دام برس : منذ بداية المعركة في جنوب سوريا، في شباط الماضي، وسيطرة الجيش السوري والقوى الرديفة له على بلدات ومواقع عسكرية في مثلث درعا القنيطرة ريف دمشق (طرد الجيش الجماعات المسلحة المعارضة من كل من ديرماكر والدناجي وديرالعدس والهبارية وخربة سلطانة والسبسبة وحمريت ومواقع تلول فاطمة وتل قرين وتل الغشم وتل الصياد وغيرها من المواقع والمزارع)، سال حبر كثير للحديث عن معاني هذه المعركة واهدافها: قطع الطرق بين ريف درعا الشمالي الغربي وريف دمشق، وبين الاول ومحافظة القنيطرة؛ كسر الشريط الذي بدأت قوات المعارضة السورية بإقامته على طول خط الجبهة في الجولان المحتل بالتنسيق مع جيش العدو الإسرائيلي؛ فتح الثغرة تسمح لاحقاً للقيام بعمليات مقاومة في الجولان المحتل... وغيرها من التفسيرات والتحليلات المتصلة بسير العمليات في الميدان. أحد المسؤولين الميدانيين عن الهجوم الذي بدأه الجيش في الثامن من شباط الماضي، يقول إن كل ما سبق لم يكن هدفاً مباشراً للعمليات في المثلث الاستراتيجي. يؤكد أن «النتائج التي وضعها الإعلام بالتزامن مع الهجوم لم تكن من الأهداف المباشرة التي أردنا تحقيقها». يضيف قائلاً: «ما جرى حتى اليوم لم يكن سوى عمل دفاعي، يرمي بالدرجة الأولى إلى تحصين العاصمة دمشق وحمايتها». كيف ذلك؟ يروي القائد الميداني بعضاً من الوقائع المتوافرة بين يديه. يقول إن المسلحين كانوا يعدّون العدة مجدداً للهجوم على أرياف العاصمة الأكثر قرباً منها. ثم يضيف: صدر أمر عمليات من الغرفة المشتركة في الأردن (غرفة موك التي تضم ضباطاً أردنيين وسعوديين وأميركيين وفرنسيين ومن جنسيات أخرى يتولون ــ بالتنسيق مع الاستخبارات الإسرائيلية ــ إدارة عمليات المسلحين في الجنوب السوري، كما تدريبهم وتزويدهم بما يحتاجونه من مال وسلاح وعتاد) يقضي بالإعداد للهجوم على أرياف العاصمة، وتطويقها. التعليمات حدّدت شباط 2015، كموعد مبدئي لإعلان جاهزية المسلحين لتنفيذ ما أُمِروا به. يشرح الرجل الوقائع الميدانية. يتحدّث عن طبيعة انتشار الجيش السوري في منطقة تبلغ مساحتها اكثر من 10 آلاف كلم مربع. ثلاث فرق تابعة للفيلق الاول، وعدد من الأولية المستقلة، تنتشر بطريقة دفاعية في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي. وخلال السنوات الأربع الماضية، اضطر الجيش السوري لنقل بعض قطعاته من محافظتي درعا والقنيطرة، لتدعيم مواقعه في العاصمة او في مناطق اخرى كانت المعارضة تتقدم فيها. وفي أيار 2013، سُجّل آخر إنجاز كبير للجيش السوري في المحافظتين الجنوبيتين، تمثل بطرد جبهة النصرة وحلفائها من مدينة خربة غزالة. ومنذ ذلك الحين، بدأ زمن تقدم المعارضة، وصولاً إلى سيطرتهم على موقع تل الحارة الاستراتيجي ثم كامل احياء مدينة الشيخ مسكين في الشهر الأخير من عام 2014. توسّع مسلحو المعارضة شمالاً مقتربين من ريف العاصمة، وشرقاً باتجاه طريق دمشق ــ درعا، وغرباً نحو طريق دمشق ــ القنيطرة. صيد الشيفرة
لكن في الشهر الثاني من عام 2014، حصل ما لم يكن في الحسبان. بصاروج موّجه، دمّر الجيش السوري سيارة يستقلها 4 من قادة المسلحين في الجبهة الجنوبية. جُرِح 3 منهم وتمكنوا من الفرار، فيما قُتل الرابع. بعد وصول جنود الجيش إلى السيارة، فتشوا جثة المقاتل، فوجدوا في جيب بنطاله شريحة إلكترونية لحفظ المعلومات، يو أس بي (USB). تسلّمت الاجهزة الامنية الشريحة التي تبين أنها مشفّرة. وبعد فك الشيفرة، ظهرت المفاجأة. يقول قائد ميداني رفيع المستوى: لا نعرف حتى اليوم سبب حمل المسلح لحافظة معلومات بهذه الاهمية. فهي حَوَت الخطة التفصيلية للعملية التي بدأ المسلحون التجهيز لها، للوصول إلى دمشق. الخطة حملت الاسم «H»، بسبب الشبه بين مسرح عملياتها الرئيسي، وحرف H اللاتيني. وكانت على مرحلتين رئيسيتين: في الاولى، وَجَب على المسلحين ان يسيطروا على أوتوستراد القنيطرة ــ دمشق انطلاقاً من تل الحارّة وما خَلفه، وعلى اوتوستراد درعا ــ دمشق انطلاقاً من مدينة ازرع التي يتحصن فيها الجيش وقوات الدفاع الوطني، على ان يجري وصل هذين الخطين بخط عرضي جنوبي الريف الجنوبي لدمشق. اما المرحلة الثانية، فقضت بالالتفاف حول الغوطة الشرقية، وصولاً إلى بلدة الضمير في الشمال الشرقي للعاصمة. ومن هنا يُفهم سبب الصراع الدموي بين «داعش» وقوى المعارضة الأخرى في بعض مواقع البادية الواقعة شرقي دمشق وشمالي محافظة السويداء، كمنطقتي بير القصب وتل دكوة، كما تتضح المقاصد الحقيقية للهجمات المتكررة التي شنها مسلحو الجبهة الجنوبية على مدن الشيخ مسكين والصنمين وإزرع ومدينة البعث وخان أرنبة وكافة مواقع الجيش على طريقي القنيطرة ودرعا. الأخبار - يحيى دبوق |
||||||||
|