دام برس :

مع تصريح وزيرة الخارجية الاسترالية بأن هناك 150 مواطنا استراليا يقاتلون في سوريا وما وراءها، وبعد بث مقاتلين في صفوف داعش فيديو باللغة الإنجليزية يدعون فيه لـ”الجهاد”، نجد أنفسنا أمام سؤال ضروري.

لماذا يترك مواطنون بريطانيون بلادهم المتقدمة ويذهبون لقطع رؤوس الناس في العراق والشام؟ لماذا فضل شباب نشأوا في قلب العالم الغربي أن ينخرطوا في هذه الأعمال الوحشية بدلا من الاستمرار في حياتهم التي يحلم بها ملايين في مقابلهم؟

والإجابة أجدها في قصة صحفية تتبعتها في نهاية 2008 على أرض مصر..

فقد ألقت قوات الأمن حينها القبض على مجموعة من الشباب الألماني، بعدما مزقوا “جوازات سفرهم”..ليعلنوا أنهم ينتمون لتنظيم “التكفير والهجرة”!

لم تستوعب أجهزة الأمن ما يحدث..فلماذا يمزق شاب أوروبي أوراق هويته ثم يعلن عن انتمائه لجماعة متطرفة؟

تم اقتياد المجموعة للتحقيق، ولدى سؤالهم قالوا جميعا: أوارقُ باطلة تربطنا بأنظمة حكم كافرة!

كان الأمر بمثابة الصدمة الحضارية للمحققين، فهذه الإجابة هي ذاتها التي يحصلون عليها من شباب الجماعات الإرهابية المحلية..وعادة ما يكونوا قادمين من بيئة فقيرة وجاهلة…أما أن يسمعوها من مواطنين ألمان فهذا شيء جديد.

بتتبع القصة، سنكتشف أن هذا نمط من أنماط الهوس الديني..والظاهرة يتم التعبير عنها بأنها ظاهرة الكونفيرتد (converted).

والتعبير يشير إلى الأوروبيين حديثي الإسلام أو الجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين لدول العالم الغربي، وخاصة القارة الأوروبية.

حيث كشفت الأبحاث أن هذه الفئة قد تواجه إحباطات في نمط الحياة الأوروبي، حيث الحياة الجامدة المميكنة المادية السريعة، وأن ضغوط هذا الشكل من الحياة تدفعهم لتغيير مساراتهم.

حيث يترددون على بعض رجال الدين الذين يعيشون وجدانيا في الماضي السحيق، والذين يقنعون هؤلاء الشباب بأن الحل في اعتزال هذا العالم الفاسد والعيش في أجواء أشبه بأجواء البعثة النبوية.

فيختار هؤلاء الشباب دولة عربية للنزول عليها، ثم يختارون نطاقا جغرافيا فيها، يتسم بالبدائية وأحيانا بقسوة الطبيعة، كي يهربوا إليه من “شرور” العالم.

لذلك حين كان يجيء هؤلاء إلى مصر، كانوا يذهبون إلى محافظات الصعيد ، ليعيشوا في الجبال، في محاولة لمحاكاة نمط الحياة قبل 14 قرنا من الزمان.

الأمر الذي يعوضهم نفسيا، ويشعرهم بأنهم تخلصوا من آثام العالم وأوجاعه..وأنهم يعيشون حياة لا يمكن أن تستهلكهم مثلما فعلت من قبل الحياة الرأسمالية المتوحشة.

إذا فهذا النمط من “الجهاد” يعبر عن عدم اتزان نفسي بالأساس وعدم قدرة على التعايش مع البيئة التي تحدر منها هذا الشباب الجهادي..

كنت أتباحث الظاهرة مع الباحث المصري المتخصص في مجال التيارات الإسلامية، حسام تمام عليه رحمة الله وكان تقييمه للأمر أنهم (يبحثون عن العصر النبوي..فيخلقونه في بيئة شبيهة هروبا من حياة بائسة).

وهو ما قاله صراحة الشاب المدعو أبو البراء الهندي، الذي بث فيديو من صفوف داعش، زاعما فيه أنه بريطاني الجنسية، وداعيا فيه شباب العالم الغربي للانضمام للجهاد.

وقال الهندي نصا : أنتم بحاجة الى القتال من أجل الله والتضحية من أجل الله، علاج الاكتئاب هو الجهاد.

إذا نحن أمام حفنة شباب محبط، أنهكه نمط العيش الغربي، فجاء ليتداوى في البلدان العربية على دوي الرصاص وعلى أنقاض حلم قديم…كل طموحه فيه أن تعود الخلافة لتعود الحياة بسيطة..كي يداوي آلامه الداخلية!