دام برس : بدايةً لا بدّ من استعراض بعض المعطيات التي سبقت الغارات الصهيونية على مواقع للجيش العربي السوري وهي مسائل لا يمكن القفز عنها أو تجاهلها لأنها تندرج في سياق تهيئة الأجواء كمسببات مباشرة لهذه الغارات.
فقبل الغارات الإسرائيلية بساعات قليلة صرّح نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه لم يتبقَّ إلّا القليل للوصول الى إتفاق مع ايران حول ملفها النووي، وبأنه يعارض فكرة فرض عقوبات جديدة على إيران تماشياً مع الأجواء الإيجابية التي تحيط بملف المفاوضات. الموضوع الذي لا يقل أهميةً أيضاً هو نتائج زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى موسكو ولقاءاته المتعددة، بما فيها لقاؤه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما أعلنه في مؤتمره الصحافي عن التوصل الى تفاهم مشترك مع الجانب الروسي حول الرؤية السورية لأية تسوية سياسية للأزمة في سورية، إضافةً الى إعلانه عن استعداد روسيا لتزويد الجيش العربي السوري بمنظومة صواريخ s -300 المتطورة ومنظومات تسليح متطورة أخرى ستساهم في رفع قدرات الجيش العربي السوري الى مستوى غير مسبوق سيجعل المواجهة مستقبلاً مع "إسرائيل" أكثر صعوبةً وتعقيداً على الجيش الصهيوني. بمقابل النتائج الكبيرة لزيارة الوزير المعلم كان واضحًا فشل وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في إقناع روسيا بمطالب ورغبات السعودية حول الملف السوري وعلى رأس هذه المطالب عزل الرئيس الدكتور بشّار الأسد كمطلب رئيسي، وهو ما لم يلقَ أذنًا روسية صاغية، تترجم بعدم استقبال الرئيس الروسي بوتين للفيصل ومغادرته دون أن يعقد مؤتمراً صحافياً.
مسألة أخيرة لا بدّ من الإشارة لها وهي تصريح رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يوسي كوهين بأنّ وضع "إسرائيل" وأمنها أصبح في دائرة الخطر الذي يكبر يوماً بعد يوم ما يفرض على القيادة الإسرائيليىة يوماً بعد يوم مزيداً من القلق والحذر والتوتر والتخبط. سياسياً: تعيش القيادة الصهيونية ومعها السعودية وتركيا وقطر شعوراً بالتهميش بنتيجة التقدم الحاصل في المفاوضات حول الملف النووي الايراني، والمتابعون للتطورات المرتبطة بالصراع الدائر في المنطقة لم تفاجئهم الغارات الصهيونية أبداً، ومن هنا لا بد من الاشارة الى مجموعة الرسائل التي حاولت "إسرائيل" إرسالها من خلال الغارتين على مواقع في ريف دمشق. 1- الرسالة الأولى وهي موجهة الى الداخل الإسرائيلي الذي يعيش حالة تجاذب وإحباط حول الكثير من القضايا المطروحة وجوهرها مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي الذي بدأ يفقد الثقة بقيادة وإعادة شد عصبه، والدليل هو تدني شعبية نتنياهو الى 35% وحل الكنيسيت الإسرائيلي نفسه والدعوة الى انتخابات مبكرة في محاولة للخروج من التراكمات السلبية التي تعاني منها القيادة الإسرائيلية منذ العام 2000 بعد خروج الجيش الصهيوني من لبنان مروراً بانتصار تموز 2006 وصمود 2008 و2012 وانتصار 2014 في غزة، وهذه الرسالة هي الأهم بين مجموعة الرسائل التي تضمنتها الغارات. 2- الرسالة الثانية موجّهة للأطراف الدولية والإقليمية كافة بأنّ يد "إسرائيل" لا زالت قادرة على الوصول بعيداً وهي محاولة لإستعادة قوّة الردع التي فقدتها "إسرائيل" بالتدريج عبر 14 عاماً من الإخفاقات. 3- الرسالة الثالثة موجهة للجماعات الإرهابية في سورية والتي تعاني هذه الأيام من سلسلة هزائم مدوية وتعيش مقدمات حالة الإنهيار الإدراكي التي تشكل مقدمة الإنهيار العسكري الشامل، وهنا لا بد منّ الإشارة الى ما حصل في محيط دير الزور والصمود الأسطوري لوحدات الجيش العربي السوري وتكبيد داعش مئات القتلى والجرحى وامساك وحدات الجيش بزمام المبادرة والانتقال الى مرحلة مختلفة عن المرحلة السابقة ستثمر قريباً نتائج مختلفة، خصوصاً اذا ما لحظنا انتصارات الجيش العربي السوري في الحسكة والقامشلي وبالطبع ما يحصل في حلب واريافها وريف حماه الشمالي وارياف دمشق وبالطبع ما يحصل في منطقتي درعا والقنيطرة، جميع هذه الإنتصارات استدعت في مكانٍ ما أن يقوم الأصيل بدعم الوكيل ومؤازرته عبر محاولة رفع معنويات الجماعات الإرهابية لإبقائها بعيداً عن الإنهيار الذي لم يعد يفصلنا عنه الكثير من الوقت. 4- الرسالة الرابعة موجهة الى الدولة والجيش في سورية بأنّ "إسرائيل" قادرة على تغيير قواعد اللعبة وقلب الطاولة في أية لحظة تحددها، وهو أمر لم ولن يحقق اهدافه نظراً للإدارة المميزة لملف الصراع من قبل القيادتين السياسية والعسكرية في سورية والتي استطاعت من خلال صمود الجيش ان توفّر للديبلوماسية ما يمكنها من تفكيك كل الألغام والإنتقال الى مرحلة بدأت تظهر من خلال رغبة الكثيرمن الدول بإعادة العلاقات مع سورية، وهذا الأمر بالطبع هو اعتراف من هذه الدول بالواقع وبالنصر، وهو أمر بات يشكل مصدر إزعاج لـ"إسرائيل" التي كانت رغباتها منذ بداية الأزمة تتجه الى غير ما يحصل على ارض الواقع.
عسكريًا: لا بدّ من القول إنّ هذا الجانب من الرسائل التي وجهتها "إسرائيل" عبر الغارتين شكل جزءاً هاماً من الأهداف الإسرائيلية حيث كان الهدف هو وضع القيادة السورية في حالة الإنفعال والتسرع والدخول في اعمال قتالية غير محسوبة عبر اسستفزاز القيادة السورية وجرّها الى معركة تحدد "إسرائيل" مكانها وزمانها وشروطها وتتحكم بنتائجها، وهذا ما لم يحصل سابقاً عبر الغارات السابقة ولن يحصل حالياً نظراً لإمتلاك القيادتين السياسية والعسكرية القدرة على التخطيط الإستراتيجي وعدم الإنجرار الى معارك تكتيكية تشتّت قدرات الجيش السوري البشرية والنارية في مواجهته مع الجماعات الإرهابية عبر جذب تشكيلات الجيش الى اماكن يمكن أن تضعف قدرته في المواجهة الحالية. أمر مهم جداً يجب ذكره هو أنّ القيادة في سورية اثبتت انها قيادة تخطط ولا تنفعل. تقنياً: إنّ أحد أهداف الغارات هو وضع منظومة الدفاع الجوي السورية في التفعيل لرصد رادارات الكشف والمتابعة وصولاً الى مرحلة الإطباق على الهدف وخصوصاً للمنظومات الحديثة كـ التور ام والبانتسير والسام- 200 المتطورة وغيرها من المنظومات القديمة التي تم تحديث راداراتها وتعتبر مجهولة بالنسبة للجيش الإسرائيلي، وهو أمر نجحت قيادة الجيش في إبقائه ضمن السرية ما يجعل الاسرائيليين في حالة عمى استخباراتي.
وهنا لا بدّ من إعطاء مثال على حالة مشابهة سبقت حرب تشرين التحريرية عام 1973 حيث كانت الطائرات الإسرائيلية تقوم بغارات متواصلة اعوام 1971 و1972 دون أن تقوم صواريخ السام حينها بالتعامل مع الطائرات المغيرة الى أن حصلت المفاجأة الكبرى عام 1973 حيث تم اسقاط عشرات الطائرات الإسرائيلية في ايام معدودة وهو ما سيحصل في اي حرب شاملة مستقبلاً. سلاب نيوز |
||||||||
|