دام برس:
علاقةٌ تربط الدولة المصرية ونظامها بآل سعود، تلك الاسرة التي تستولي على مقاليد الامور في شبه الجزيرة العربية، علاقةٌ تفانى الكثيرون في تبريرها، وإعطائها صبغةً شعبيةً بعيدًا عن الواقع الفعلي، ووضعوها بإطار الضرورة، لا لشيء سوى أنهم امتهنوا التبرير والدفاع وصار بالنسبة اليهم مصدر الارتزاق.
مع انتهاء حكم جماعة الاخوان المسلمين بمصر، رغب صناع القرار في اعادة صنع الخريطة الاقليمية والدولية بشكلٍ مختلف، وابتغوا ارضاء دول اقليمية كانت في صفوف مناوئة او معادية، وتوهم البعض انه بالامكان تغيير خريطة السياسات والمصالح لعائلة آل سعود، ولم يدروا او لنقل غضوا النظر عن أنّ العائلة تفرش شباكها حول مصر لإحكام السيطرة عليها وعلى قراراتها.
ومع العدوان على اليمن باسم "التحالف العربي" دق المسمار الاول الصريح في نعش التقارب المصري السعودي، فعلى الرغم من نفي مصر الرسمي في البداية لأية مشاركة في الحرب على اليمن، خرج التصريح السعودي ليعلن المشاركة المصرية العسكرية مما وضع النظام المصري في وضعٍ حرج، خرج بعده ليؤكد المشاركة على استحياء، ولم يصدر منه حتى اليوم بيانٌ رسمي كاملٌ ووافٍ حول مدى تلك المشاركة.
وما بين ما استشفه البعض من خلاف بين العسكرية المصرية والدبلوماسية، حول سورية وازمتها، خرجت اشارات على تقارب علني في القريب وشقاق مع آل سعود ظهر بعضٌ من ملامحه.
بالإضافة الى ذلك، فالحديث حول مبادرة مصرية ايرانية لحل الازمة السورية، ياتي في الاتجاه الداعم لخلاف بين القاهرة والرياض، هنا ليس المهم هو اتمام المبادرة او خروجها للنور، الاهم هو وجود مؤشرات على التقارب بين القاهرة وطهران الذي بطبيعة الحال لا ترضى عنه السعودية التي تعتبر ايران عدوّها الاول، فهو دون شك خروج مصري على سياسات وضعتها السعودية لكافة حلفائها.
يضاف الى الامر مخاوف مصرية من رغبة السعودية في تمكين جماعة الاخوان المسلمين من مقاليد الامور باليمن، وريبة تقف امام المبادرات السعودية للمصالحة بين النظام المصري وتلك الجماعة، لعل اخر تلك المبادرات ما حمله الغنوشي التونسي مطالبًا بالوساطة السعودية في هذا الامر. السعودية وان كانت يدها الداعمة قد رفعت عن جماعة الاخوان المسلمين بعض الوقت -وليس كل الوقت- لاستشعارها الخطر على العرش، الا انها لم ترفع الدعم ابدًا عن الجماعات السلفية الاخرى، فظلت احزابها وتنظيماتها تعمل في الاراضي المصرية برضى رسمي، خاصة وانها اعلنت تاييدها المطلق للنظام المصري وعداءها للاخوان، الا ان الايام القليلة الماضية قد شهدت تغييرًا لم يلحظه الكثيرون، فقد ألقت الاجهزة الامنية المصرية القبض على خلية تكفيرية نفذت عملية ارهابية ضد مقر سفارة النيجر، واعترف عناصرها بتواصلهم مع داعش، وانتمائهم لما يسمي بـ"ائتلاف الدفاع عن الصحابة وآل البيت"، وهو تنظيم اعلن فيما سبق على لسان مسؤوليه عن علاقته مع اجهزة الامن المصري، وهو ائتلاف لا شأن له سوى تأييد السعودية، والهجوم على شيعة مصر واتهامهم بالعمالة لايران، وبين ليلة وضحاها صار الائتلاف صديق الاجهزة الامنية - على حد قوله - عدوًا لها، وتحت محط الانظار، وفي اعقاب تلك الواقعة خرجت تسريبات تقول بتهديدات وجهها عدد من امراء آل سعود الى الجهات الرسمية في مصر، مفادها أنه إما ان تظل مصر في الاطار السعودي، او تدعم الرياض عمليات الارهاب بداخل الاراضي المصرية.
لا تفوتنا أيضًا تلك الحملة التي ظهرت الى الحياة مرة واحدة "لا للاحزاب الدينية" واستطاعات ان تجمع مئات آلاف التوقيعات في محافظات مصر المختلفة، هي حملة واكبت الانتخابات البرلمانية، متصديةً لتلك الاحزاب المدعومة سعوديًا، ماليًا وسياسيًا.
وسط كل هذه الامور التي تؤكد بأنّ نعش العلاقات الصرية السعودية قد اكتمل ولا ينقص الامر سوى تشييع الجثمان، تظهر الاشارة السعودية باحتمالية زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لمصر، خلال ايام، في طريق عودته من الولايات المتحدة الامريكية، تلك الزيارة التي تسعى من الجانب السعودي الى انعاش الجسد الفاسد، هي محاولة بائسة، لانها وفي اسوء التقديرات ان نجحت، فسيكون نجاحًا مؤقتًا، ولا بدّ للنعش الذي صُنع من جسدٍ يملأه. |
||||||||
|