الرئيسية  /  كتاب وآراء

طريق الخلاص أن ننظر إلى نصف الكأس الملآن .. بقلم : الدكتور عاصم قبطان


دام برس : طريق الخلاص أن ننظر إلى نصف الكأس الملآن .. بقلم : الدكتور عاصم قبطان

دام برس :
الثامن و العشرون من أيلول ، تاريخٌ مؤلم يجتمع فيه النقيضين ففي 28 أيلول 1961 كان الإنفصال المشؤوم الذي فصل سورية عن الجمهورية العربية المتحدة و الذي قامت بهِ ثلةٌ مارقة جعلت الأمة العربية تدفع و ما زالت حتى الآن أثماناً غاليه من شيبها و شبابها و قيمها و مبادئها ، و في أحسن الظروف و انطلاقاً من حرية الرأي التي نؤمن بها و القبول بالرأي الآخر ، فيمكننا أن نقول أن الذين قاموا بجريمة الإنفصال كانوا قصيري النظر و أنانيين و لم يدركوا ما ستؤول إليهِ الأمور بنتيجة فعلتهم الشائنة ، فهم لم يدركوا أهمية الهرم الذي حطموه و لم يدركوا أهمية الهدف الذي دمروه وهو دولةُ الوحدة الأولى في التاريخ المعاصر ، لقد قامت الجمهورية العربية المتحدة في شباط 1958 نتيجةً لنضالاتٍ مستمرة على مدى عقود ، و كانت رداً على الخيبة التي أصيبت بها الأمة العربية نتيجةً للتآمر و نتيجةً للخيانات على مستوى الحكام العرب في ذلك الزمان و التي أدت لانتصار الصهاينة في 15 أيار 1948 ، كانت ردة الفعل الأولى قيام ثورة الثالث و العشرين من تموز يوليو في مصر االكنانة بقيادة الضباط الأحرار و على رأسهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الذي التفت حوله الجماهير العربية في كلِ أقطارها من المحيط إلى الخليج نتيجة للإنتصارات الباهرة التي حققتها الثورة الرائدة و التي تجلت في معارك العدوان الثلاثي على مصر ، و معركة بناء السد العالي في أسوان و انتصار القيادة الثورية في مصر ضد الخطر المحدق بسورية في معركة الأحلاف حين رابطت القوات المصرية على الحدود السورية الشمالية مع تركياً في عام 1957 .
يضيق المجال عن الاستمرار في الحديث عن تلك الحقبة من التاريخ المعاصر و التي عشناها بكل انتصاراتها و نكساتها و التي حُرمت الأجيال الحاضرة من قراءةِ هذا التاريخ المشرق.
ما زلنا نتذكر الثامن و العشرون من أيلول بالمرارة و الأسى ففي ذات التاريخ و في عام 1970 أزهقت روح الرئيس جمال عبد الناصر وهو  يقاتل من أجلِ حماية المقاومة الفلسطينية التي تآمرت عليها الرجعية العربية في أحداث أيلول الأسود حين شنت القيادة الأردنية حملة عسكريةً شعواء بهدف القضاء على الفدائيين الفلسطينيين و الثورة الفلسطينية قبل أن يشتد عودها ، و كانت الضحية روح الرئيس جمال عبد الناصر بعد أن أنهكه الجدل و الحوار لإيقاف القتل للثوار .
مناسبتان تلتقيان بنفس الشهر و نفس اليوم و بفاصلٍ يصل إلى عشرةِ سنوات ، الإنفصال المشؤوم و وفاة عبد الناصر .
نحن الآن في كل الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ما زلنا حتى يومنا هذا ندفع الثمن من دماء الشعوب العربية بعد أن أحكمت حلقة العداوة و انتهاج الثأر ضد هذه الأمة من كافة القوى العالمية و الاقليمية ، في هذه اللحظات لم يعد كافياً الرثاء و لا الذكرى و لا حتى البكاء ، بعد أن أسقط في يد الجماهير العربية و ضاعت توجهاتها و اختلطت أهدافها و مآلاتها ما بين الولاء لهذه القوة العالمية أو تلك و لهذه القوة الإقليمية أو تلك و نسي الحكام العرب أهمية هذه المنطقة الجغرافية كونها تقع على تلاقي ثلاث قارات و تمتلك طاقات بشرية و ثروات باطنيةهائلة .
لن نسترسل في الحديث و البكاء و النحيب و نرى أن علينا النظر إلى نصف الكأس الملآن و ليس إلى النصف الفارغ ، و هذا يدفعنا إلى التفكير العميق و تحليل ما ألم بنا و البحث عن نقاط التلاقي إنطلاقاً من أن المواطنة هي الدرع الحصين الذي سيعيد لهذه الأمة مكانتها و ثقتها بنفسها ، و لا بد من العمل على رأب الصدوع ما بين المكونات البشرية لأمتنا كيما تستطيع الوقوف مرةً ثانية و تنتصب قامتها .
في نفس الوقت لا بد من الإعتراف بأن لكلٍ من القوى الإقليمية طموحاتها التي تكررت على مر التاريخ و  هذا ما يتيح لنا المجال لفهم الطموحات الإيرانية و التركية و من خلفها الروسية و الأمريكية و دول الاتحاد الأوربي ، و لا ننسى الصين و دول البريكس .
مع فهمنا لهذه الطموحات و تقييمنا لها نحن نجد أن من حق شعوب هذه المنطقة من العالم أن تكون لها دولتها الكبيرة التي تمتد من المحيط إلى الخليج و من جبال طوروس شمالاً إلى البحر العربي و المحيط الهندي جنوباً و إن نسينا فلا ننسى لواء الإسكندرونة و عربستان و فلسطين السليبة و جنوب السودان و التي يمكن أن ترسي قواعد الحرية و الكرامة و الديمقراطية و العدالة لمواطنيها ، و لا بدَ من اليقين بأن كل ما جرى و يجري على هذه الأرض الواسعة إنما يشكل حلقة محكمة في خدمة الصهيونية العالمية و دولتها إسرائيل ، فقد أخطأ الحكام العرب في العقود الماضية  و في القمم العربية عندما تقبلوا فكرة الحل السلمي و إقامة الدولتين في فلسطين و ما تلى ذلك من اتصالات تحت الطاولة ما بين الدولة الإسرائيلية و العديد من الأنظمة العربية و الذي تحول مؤخراً إلى العلن ، و لقد بدا واضحا بدون لبس التآمر الأخير لإقامة إسرائيل جديدة على الجانب  الشمالي الشرقي لحدود دولتنا المستقبلية في ما سمي بكردستان العراق ، بالرغم من أن العراق كان قد أعطى الحكم الذاتي للأكر اد  في زمن حكم الرئيس أحمد حسن البكر.
إذا أردنا أن ننظر إلى النصف الملآن من الكأس  فهذا يدعو لمحاولة التحليل و إيجاد الحلول و ربط الأمور كيما نستطيع كمثقفين أن ندرك ما يجري ، إنطلاقاً من الإيمان بضرورة الحفاظ على الدولة و المؤسسات ، و ثانياً إعادة تقييم و تسمية الأعداء الحقيقيين للأمة و في مقدمتهم إسرائيل الغاشمة  ، لقد تجلت عظمة السوريين في عام  2006 باستقبالهم عشرات الآلاف من  المهجرين اللبنانيين و في ذلك الحين لم تشهد البلاد إقامة مخيمات اللجوء كما حدث مع السوريين في الأحداث التالية لعام 2011 في لبنان حين أدركت إسرائيل أن عليها إعادة النظر في المعادلة الإسرائيلية العربية ، ، و هنا يبرز التساؤل لدى الجميع و بعد كل ما جرى و ما وضحَ حتى الآن ،ألم يكن من الممكن التعامل مع القضية السورية بصورة مختلفة  و بشكلٍ يرمم الخلافات و يقطع الطريق على ما آلت إليه الأمور من تدويل و مؤامرات و انتقال المعارك من هنا إلى هناك ، و لمصلحة من كل هذه الدماء التي أهرقت على التراب السوري لأولئك الذين قاتلوا يوماً إسرائيل  و لمصلحة من كل هذا القتل بالجملة و من كل الأطياف و المكونات و من الموالاة و المعارضة ، ثم هل كان المنطق يقتضي استقدام كل هذه المليشيات المختلفة و المتباينة و ليس داعش أو جبهة النصرة فقط ، حتى أصبحت بلادنا مسرحاً لتصفية الحسابات ما بين القوى المختلفة و لإجراء التجارب على الأسلحة الحديثة و اختبار فعاليتها .
إذا كان الإنتصار العسكري ممكنا لأي جهة فإنه سيكونُ معمدا بالدماء الغزيرة و الشهداء ، و إن كل المخلصين يؤمنون بضرورة إنهاء المشكلة السورية و ترك السوريين ليحلوا مشاكلهم فيما بينهم حلاً سياسياً ، إلا أننا و نحن ندرك أن سورية هي درع لبنان و أن لبنان هو خاصرة سورية نرى بأنه بات من الضرورة بمكان و في ذروة الأزمة أن يكون لبعض القوى  دورٌ كبير في لئم الجراحات و دعم سورية لاستعادة منعتها و قوتها و التي كانت و ما تزال بشعبها و جماهيرها تشكل الجدار الصلب لقوى المقاومة  هذا الجدار الذي عمدته دماء الشهداء السوريين الذين كانوا و ما زالوا الوقود المستمر لشعلة الحرية و التحرر و الإنعتاق ، لا بد من إعادة الجسور مع كل مكونات الشعب السوري ، و لا بد الإصلاح ، لا بد من مكافحة الفساد ، لا بد من استعادة سورية لألقها و عنفوانها لتكون النواة لدولتنا المنشودة التي نسعى لأن تكون من المحيط إلى الخليج تحت مظلة عربية تتساوى فيها كل المكونات البشرية من خلال المواطنة التي هي من حق الجميع و التي ستكون الرد على دعوات التقسيم و الفدرلة .

الدكتور : عاصم قبطان - دمشق

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=82018