها طابعها الخاص الذي برزت فيه عن الحفلات الأخرى التي تقام في المدينة"
وعن جعل هذا اليوم من كل سنة مناسبة تجمع عشاق فيروز على أغانيها بيّن سومر حاتم : "لم يكن هذا اليوم ميلاداً لحالة أو لتاريخ فني فحسب، بل هو ميلاد لأسلوب و نمط حياة، و خاصة لنا نحن السوريين، فالاحتفال بهذا العيد هو احتفال بتأسيس النمط الفيروزي، ومنذ سبع سنوات تحديداً زادت المثابرة على الإكمال في هذه الاحتفالية لأنها تمثل استمراراً لثقافة الحياة، فقد كنّا نستمد من أغانيها جزءاً من السلام الداخلي الذي فقدناه، و كان صوت فيروز ملاذاً للسوريين كما كان للبنانيين أيام حرب لبنان".
وعلى الشمعة الـ 82 "لجارة القمر" تمنى لها الحاضرون العمر الطويل وتمنوا معه ألاَّ ينتهي الغناء وأن يستمعوا أكثر لمن حملت فيروز في صوتها وملأت حواس الحاضرين "بعطر ودفا وورود"، فحتى الأطفال من الجمهور كانوا يدندنون مع الأغنيات، ليأكدوا لك أن ألحان الرحباني و صوت فيروز بات يورث مع الملامح والطباع، ليبقى وحده قادراً على إيجاد رابطاً للسلام في زمن كثرت فيه النزاعات.