دام برس:

من يتتبع الأحداث التي شهدتها المنطقة ويربطها ببعضها يدرك أن ما تقوم به التنظيمات الإرهابية ومن صنعها ليس وليد الصدفة أو أحدثته الأزمات التي مرت بها المنطقة مؤخراً بل مخططاً  له منذ عقود طويلة في أروقة وغرف صناعة السياسة الغربية منطلقة من نظرتها الدونية وحقدها الأزلي تجاه المنطقة والعرب بالتحديد وطمعها اللامحدود بنهب ثرواتها ، فلا ينفصل ما حدث في أمريكا في الحادي عشر من أيلول 2001 وذرائع الحرب المفترضة ضد الإرهاب وغزو أفغانستان ومن ثم العراق وحروب إسرائيل على لبنان وغزة المتتابعة وفشلها ومن ثم بدعة الربيع العربي وكرة اللهب المتدحرجة من تونس إلى مصر فليبيا واليمن واستقرارها المدروس في سورية ومحور المقاومة  ..... كل هذه الأحداث لا تنفصل عن بعضها من حيث مصنع أدواتها  بخبرات أجنبية ومال عربي .

فعن دراية وقصد وبعضها عن غير قصد وقعت وسائل الإعلام العربية في فخ المخابرات الغربية وبالتحديد البريطانية المتصهينة بالتقديم والترويج والتضخيم لحالة بدأت فكرة منذ سنوات وأصبحت واقعاً ووباءً مستعصي العلاج بما يسمى شرق أوسط جديد وربيع عربي أسود وصولاً إلى ما نحن عليه من إعلان دولة خلافة يهودية بجلباب إسلامي .

هي الحرب الأقذر والأكثر دهاءً ودموية في تاريخ الإنسانية والصراعات .. أدواتها وراياتها إسلامية ومالها خليجي نفذتها الدوائر الغربية وهي مدركة أن الوسيلة الوحيدة لتفكيك المجتمعات الإسلامية هي إشعال فتيل الفتنة الطائفية والمذهبية واللعب بالدين وإثارة الغريزة القبلية المتعظّمة عند العرب ، لعبتها بحرفيّة دون أن تحرك جندياً واحداً أو تخسر بندقية .. مستفيدةً من كثرة الأغبياء والغوغائيين العرب والإسلاميين على مستوى العالم وضعف الانتماء والارتباط بالأرض عند الكثيرين وانجرارهم نحو السلفية الدينية العمياء.

وما يؤكد ذلك نماذج التنظيمات الإرهابية بمسمياتها المختلفة والتي ظهرت منذ بدء الأزمة السورية وحتى الآن وأساليب التقتيل والتدمير والتقطيع والذبح وأكل القلوب وانتهاك الحرمات وخرق كل القيم والمبادئ بجرائم يندى لها جبين الإنسانية وتشكل وصمة عار محفورة في قلب التاريخ محاولين الرجوع بالمنطقة إلى العهود البربرية .

وليست داعش أو ما سميت مؤخراً دولة الخلافة بخليفتها اليهودي الأصل والمتخرج من معاهد الإجرام الأمريكية بلسانه العربي الفصيح إلا فقاعة إعلامية كبيرة نفخ فيها الإعلام على أنها نتاج أزمات واقتتالات طائفية بعد سرقة ما سمّي ثورات ومطالبة بالحريات كما يقولون ويدّعون ؛ حتى أثارت الرعب والخوف في النفوس أينما حلت .

ولو وقفنا متبصرين في أفعال عناصر هذه التنظيمات للاحظنا أنها أفعال مخابرات وجيوش منظمة ومدربة هدفها نهب الثروات ونشر التخلف والجهل واستهداف العقول وتدمير التراث وإلغاء التاريخ والثقافة  ... وليست فقط مجرد تنظيمات إرهابية ملمومة الشتات لا هدف لها سوى الدم ، هو غزو واحتلال غربي بطريقة الفتوحات الإسلامية دون تشبيه .

فعندما يكون الخليفة صهيوني وقادة الفتوحات ضباط مخابرات غربيين بوقودها الأكثر تطرفاً ووحشية وعندما يسبق الغزو الفكري المتطرف الغزو العسكري هذا الأمر يضعنا أمام وضع إستراتيجية حقيقية لصد هذا الاحتلال بطرق غير تقليدية نحافظ فيها قدر الإمكان على ماتبقى ليس فقط من الطاقات والقدرات الاقتصادية والتراث والحضارة بل أيضاً على الفكر الإنساني العلماني المنفتح و على الإنسان الذي طالته يد التدمير إلى أبعد مدى ، يجب أن نقاومهم إلى جانب العسكرة والسلاح بالفكر ونشر الوعي وتعزيز الوطنية والانتماء بين أبناءنا وتربية جيل قادر على مواكبة المرحلة القادمة بروح وطنية معافاة من كل اللوثات الفكرية الطائفية و الإرهابية وهنا لا بد من إعادة النظر بهيكلية ومنهجية بعض المنظمات كطلائع البعث  وشبيبة الثورة وتفعيل دورها ومراقبة عمل كوادرها وإعادة النظر بالمناهج المدرسية التقليدية ووضع مناهج تتناسب ومتطلبات المرحلة القادمة بما يكسب الأجيال القادمة مناعة حقيقية ويحصن مجتمعاتنا في المستقبل من هكذا احتلال .