الرئيسية  /  عربي ودولي

حول أسباب انهيار ’’الهدنة’’ بين داعش وأنقرة


دام برس :

السيد أحمد داوود أوغلو رئيس وزراء تركيا أكد الاثنين في تصريحات صحافية أن تركيا لن تكون سوريا، وأن "الدولة الاسلامية" هي المشتبه الأول الذي يقف خلف التفجير الارهابي الانتحاري الأضخم في تاريخ تركيا، واستهدف تجمعاً لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي قرب المحطة المركزية للقطارات في أنقرة (128 قتيلاً و500 جريح).

السيد أوغلو أخطأ في الفقرة الأولى من تصريحه، فتركيا لن تكون سوريا فعلاً، بل ربما أسوأ كثيراً، إذا استمرت الاتجاهات السياسية نفسها، وما يترتب عليها من تبعات، فمعظم، إن لم يكن كل العناصر التي أوصلت سوريا إلى وضعها الحالي موجودة في تركيا أيضاً، مثل هشاشة التركيبة الطائفية والعرقية ثم الفساد، والحرب الأهلية (مع الأكراد)، والمؤامرات الغربية والشرقية، وقصر نظر نظام الحكم فيها ونزعته الطائفية الاسلامية، ومن يعود إلى بدايات الأزمة السورية، حيث الانفجارات الانتحارية، وتحرشات الطيران، واختراق الأجواء، والتدخلات الخارجية يدرك جيداً ما نقول، والمسألة نسبية على أي حال.

ولعل إشارته، أي السيد أوغلو، بإصبع الاتهام إلى "الدولة الاسلامية" في الوقوف خلف انفجار أنقرة، تنطوي على شيء من الصدقية، رغم أن "الدولة" لم تعلن مسؤوليتها عن هذا التفجير، مثلما لم تفعل الشيء نفسه تجاه تفجير انتحاري مماثل في ناد ثقافي للأكراد في بلدة سورجي القريبة من الحدود السورية في تموز (يوليو) الماضي، وأدى إلى مقتل 33 شخصاً.

هناك العديد من القواسم المشتركة بين الهجومين الانتحاريين، أولهما استهدافهما لتجمعات كردية، وثانيهما أن العبوات الناسفة المستخدمة متطابقة، وثالثهما أن منفذي التفجيرين شقيقان، مثلما تشير التحقيقات الأولية، فالأول هو عبد الرحمن الغوز (تفجير سورجي)، والثاني هو شقيقه الأكبر يونس أمري الغوز، الذي كان أحد اثنين نفذا تفجير أنقرة.

***

إذا تأكدت المعلومات الرسمية بأن "الدولة الاسلامية" هي التي تقف خلف تفجير أنقرة، فإن هذا يعني أن هذه الدولة أرادت توجيه رسالة دموية قوية إلى الرئيس رجب طيب أردوغان، مفادها انتهاء حالة الهدنة "غير المعلنة" بين الجانبين، منذ عام ونصف العام تقريباً.

عندما سألت أحد المقربين من "الدولة الاسلامية" في إطار البحوث والمقابلات التي أجريتها لإعداد كتابي "الدولة الاسلامية: الجذور.. التوحش.. المستقبل" عن أسباب احترام الأتراك لهذه الهدنة، قال بالحرف الواحد "وجهنا لهم رسالة واضحة بأن أي تحرك من قبلهم ضدنا (الدولة) سيواجه برد شرس، وهو ضرب استقرار تركيا وصناعة السياحة فيها التي تدر 30 مليار دولار سنوياً".

لا نعرف بالضبط ما إذا كان تفجير أنقرة هو تنفيذ لهذا التهديد أم لا، لكن ما يمكن قوله أن العلاقة بين تركيا و"الدولة الاسلامية" تعرضت لهزات كبيرة في الأشهر الأخيرة، ربما تكون أدت إلى الانهيار الذي نراه حالياً، في نهاية المطاف، ويمكن تلخيص أبرز المؤشرات هذه في ثلاثة:

أولاً: دعم تركيا لتنظيم "إحرار الشام" و"جيش الفتح" ذراعه العسكري الذي يعتبر من ألد اعداء "الدولة الاسلامية"، وهناك أنباء بأن أحد مقاتلي الدولة هو الذي يقف خلف اغتيال أحد أبرز مؤسسي هذا التنظيم (خالد السوري)، وشهدت مناطق الشمال الغربي قبل أيام معارك طاحنة بين الجانبين.

ثانياً: احتجاج السلطات التركية على تكريس روسيا لغاراتها الجوية في سوريا على الجماعات الجهادية المعتدلة، التي تقاتل لإسقاط النظام السوري مثل "أحرار الشام"، و"جبهة النصرة"، و"الجيش السوري الحر"، وأن اثنتين من حوالي 70 غارة استهدفتا فقط تنظيم "الدولة الاسلامية" وقواعده.

ثالثاً: إجراء قوات الأمن التركية حملة اعتقالات شرسة في صفوف الأتراك المتعاطفين مع "الدولة الاسلامية"، أو ما وصفتهم "بخلاياها النائمة"، وبلغ عدد المعتقلين أكثر من ألف شخص في إطار اتفاق توصلت إليه القيادة التركية "مكرهة" مع الولايات المتحدة بالمشاركة في الحرب ضد "الدولة" مقابل قبول "غير مؤكدة" من قبل الأخيرة بالمطالب التركية في إقامة مناطق عازلة داخل سوريا.

تفجير أنقرة من حيث ضخامة أعداد ضحاياه وتوقيته يشكل ضربة قوية لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس أردوغان، خاصة أنه جاء قبل 18 يوماً من انتخابات برلمانية طارئة، يعول عليها الحزب، لاستعادة السيطرة وتشكيل حكومة أغلبية، لأن أهم الأوراق في يده، أي الحزب، هي الاستقرار، والنمو الاقتصادي، والأمن، وثلاثتها تبخرت، أو تآكلت تدريجياً منذ تورطه في الأزمة السورية.

أعداء الرئيس أردوغان من الاقليميين والدوليين كثر، ولكن إضافة "الدولة الاسلامية" إلى القائمة، إذا صح هذا الافتراض يشكل خطراً كبيراً، لأن هذه "الدولة" تقع في إطار الجوار التركي أولاً، وتملك قاعدة أرضية صلبة، وحاضنة عقائدية ضخمة، داخل تركيا وفي محيطها الجغرافي معاً، ولا يستطيع أحد إخراجها منهما بسهولة، بسبب تسلحها القوي، وشدة يأس مقاتليها، وانضباط قيادتها.

تعاظم المشاكل التي تواجهها تركيا بلغ ذروته بالتدخل العسكري الروسي في سوريا، وتزايد حدة التحرشات بطائراتها، واختراق أجوائها وتقدم القوات السورية في مناطق شمال غرب سورية في ظل غطاء جوي روسي، وهي مناطق كانت تحت سيطرة حلفائها، ومرشحة لكي تكون مناطق الحظر الجوي الذي كانت تضغط على أمريكا لقيامها، ولا يلوح أي أمل قريب بقيامها في المستقبل المنظور على الأقل.

***

ومما يزيد من خطورة الوضع التركي الراهن، أن الخلافات بينها وبين أمريكا تتفاقم، فسحب بطاريات صواريخ "باتريوت" من قبل حلف الناتو، وفي ظل هذا التوتر مع روسيا، وجه ضربة قوية للعلاقات بين البلدين، وهي العلاقات التي كانت مشوبة بعدم ثقة الأمريكان بالحليف التركي منذ امتناعه عن دعم غزوها للعراق عام 2003، وفتح قاعدة انجرليك الجوية، أمام الطائرات الأمريكية، وأزمة سفن مرمرة التي حاولت كسر الحصار الاسرائيلي لقطاع غزة، وأخيراً توقيع شبكة دفاعية صاروخية مع الصين في تحد لحلف الناتو الذي رفض استيعاب هذه الصواريخ في إطار منظومته الدفاعية.

أمريكا تنسحب تدريجياً من منطقة الشرق الأوسط، ومن الملف السوري ومنطقة الخليج أيضاً (مغادرة حاملة الطائرات تيودور روزفلت) وتتركها للروس وايران في إطار "تنسيق ملغوم"، وتدير ظهرها لحلفائها الواحد تلو الآخر، وعلى رأسهم تركيا، وهذا ما يفسر الحجيج الخليجي إلى موسكو الذي كانت الزيارتان اللتان قام بها إليها يوم أمس الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، والأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي.

تفجير أنقرة رسالة قوية إلى تركيا، وبغض النظر عن الجهة الكبرى، وليس المنفذة، التي تقف خلفها، ومفادها، أخرجوا من سوريا كلياً وإلا…

نعتقد أن الرسالة وصلت، وستعطي مفعولها قريباً.

عبد الباري عطوان - رأي اليوم

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=7&id=64653