الرئيسية  /  كتاب وآراء

هل سيحقق بيان موسكو و لقاء الأستانة طموحات السوريين .. بقلم : الدكتور عاصم قبطان


دام برس : هل سيحقق بيان موسكو و لقاء الأستانة طموحات السوريين .. بقلم : الدكتور عاصم قبطان

دام برس:
أما و قد قاربنا نهاية العام السادس للحراك السوري و تعود بنا الذاكرة إلى الأسبوع الثالث من شهرِ آذار 2011 ذلك التاريخ الذي انطلقت فيه المظاهرات في الشوارع السورية مطالبة بالإصلاح و التغيير و استعادة الكرامة ، بعد الهجوع و السبات الشتوي الذي استمر لأربعة عقود و نيف و الذي اصاب الجماهير السورية بفقدان الأمل ، في تونس كانت تضحية البوعزيزي الشرارة التي أججت في النفوس الأمل بإمكانية التغيير، و أعقبتها ثورة الخامس و العشرين من كانون ثاني 2011 في مصر الكنانة ، و استحقت هذه الانتفاضات لقب الربيع العربي الذي جاء ليؤكد بأن الأمة ما زالت حية و يحدوها الأمل باستعادة زمام أمورها ، في البدايات لقد تماهت القيادة السورية في تلك المرحلة مع شرعية الحراك و شفافيته و عبرت عن ذلك بالغاء المادة الثامنة من الدستور ، و الغاء قانون الطوارئ ، و شعر السوريون بإمكانية التفاعل فيما بينهم و بين القيادة السورية ، في تلك الحقبة أكدت السيدة بثينة شعبان بكل وضوح و بدون مواربة حق الشارع السوري في التظاهر السلمي ، كما عبر السيد رئيس البلاد في تصريحاته ، بأن الستة أشهر الأولى كانت تتميز بالسلمية ، ثم بدأت المشكلة تأخذ أبعاداً جديدة فردة فعل النظام التي كانت سريعة لم تلقى الدعم و التأييد ممن يمكن تسميتهم بمراكز القوة هنا و هناك في الداخل و الخارج ، إضافةً إلى المستفيدين الذين لن تروق لهم أجواء الديمقراطية و الحرية التي كانت مطلب الجماهير ، و رغم جميع الإشارات التي كانت تبشر بأن سورية تختلف عن البلاد العربية الأخرى و أن النظام جادٌ في تطوير البدائل والإصغاء لصوت الشارع ، إلا أن الأمور انقلبت و دخلت البلاد في دوامة الفوضى و الأفعال و ردود  الأفعال ، و لم تصدق الوعود التي قُطعت للقيادة السياسية بالقضاء على الحراك في أيام و استعادة السيطرة على الأمور بل جوبهت بإصرار الشارع السوري على تحقيق أحلامه ، رغم فقد مئات الآلاف من الشهداء من كل الاتجاهات بما في ذلك الفئات الصامتة و الفئات التي وقفت إلى جانب النظام ، و ما نحسب كل هؤلاء إلا أنهم من المواطنين المخلصين الذي استرخصوا دمائهم على مذبح الوطن .
لقد حان الوقت لإعادة النظر من جميع الأطراف نظاماً و موالاةً من جهة و معارضة من جهة و فئاتٍ صامتةٍ للوقوف و التفكير بعمق و إيجابية و غيرية ، و لنتسائل عما آلت إليهِ سورية  ، و هل هناك بارقة أمل باستعادة الوئام و اللحمة بعد كل ما جرى ، و هل حقق النهج الذي انتهج حتى يومنا هذا أكُلهُ ،  يبدو أن بيان موسكو الأخير و اللقاء ما بين روسيا الإتحادية و تركيا و إيران و الدعوة إلى جلوس الجميع على طاولةٍ مستديرة ، قد يكون خطوةً صحيحة في محلها ، و نحنُ ننظر بعين الأمل و الواقع إلى كل مكونات المجتمع السوري التي قد تلتقي في الأستانة و نناشد الجميع باللجوء إلى الحكمة و العقلانية ، و ننطلق من الثوابت التالية.
1. لا تستطيع سورية أن تنسلخ عن الفضاء العربي و الظهير الإسلامي المحيط بها .
2. إن الموقع الجغرافي لسورية بين ثلاث قارات يؤهلها لتكون صاحبة القرار و الريادة في الشرق الأوسط ، و لا بد لها أن تقف على مسافةٍ واحدة من القوى الإقليمية و الدولية بما يضمن سيادتها على كامل  أراضيها .
3. قدسية وحدة التراب السوري هي قدر السوريين بكلِ طوائفهم و انتماءاتهم المذهبية و العرقية و الإثنية .
4. المواطنة هي الحق الوطني الشرعي لكل أبناء الوطن و أن الشعب السوري واحد و ان الجيش السوري هو جيش الوطن و لكل أبنائه .
5. الإيمان  بحق الشعب السوري باستعمال الوسائل السلمية لتحقيق أهدافه في التعبير عن آرائه و القبول  بالرأي و الرأي الآخر .
6. الشعب السوري هو الوحيد الذي يملك قرار اختيار نظام الحكم الأمثل و الدستور الذي يحقق تطلعاته .
7. رفض التدخل الخارجي بأي شكل من الاشكال أياً كان مصدره .و إن جميع المواقف التي انتهجتها  القوى الدولية و الإقليمية سواءً إلى جانب النظام أو إلى جانب المعارضة حَركتها حصراً مصالحها الذاتية و قد عمدت إلى الإنقضاض على سورية  لِتُحولها إلى ساحةٍ لتصفيةِ حساباتها البينية، و  أدى تدخلها بدعمها المالي والسياسي والاعلامي إلى ظهور أجندات خاصة لبعض الفصائل التي لم تلتقي أهدافها مع تطلعات السوريين .
8. إن تنامي الإرهاب الدولي  و استباحة الأراضي السورية كان بفعل القوى صاحبة المصلحة في انتاج شرق أوسط جديد يعتمد تفتيت الدول القائمة و تحويلها إلى دويلات و كانتونات صغيرة لا تتوفر لها مقومات الدولة و ذلك لإضعاف المقاومة و إنهائها ضد العدو الحقيقي لشعوب المنطقة و الذي يتمثل فقط في إسرائيل و من ورائها .
9. إن  الإستمرار في تغييب العمل السياسي وتصحره في سورية طوال العقود السابقة أدى إلى تخلفه عن قيادة أهداف الجماهير السورية و توجيه مسيرتها ، و أدى  إلى تفتيت الاحزاب السياسية الوطنية و فصلها عن قواعدها الشعبية  وهذا ما أفقدها دورها في العمل الثوري  لمنع إنحراف انتفاضة الجماهير عن مسارها. و إن إضطرار العديد من السياسيين و الشخصيات الوطنية بمختلف اتجاهاتها إلى مغادرة سورية  أدى إلى ظهور معارضة في الداخل  و معارضة في الخارج كان من نتائجها أن :
اختلفت كل من المعارضتين في النهج والاسلوب. و تجلت  نقاط الخلاف بالنهج والاسلوب حيث تمسكت  المعارضة الخارجية بأسلوب إسقاط النظام بالقوة، و ابتعدت المعارضة الداخلية عن مخاطبة العواطف ولجأت إلى لغة العقل في انتهاج الحل السياسي ووضعت عنوانا لها التغيير الشامل و التحول إلى الحياة الديمقراطية التي تضمن لكل مكونات المجتمع السوري الحرية و الكرامة و العدالة و المساواة أمام القانون ،  و  الرفض المطلق للتدخل الخارجي .
10. إن ما يحدث في سورية لا يمكن ان ينتهي بانتصار طرف على الآخر فالجميع خاسر والرابح الوحيد هو الكيان الصهيوني الذي ربح قتل الشباب السوري وهجرة العقول و الخبرات و ربح تدمير البنية التحتية للاقتصاد السوري وربح تدمير القدرة العسكرية السورية التي تراكمت عبر سنين طويلة و دفع ثمنها شعبنا العظيم من عرقه وعلى حساب رفاهيته ومستقبل أولاده  ، والأكثر إيلاما أن هذه الحرب البغيضة أدت إلى  تدمير اللحمة الاجتماعية السورية والتي كانت مضرب المثل في العالم كله .
11. إن الصديق الحقيقي للشعب السوري هو من سيأخذ بيده إلى الحل السياسي الذي يحقق أهدافه في الحرية و الكرامة و الحياة الأفضل ، وإن من يمد كل اطراف الصراع بالسلاح والرجال لم ولن يكون صديقا للشعب السوري .
12. إن بقاء القوى الغريبة عن اللحمة السورية و استمرار استعمالها للأراضي السورية و أجوائها و مياهها لتصفية حساباتها و تنفيذ أجنداتها التي لا تلتقي مع طموحات السوريين و رؤيتهم لن يؤدي إلا إلى تقسيم البلاد و تفتيت الروابط و الجسور ما بين مكونات الشعب السوري العظيم .
أصحاب القرار من السوريين موالاةً و معارضة مطالبون  بإعادة النظر و قراءة ما بين السطور ، و إن الحل يكمن في اتكاء  السوريين على بعضهم البعض ، أما الإتكاء على من أتوا من خارج الحدود ، كائناً ما كان انتماؤهم و مرجعيتهم فلن يحقق مصلحة السوريين ، و لا بد بعد اليوم من أن يكون الشعب السوري مرجعيةً للجميع فهو الأبقى ، لا بد للسوريين كل السوريين الذين غادروا أن يعودوا إلى الوطن فهو الأم الحقيقية و ليشاركوا في صنع سوريةالجديدة ، و الخيانة كل الخيانة ترك سوريا لمصيرها ، في نفس الوقت الذي نناشد فيه كل القوى السورية الخيرة بأن تعمل على رص الصفوف و توحيد أهدافها لإقامة الدولة الكبيرة و القوية ، لا مكان في القرن الواحد و العشرين إلا للقوى العظمى ، و كل ما دون ذلك سوف يبقى عالةً على القوى المُحركة ، لن يقبل السوريون بأن يكونوا بيادق بل لاعبين أساسسيين و أصحاب قرار في هذا الكوكب ، و من المحتم أن هذه الطموحات و الأهداف لن تحققها التقسيمات الإثنية و العرقية التي تعمل القوى الإقليمية و الدولية و قِصار النظر على تحقيقها .
عاشت سورية حرةً أبية الرحمة للشهداء و الحرية لجميع المخطوفين و المغيبين و المعتقلين ، و العودةُ الآمنة لكل المهجرين . 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=76362