الرئيسية  /  عربي ودولي

من دمشق إلى شرق أوكرانيا .. حرب عالمية ثالثة تحسمها موسكو


دام برس :

تعقيدات المشهد السياسي في الملفات الساخنة في العالم تربك التوجهات الأمريكية، حيال الطريقة التي يجب أن تحسم فيها الملفات، فأدوات واشنطن قد تختلف لكن طريقة التنفيذ و المنهجية في التفكير تبقى ذاتها، فمن الضرورية أن تحد واشنطن من تنامي القوة الروسية على صعيدي السياسة و العسكر، و إن كانت موسكو تجيد لعب أورواقها في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، فإن أوباما أوصل أمريكا إلى ذروة التخبط في الخروج من المأزق الكبرى التي تدخلها من باب خلق العدو المفترض لكسب تأييد الرأي العام لخدمة المصالح الخاصة بها عسكرياً، و تتمحور هذه المصالح في الطريقة الأمثل للحصول على الطاقة و السيطرة على طرق نقلها مقصية من حساباتها كل الدول الأخرى بما في ذلك الحلفاء.

التفكير الأمريكي في المرحلة الاخيرة كان ينصب على ضرورة عرقلة ملفي سوريا و أوكرانيا بقدر الإمكان، بكون داعش ينهار دراماتيكياً في سوريا و العراق في آن واحد، في حين أن القوى العسكرية لجمهوريات شرق أوكرانيا المعلنة من جهة واحدة تتزايد، و ينحسر دور الحكومة الاوكرانية في المناطق الشرقية، ويأتي ذلك مع إضطرار واشنطن للتفاوض مع إيران حيال ملفها النووي فالعقوبات لا تجدي نفعاً، وشيء من التهدئة مع طهران يفيد لحين إعادة موازين القوى إلى حالة من التوازن في سوريا و أوكرانيا، فحسم أي من هذين الملفين بما يرضي موسكو سيجبر واشنطن على الرضوخ في الآخر، و هذا أخر ما تتمناه الحكومة الامريكية بعد سقوط درعها الصاروخية التي سعت لنشرها في أوروبا طيلة عقود، و بما إن الروس أجادوا موضعة قواتهم في شبه جزيرة القرم المنضمة حديثاً إلى الاتحاد الروسي بعيد انفصالها عن أوكرانيا إثر أزمة المطالبة بالفدرلة و من بعد رفض الحكومة الاوكرانية للفكرة جملة و تفصيلاً اتجهت المناطق الشرقية المضطهدة من قبل الأوكرانيين الذين تسلموا السلطة بدعم من واشنطن، وبالتالي بدأت أمريكا تحس بالقوة الروسية أكثر، ولم يعد الأمر مسيطراً عليه.

في موسكو يحضر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند و المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمفاوضة الرئيس بوتين حيال مبادرتهما المشتركة بما يخص الأزمة شرق أوكرانيا، فاقتصاديات القارة العجوز هي الأكثر تضرراً من الصراع الروسي الأمريكي، وبرغم إن الاتحاد الاوروبي يعمل على الضغط أكثر على روسيا من باب العقوبات إلا أنه يدرك أن الاقتصاد الروسي الذي اتجه شرقاً بعلاقاته يمكن أن يقيم الدنيا في أوروبا و لا يقعدها ما إن تتخذ موسكو قرار وقف الغاز عن دول لم تعد تقوى ألمانيا على سندها اقتصادياً أكثر، و إن كان الفرنسيون يحاولون التوصل إلى حل مع روسيا حيال الملف الأوكراني نيابة عن واشنطن، فإن الاخيرة تدرك أن الملف السوري إن لم يحسم بالطريقة الامثل بالنسبة لموسكو لن يكون ثمة تسوية ترضي واشنطن في أي من الملفات الأخرى، وعلى اعتبار أن أوكرانيا هي الخاصرة الرخوة حالياً من وجهة نظر أمريكا و الناتو لتهديد روسيا، فإن زيادة الدعم العسكري لكييف قد تثير مخاوف بوتين، إلا أن الأخير بدوره بدل في وقت سابق عقيدة الجيش الروسي و أصبحت أمريكا هي الخطر الأول بالنسبة للجيش الأحمر، هذه التعقيدات و التداخل في جملة الملفات تضع أوباما أمام الخيارات الصعبة في اتخاذ القرار لأخذ الزاوية الأقل خسارة، لكن لـ إسرائيل دورها في دفع أوباما للتصعيد مع روسيا.

فإن سحم الملف الاوكراني أولاً - قبل الملف السوري- سيكون لازماً على أمريكا أن ترضى بالطروحات الروسية حيال الأزمة في سوريا، فمنطقة شرق المتوسط منطقة صراع سياسي أمني بالنسبة للكيان الإسرائيلي، فخروج روسيا منتصرة سياسياً في شرق أوكرانيا، سيفضي إلى أن الجيش الأحمر سيبقى قادراً على التمدد أكثر بقوته شرق أوروبا، كما إن الحكومة الروسية ستكون المتحكمة بالقرار الأوروبي بورقة الغاز و النفط، ومن خلال العلاقات الاقتصادية القوية مع إيران و الصين و سحب تركيا نحو الصف الروسي بملفات الطاقة التي وقعت خلال زيارة بوتين إلى تركيا، سيكون لازماً على دول أوروبا البحث عن تحسين العلاقة مع موسكو، و خاصة إن بوتين يتجه إلى مصر ذات الموقع المتحكم بواحد من أهم الممرات المائية، و إن عادت مصر إلى المعسكر الذي تلعب فيه روسيا دوراً أساسياً سيعني المزيد من تطوير العلاقة بين القاهرة و هذا المحور ، وسيعني المزيد من الضغوط المصرية على المعارضات السورية الموجودة في أراضيها بما يفضي إلى رضوخها لسياسة واقعية تدير دفتها موسكو الآن لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، و بالتالي ستتسع دائرة العمل الوطني السوري ضد الإرهاب الذي تسنده إسرائيل ليكون الجدار البشري الفاصل بين الجيش الإسرائيلي و الجيش العربي السوري، وضمن هذه الاجواء يكون لدمشق القدرة على محاربة الإرهاب بعد أن تجّر موسكو كل الأطراف الدولية للإلتزام بقرارات مجلس الأمن التي تحرّم التعامل مع المنظمات الإرهابية، و سيكون لأمريكا بعض المكتسابات السياسية و الاقتصادية في العراق الذي تستثمر فيه روسيا أكبر ثلاث حقول نفطية في الشرق الأوسط، وهذه بحد ذاته ضربة موجعة كانت روسيا قد وجهتها لأمريكا زمن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي.

بالعودة للملف الأوكراني و تعقيدات المشهد فيه، فإن أمريكا تحاول تثبيت أقدامها في شرق أوروبا للسيطرة على القرار الاوروبي من خلال جملة من الحلفاء الذين تمر خطوط نقل الغاز الروسي فيها، ومن بينها جورجيا على سبيل المثال، و لهذا نقرأ أن الرئيس بوتين اتجه نحو الاتحاد الاورواسي و الهند و الصين و إيران لحلحلة المضايقات الاقتصادية التي تعرضت لها بلاده، مما أفقد أمريكا المقدرة على التأثير في هذه الجهة، فعملت على التصعيد العسكري، و مما يثير السخرية أن المواقف تبدلت برغم أن الحقائق مختلفة بين الملفين السوري و الاوكراني، ففي الملف السوري تدعم أمريكا ميليشيات تكفيرية مسلحة تحارب من أجل نشر الفوضى في حين تدعم روسيا شرعية الدولة و بقائها، أما في الأزمة الاوكرانية فإن أمريكا قررت دعم سلطة انقلابية على رئيس كان حليفاً لموسكو، ضد مطالب شعبية بدأت بطلب فدرلة البلاد ومنح المقاطعات الشرقية حقوقاً سلبت منهم على اعتبار إنهم ينحدرون من أصول روسية و حين اتجهت كييف نحو القصف المدفعي لمدن الشرقية لقمع المطالب لم تتخذ واشنطن ذات الموقف الذي اتخذته تجاه دمشق التي تقصف مدفعيتها مقرات لتنظيمات تصنفها الولايات المتحدة نفسها منظمات إرهابية كداعش و جبهة النصرة و غيرها، وهذا التباين يعكس بوضوح إن الأزمتين اللتين تحاول أمريكا من خلال الشعارات الإنسانية و السياسية العريضية كدعم الحرية وحقوق الإنسان في سوريا و الشرعية في أوكرانيا، أن تمرر مشروع تقسيم منطقة الشرق الاوسط إلى دويلات طائفية و عرقية، و دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى دويلات أكبر، و التخوف من قوة روسيا و حلفائها هو المحرك الأساس لأمريكا و إسرائيل للضغط على دول الغرب للبقاء في حلفيهما.

لكن الثابت من مواقف موسكو أن النتائج بدأت تلوح في الافق بحسم قريب لكل الملفين معاً، فالمعروف عن السياسية الروسية إنها لا تساوم على ملفات الحلفاء، و ما زيارة الرئيس الفرنسي و المستشارة الألمانية إلى موسكو إلا انعكاس واضح لمدى قوة الترابط بين الملفين، و مدى شدة البرودة في الحرب التي لن تصل إلى مرحلة المواجهة العسكرية المباشرة بين أمريكا و روسيا مهما بلغت درجة برودة الحرب السياسية بينهما، و هذا ما سيكون قريباً فالترابط

بين دمشق و شرق أوكرانيا سيحسم حرباً عالمية ثالثة قبل اتساعها، فالدولتين (سوريا و أوكرانيا) جبهتي الصراع إلى حل وفق وجهة النظر الروسية.

عربي برس - محمود عبد اللطيف

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=7&id=54846