الرئيسية  /  أخبار

الزبداني: معركة فوق الأرض.. وتحتها أيضاً


دام برس :

لم تسكت أصوات المدافع طوال أكثر من خمسة عشر يوماً من عمر معركة الزبداني. حزب الله والجيش السوري صمّما على إنهاء التواجد المُسلّح في المدينة في أقل نسبة خسائر بشرية بصفوفهما، فالعامل البشري مقدس.

معارك تتسم بالدقة العالية والتكتيكات الخاصة التي تكفل إنجاز حرب المدن. هنا، أدمغة ضباط التخطيط تعمل على مدار الساعة من أجل إيجاد السبل التي تكفل إحداث خروقات في الكتل السكنية توصل إلى عمق مناطق سيطرة المسلحين. ليس المُهم أعداد الشوارع أو الكتل التي ستتم السيطرة عليها، بل المهم كيفية تمكين المقاتلين من العبور نحو الأهداف بأقل خسائر ممكنة وإنجاز المهمة على أكمل وجه وزيادة الطوق على المسلحين. طوال أيام من المعركة يظهر أن التقدم البطيء هو سيد الموقف، ذلك مرده إلى دقة العمل العسكري والخاصيّة التي تتمتع بها مدينة الزبداني.

معركة بجغرافيا قاسية

منازل متاراصّة، شوارع ضيقة تصطف مبانٍ على جانبيها، أحجام متنوعة من المنازل، زواريب صغيرة تُشرف عليها مبانٍ مرتفعة، هي بإختصار طبيعة الميدان العسكري داخل مدينة الزبداني. الأحياء المكتظّة بالكتل السكنية لها إيقاعٌ خاص في المعارك يفرض نفسه، فالتقدم السريع ممنوع لأنه يعرّض المقاتلين للنار المباشرة. القناصون هم ركيزة العمل الدفاعي بالنسبة إلى المسلحين، ايضاً العبوات الناسفة المزروعة في جدران المنازل أو على جنبات الطريق، أما بالنسبة إلى المقاومة والجيش السوري، فمجموعات مؤلفة من 5 إلى 7 أشخاص تتكفّل بمهام التقدّم، تتبعها مجموعة مماثلة تتولى مع الأولى عملية التدخل والإختراق وتأمين العبور، في الخلف، مجموعات إسناد ناري قريب تدعمها من الخلف ايضاً لكن عن بعد، مجموعات ذات إستهدافات نارية بعيدة تدك الأهداف التي لا يطالها نـار الإسناد القريب.

العبور في داخل أحياء الزبداني صعب، فالمقاومون يتحاشون المرور في الشوارع الضيقة او المكشوفة لإدراكهم المُسبق أنهم عرضةً لنيران القنص. الحل في هكذا وضع هو اللجوء إلى فتح ثغرات في جدران المباني عبارة عن فتحات على قياس الرجل الواحد تتحوّل ممرات للعبور من مبنى إلى آخر ومن شارع إلى آخر. المرور عبر هذه الفتحات ليس بالسهل، فالمسلحين يترصدون اي عبور أو حركة من هذا النوع. يقول مقاوم شارك في العمليات العسكرية داخل الزبداني وعاد لتوّه من المعركة لـ “الحدث نيوز”، ان العبور من مبنى سكني فارغ إلى آخر يبعد عنه نحو 10 أمتار يمكن ان يأخذ نحو نصف ساعة بسبب الإشتباكات التي هي عبارة عن إلتحام مباشر مع العدو، فالنيران تخرج من كل مكان، وعليه، نقوم بالإشتباك مع المسلحين ومن ثم نؤمن المرور نحو المبنى الذي يُتيح لنا مسافة كافية للإلتحام بالمسلحين داخل مواقعهم أو على حدودها.

يقول الشاب العشيريني انه بقي وأفراد مجموعته في أحدى المرّات منتشرين في غرف متقاربة داخل مبنى لأكثر من ساعتين وهم يشتبكون بشكلٍ متقطع مع المسلحين، حتى أجبروهم على التراجع عن مواقعهم تحت ضغط نـار الإسناد البعيد ومهارتهم في الإشتباك القريب وبالتالي تأمين سيطرة على ثلاث كتل سكنية موجودة في الجزء الجنوبي الشرقي من المدينة تم لاحقاً التقدم نحوها وتطهيرها وبالتالي إتخاذها مواقع متقدمة. العملية هذه كلّفت المقاومة نحو 6 ساعات من العمل في منطقة يمكن عبورها بأقل من دقيقة في الوضع العادي، بالإضافة لسقوط 3 جرحى من جراء التعرّض للنيران المُباشرة أو للقذائف الصاروخية التي كانت الجدران تتلقاها وترسم شظاياها والحجارة المتناثرة علامـات على أجساد المقاومين.

إشارة المقاوم تدل على صعوبة المعركة، ليس بسبب قوة المسلحين، بل بسبب الكُتل والجغرافيا التي تعتبر في ميدان عسكري من هذا النوع تحصينات دفاعية تُغيّر من وقائع المعركة وتعطي الأفضلية للجهة المُدافعة. على الرغم من كل هذا، تُدرك المقاومة الغاية وتُحقّق تقدمات هامة في عمق الميدان بنسب قليلة من الخسائر البشرية نظراً إلى طبيعة الجغرافيا العسكرية.

كما الأرض.. ففي باطنها أيضاً

لا تنحصر المعارك على الأرض والكتل والمباني، بل تتعداه إلى الأنفاق. في الزبداني مدينة في أسفلها تقوم على المدينة الأساسية. هنا، إستغلّ المسلحون حالة الهدنة من أجل تعزيز عوامل صمودهم في الداخل، هم إتخذوا من سيناريو جوبر نموذجاً، فحفروا الأنفاق وأعدوها جيداً على أن تكون ركيزة لمعركة طويلة مشابه إلى حدٍ ما لما يجري في الحي الدمشقي الشرقي.

المقاومة تُدرك خطط المسلحين وتتعامل معها، هي فرّغت مجموعات مختصّة بالبحث عن الأنفاق وتدميرها وخوض مصاف القتال فيها، فدأبت هذه للبحث عن الأنفاق الموزّعة في باطن الأرض. الضربة الأولى لشبكة الأنفاق أتى في حي “طلعة الوزير” جنوب المدينة، حينما دمّرت المقاومة نفقاً يمتد من الحي الذي يبعد مسافة قريبة عن وسط الساحة من جهة الجنوب إلى عمق الأحياء الجنوبية فمشارف السهل بطول 360 متراً، حيث كان يُستخدم من أجل إستقدام الدعم العسكري – اللوجستي عبر خطوط تصل إلى بلدة “بردى” القريبة.

نفق ثانٍ لا يقل أهمية عن الأول يبلغ طوله 70 متراً بعمق مترين داخل الأرض يمتد من سهل الزبداني باتجاه بلدة مضايا كان يستخدمه الإرهابيون للتسلل ونقل الإمددات، بالإضافة إلى نفق ثالث على مسافة قريبة من الثاني، ورابع بعيد عنه مسافة قصيرة، جميعها دُمرت وأغرقت في التراب. المعلومات حول كيفية العثور عيها “لا تنشر” فيها “اسرار”. الدسم فيها وفق ما توفّر من معلومات لـ “الحدث نيوز” ان النفقان الأخيران يتفرعان من النفق الثاني الذي تم تفجيره والذي يمتد من سهل الزبداني باتجاه مضايا ما يدل أنهما ضمن شبكة أنفاق واحدة معدة مسبقاً لغاية تمديد القتال ومُصّممة بعناية.

لم تنتهي المسألة هنا، فلدى المقاومة والجيش السوري معلومات عن شبكة أنفاق طويلة ومعقدة لكنها متصلة تحتل الجزء الأسفل من الزبداني يُعمل بالبحث عنها. سيناريو “جوبر” لن يتكرّر في “الزبداني” هذا ما تؤكده مصادر ميدانية، وتضيف ان “الوضع هنا مغاير للوضع هناك، فلا خطوط إمداد مفتوحة، والمعركة في باطن الأرض مكلفة بعد أن باتت تفاصلها مكشوفة”.

الحدث نيوز - عبد الله قمح

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=12&id=62195