دام برس :

من المعروف أن الجامعات السورية تخرّج سنوياً آلاف الطلاب من كافة الاختصاصات بكفاءات عالية وخبرات وطنية فذّة ، بعضهم يتم تعيينهم في القطاعات الحكومية حسب التزام فروعهم وبعضهم يتجهون للعمل في القطاع الخاص على قلته ورداءته نتيجة ضعف الأجر وعدم وجود قانون تأمين يحميهم ويحمي عملهم ويضمن حقوقهم ؛ وهذا الموضوع سنفرد له حديثاً مطولاً لاحقاً .. ، والكثيرون يقبعون في سوق البطالة ينتظرون مسابقة قد يكون لهم بعض النصيب فيها .. في حال توفر الدعم !!! أو يترصدون فرصة الهجرة للبحث عن عمل خارج بلدهم الأم ..

ولكن السؤال : لماذا يبدع الخريجون السوريون في الخارج ويأخذون أماكن مرموقة في شركات عالمية ويثبتون جدارتهم ..؟؟ ألأن واسطاتهم تتبعهم أينما ذهبوا أم لأن خبراتهم وكفاءاتهم وإخلاصهم لعملهم هو واسطتهم الوحيدة ؟.

والسؤال الآخر : لماذا لا تظهر هذه الكفاءات والخبرات ونتائجها في سورية .. أو بالأحرى لماذا يغيّب أصحابها عن الواجهة في مواقع العمل الحكومية ؛ ليتم قولبتهم وقتل مواهبهم بجعلهم موظفين درجة أخيرة بالمعاملة والمكانة .

طبعاً سورية مليئة بأمثال هؤلاء فهم موجودون في كافة مفاصل الدولة وبكثرة لكن هناك من يأخذ مكانهم بفعل شيء واحد الكل يعرفه ... طبعاً ليس الكفاءة والخبرة والنزاهة !!!

ما نريد أن نسلط الضوء عليه هو ظاهرة تولي شخص واحد لمهام كثيرة في وقت واحد ونعني بـ"ظاهرة" أنها حالة منتشرة كثيراً في كل المفاصل الحكومية على امتداد الأرض السورية وكأنها سياسة متوارثة وقانون ، فنرى أحدهم مديراً مركزياً في مكان ورئيساً لأكثر من مجلس إدارة أو عضواً فيه في مكان آخر ورئيساً لعدة لجان مختلفة ؛  ورئيساً لدائرة في مديريته نفسها ومعاون مدير عام في مديرية مستقلة وووو ... كلها تحت عبارة "بالإضافة إلى عمله" متمتعاً ومحتكراً لكل مزايا هذه المناصب من تعويضات وسيارات ومكاتب وسلطات ورفاهيات وموظفين ، أو حتى نرى آخر في مديرية واحدة مديراً لأكثر من مديرية ورئيساً لأكثر من دائرة وعضواً في عدة مجالس إدارة ولجان كلها في وقت واحد ....

ومما لوحظ أيضاً على سبيل المثال وجود صحفي في جريدة أو محطة يعمل محرراً ومدير صفحة أو رئيس قسم  أو أمين تحرير أو مذيعاً في أكثر من قناة أو إذاعة وفوق ذلك تسند إليه مهمة مديراً لمكتب صحفي في وزارة أخرى بسبب ارتباط شخصي معين ؛ كلها خلال أوقات الدوام الرسمي مع أن هذه الوزارة تكون مليئة بالكوادر القادرة على القيام بهذه المهمة ، وأمثلة كثيرة لا يسعنا أن نذكرها كلها .

إن هذه المهام التي تسند إلى شخص واحد  يحتاج عشرة أشخاص بكفاءات عالية وبعمل دؤوب أن ينجزوها أو أن يكون هذا الشخص سوبرمان عصره .. وآخرون أكفأ منه مهمشون .... فهل ياترى من يتولى كل هذه المهام قادر على إنجازها  !!!! وهل نفذت سورية من كفاءاتها ...أم أن جامعاتنا توقفت عن تخريج الخبرات ؟؟؟

وظاهرة أخرى منتشرة ونلاحظها كثيراً هو تنقل أشخاص مدللين من منصب إلى آخر كعصفور يتنقل على أغصان شجرة المناصب والمسؤوليات من وزارة إلى أخرى حسب رغبته دون أن يؤخذ بعين الاعتبار مدى نجاحه أو فشله أو عدم نزاهته في مهامه السابقة ولا يوجد قوة تخرجه من مناصبه سوى الموت أو التقاعد القسري بعد التمديد لسنوات طويلة بدعوى الاستفادة من خبراته الفريدة .

تعميماً صدر عن رئاسة مجلس الوزراء في عام 2004 وجدّدته بعض الوزارات العام الماضي بعدم السماح لأي عامل في الدولة الجمع بين عمله الوظيفي وأي عمل خاص يؤديه بالذات أو بالواسطة إلا بعد الحصول على موافقة وزارته ... هنا لن نخوض في مدى صوابية هكذا تعميم وعلى من يطبق وهل طبَّق أم لا .. ومن هي الشريحة المتضررة من الموظفين الذين يعتاشون من أعمال حرة بعد دوامهم في حال طبِّق .

حبذا لو خصّ هذا التعميم من يتولون مهام كثيرة في مكان عملهم نفسه ويمنع إسناد أكثر مهمة للمدير أو الموظف مهما كانت الأسباب ؛ مما يفسح المجال لأشخاص آخرين بإثبات جدارتهم وحضورهم ويحقق إنجازاً أكبر للعمل ؛ فكلما كثرت العقول زادت الأفكار الجديدة والخبرات وارتقى العمل .

خلاصة القول نحن بحاجة لهدم البنية التقليدية للعقلية القديمة و بناء فكر عملاتي قادر على تقبل كل جديد ويؤمن بالتشاركية في العمل المؤسساتي بعيداً عن الشخصنة والفوقية والاحتكار وذلك للنهوض بمجتمعنا من سباته الذي طال تحت ركام الأزمة