دام برس – لما المحمد :
سلام على أرواح عانقت تراب وطنها شغفاً ...سلام على أنفس عشقت نسيم بلادها فكانت ضحية لنقائه ... سلام على رجال في ريع الشباب حاربوا الليل و ظلامه و عند الصباح بالأكفان قد عادوا ...سلام على من ربّى وعلّم ليقدّم أغلى ما يملك ليحيا و يحيا الوطن .
ولد الشهيد همام محمد خلوف عام 1989، في قرية عرقايا التابعة لريف حمص الغربي ، تلك القرية التي قدّمت خيرة شبّانها شهداء بكل فخر و صمود فداء للوطن ، وهو من أسرة متميزة بتوفقها العلمي ، والده مدرس في المدرسة الأبتدائية ، و والدته موّجهة في المدرسة الثانوية للقرية ،
دام برس التقت مع والدة الشهيد حياة خضور ، و التي تحدثت إلينا عن حياة الشهيد همام بكل غصة و حرقة قلب على فراقه ، مع فخر كبير يغمر أحشائها بشهادته كأم شهيد ،
تربى همام بين أحضان المدرّسين و المدرّسات، حيث كان يحب الأدب و يكتب الشعر ، و كان مثالاً للأدب و الأخلاق و الكرم .... أمضى حياته الدراسية في نفس القرية وبعد أن حصل على شهادة البكالوريا (الفرع الأدبي) لبّى نداء وطنه و انضم إلى الفرقة 18 شرق حمص ، وبعد ثلاث سنوات من تطوّعه إلى جانب زملائه في القوات المسلحة ، ندب إلى المواجهة في حيّ بابا عمرو في مدينة حمص قائداً على الدّبابة ، ومن ثمّ ندب إلى منطقة القصير و نجي من الموت مرتين ، لينال الشهادة في المرة الثالثة ، و يرتقي شهيداُ إلى جنات الخلد يوم الخميس الموافق في 17/10/2012 إثر اشتباك عنيف دام ثمان ساعات مع المجموعات الإرهابية ، بعد مقاومة استمرت خمسة عشر يوماً على جسر العقربية في منطقة القصير ، لتستقبل والدته خبر استشهاده من عمّه بكلمات فخورة " ارفعي رأسك أنت أم شهيد"
والله وحده المصبّر لذاك القلب المفجوع بفلذته ... لذاك القلب الموجوع من الفراق ..الصابر على محنته .
همام طلب الشهادة و نالها ، بعد أن أوصى والدته بأن تزغرد له حين يستشهد و أن يدفن قرباً من قبر ابن عمه الشهيد رامي خلوف ، و كأن هذا البطل عالم بقدره .
و بكلمات حزينة و معبّرة كانت قد كتبتها والدة الشهيد رسالة إلى ابنها يخاطبها وتخاطبه بفخر و لوعة تقول فيها :
أمي كما أردتني منذوراً للوطن الغالي ، صاحب الهمة ، كما أسميتني همام كتبت على جبيني عزة الوطن حضنتني بلا تعب و كبرت لآتيكي شهيداً، لف بالعلم ، ومرفوعاً على الهمم ، فمحفوظ بذاكرة تناشد شدة الألم ، و لكن لا تحزني يا أمي فسوريا لنا الأم الأكبر ، و أمي حقّها مني نزيف دمي، فسوريتي لا تكسر و لا تصهر هي الماضي هي الحاضر هي المستقبل الراقي، ليروي أقاصيصاً لأولادي .. لأحفادي من رأس شمرة إلى تشرين ، من غسان و عدنان إلى حافظ و بشار
ولدي هذا الثرى سوري و طاهر الأجساد ، قبّلت تراباً عالقاً بنفحة الأجداد ، فالهوى وطني ارفع صوتك لأله السماء لتصن أرضك من الغدر و لتعلو راية الحق لكل البلدان ، فأنتم تحملون الوفاء في الأكباد ، تزرعون الأمن و الأمان لتشرق الشمس بعد ليل طويل ، أرخصتم بأرواحكم و دماءكم لتصبح مداداً خالداً ليكتب المجد فخراً بهذا الجهاد ، فأراجيح الأله تصعد بكم إلى علياء المجد فطوبى لكم وبشرى لديار الخلد فأنتم الهدى و النور لنا ، وعروة التوثيق فينا وأنتم الأمل لسحق رؤوس الخائنين فأنتم سيف البشار الذي ترخص له الأرواح و الأبدان و أنتم النجوم الساطعة الصادقة الإيمان بالدين والدنيا، فأرواحكم ذابت بالخلد المصفى كصلاة الأنبياء ، فنجمة الأوطان تتلألئ من شفق الروح ..من عطر الدماء.. فالشهادة هي موت من أجل حياة الآخرين، فالمرء يحيا بمن قبله و يحيا لمن بعده ، فالولاء للوطن هو الأوسع و الأجمل و الأرقى من كل ولاء ، فتحية لهامتكم المشرقة بالياسمين، فأنتم أبنائي و أخوتي الذين احضتنتهم في مراحل الدراسة ، فتحية لأرواحكم من عبق البخور و زهر الزعرور و خضرة السنديان ،حيث ترقد جثامينكم الطاهرة، و الملفت للنظر أن خضرة عيونكم تخالط نجمتي علم سوريا لتضيء الكون للآخرين بنصر مؤزر و إلى الأبد .
هنيئاً لأرواح طاهرة قارعت الموت شرفاً كروحك يا همام ، هنيئاً لأسرتك بك شهيداً رفع رأسها به عالياً حدّ السماء ...هنيئاً لوطن بك و بأمثالك شبّان فضلّوا الشهادة على الحياة .