دام برس :

لم يتوانى الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط عن تقديم المادة الأدبية المثيرة والهادفة في ثلة من الأعمال الفنية المصنوعة بقالب سياسي , "شقائق النعمان" هي إحدى المسرحيات المثيرة للجدل والتي تناول فيها الماغوط مشكلة الاستعمار إضافةً إلى الواقع الاجتماعي المتردي الذي يعيشه المواطن العربي وذلك بالاشتراك مع نجوم المسرح العربي كدريد لحام ونهاد قلعي وشاكر بريخان وصباح الجزائري وحسام تحسين بك وغيرهم من رواد الجيل الذهبي لخشبة المسرح القومي في سوريا .
ولعل العبقري دريد لحام لم يكن ممثلاً بمعنى الكلمة بقدر ما كان فناناً يملك القدرة على التنويه لمشاكل المواطن من خلال ملامسته لأوجاع الشارع العربي ..

 مسرحية شقائق النعمان التي كتبها الراحل الماغوط عام 1987 والتي حاول من خلالها كي وعي المشاهد العربي بقالب من الكوميديا السوداء خاصة أن تلك الحقبة من القرن الماضي كانت زاخرة بالعديد من الأحداث كالحرب الأهلية اللبنانية والمحطات المتلاحقة من الصراع المستمر مع العدو الصهيوني وعلاوة على ذلك لم يتناسى النص المسرحي مشاكل المواطن اليومية ولعل أبرزها انتشار الفقر والجهل و الاحتلال الفكري و التي فرضها تقاطع مصالح القوى الاستعمارية مع مصالح الفاسدين والمستفيدين من المسؤولين والمتنفذين في البلاد العربية واللذان شكلا مطرقةً وسنداناً لايعرف المواطن من أيهما يتألم ..

الغريب والمستهجن في مفاعيل تلك الأعمال الفنية أنها لم تؤتِ ثمارها على الرغم من مرور ثلاثة عقود على تقديمها بمعنى ان سياسة كي الوعي التي حاول رواد الأدب نشرها في وطننا العربي لم تلق آذاناً صاغية أو عقولاً مدركة ً لما يدور حولنا من مخاطر محدقة ببقعتنا الجغرافية الموبوءة بلعنة المعارك منذ عود طويلة , فالمسافة ليست طويلة من معركة رغيف الخبز إلى معركة جرة الغاز صعوداً إلى معركة الفساد ومنها إلى المعركة الكبرى التي استحالت شعاراً بدأ يخاله المواطن العربي خشبياً أصماً غير مجدٍ وهو شعار محاربة الاستعمار ..

فعلاً لقد وصل الاستعمار منذ زمن بعيد إلى قناعة مفادها أن الحرب الكلاسيكية بشكلها العسكري أصبحت مكلفةً وأنه ثمة هناك وسائل أكثر تأثيراً وقدرةً على تفتيت المجتمع العربي بعد أن اخترقه حتى أصبح ذلك المجتمع يريد محاربة الاستعمار بوسائل لا يدري هو نفسه بأنها من صنع الاستعمار وأنها أشبه بالمضادات الحيوية التي جعل منها الاستعمار فائدة غير مباشرة لتحقيق ما يصبو إليه المستعمر ..

أما اليوم .. فقد بان جلياً غياب العنصر الأدبي المؤثر في سنين الأزمات وقد أصبح الفقر الثقافي والقحط الفكري واضحين في ظل غياب أدباء الحرب وفنانوها .. والانحطاط الثقافي المفضي إلى انحطاط أخلاقي وجد طريقه إلى جيب المواطن العربي في ظل غياب النخب الفكرية التي كان من المتوقع أن تلعب دوراً فاعلاً وإيجابياً في تخفيف وطأة الحروب والسير بالمجتمع نحو الخلاص من الأثر النفسي المحبط للحرب ..

اليوم .. نحن بحاجة إلى طلال حيدر ليذكرنا من هم رجال الجيش العربي السوري , فزهر البيلسان في جنوب لبنان المقاوم بدأ ينمو بعد رائعته " وحدن " .. نحن بحاجة إلى غسان كنفاني وإلى أديب ينشر فكرة الكفاح المسلح ويخط أشعار الحماسة والثورة بالأدب الموجه .. نحن بحاجة إلى أحمد مطر ليميط اللثام عن وجه الفاسدين ليجعل من أدبه السياسي جمرةً تتقد في ضمير كل حي .. لاحاجة لمجتمعنا بأدب    " قلم حمرة " وتراجيديات " سيليكون الشفاه " المطروحة ضمن دراما منحلة أخلاقياً تصب جل هم المشاهد بالشكل وتبعده بشكل كبير عن المضمون ..

اليوم أصبح الأدب الموجه والهادف حاجة ملحة وضرورة مفروضة عله يسهم بشكل او بآخر في تخفيف الشرخ بين المواطن والواقع الذي يعيشه والمستقبل ..