الرئيسية  /  كتاب وآراء

في عيد الشهداء... أيها الرحيل القاسي... ابتعد عنا .. بقلم سهى سليمان


دام برس :

كيف نغسلُ الأوجاع، وكيفَ للحمامِ أن يهدرَ بالسلام، وكيف للياسمين أن يفوح؟

أي ّحديثٍ للشهداء ذلك الذي يكتبُ بالدماء والأشلاء.. 

هل نتحدثُ عن ذلك الطفلِ الصغير الذي أصابتهً قذيفةٌ عندما كان يخاطبُ أمه طالباً منها أن تشتري له لعبة، أو ربما كان يتذوقُ طعمَ الفرحِ في الحديقة، أو يلعبُ بدراجته.. أو عن ذلك الطفل الذي كان يكتبُ على السبورة بالقلم اسمَ بلده أو يرسم علمَ وطنه.

أم نتحدث عن ذلكَ الشيخِ العجوز الذي تناثرت ذكرياته عندما كان يقطعُ الطريقَ متكئاً على عكازةٍ من التعب، أو ربما تناثرَ رغيفُ الخبز الذي حصلَ عليه بعد طولِ عناء... وذاك الشاب احترقت أحلامُه بدخول الجامعة...

أو عن تلك السيدة الموقرة كانت توصلُ أولادها للمدرسة، أو ربما كانت تتصلُ بأولادها لتطمئن عليهم وتوصيهم بالمحبة، لكن سياراتِ الحقدِ والإرهاب أنهت ذلك الاتصال.

أيّ حديثٍ يليق بك أيها الشهيد؟ عيوننا إليكَ ترحلُ كل يوم، بصماتكُ على كل شبرٍ من ترابِ الوطن...

يهابكُ الخوفُ ويفارقكَ النوم، تتربصُ للعدو في كلِّ وقتٍ وحين، تنازلُ الأعداءَ في ساحاتِ الوغى... ترابطُ على الجبهات في الليلِ وترصدُ في النهار، عشقتَ الشهادة وحبّ الوطن.

يا من جبينهُ شامخٌ كقاسيون، وعلى جسدهِ يزهرُ ربيعُ حوران، وفي عروقهُ يسري بحرُ الساحل، ويديهُ سنابلٌ من عطاءِ الجزيرة.

يا نوراً أضاءَ سماءَ الوطن، يا من يسقطُ جسدُه في أرضِ المعركة، وترتقي روحهُ كفراشةٍ طائرة...

أيها القمرُ المسافرُ في سماء الشرف، أيتها النجمةُ المسافرةُ في جناتِ الخلد، يصطفيكَ الموتُ وأنت ترتدي غصنَ زيتون... وتحطُّ طيورُ الحبّ عند ضريحك، وتفوحُ رائحةُ البخور من دمكَ الزكي.

أيها الساكنُ جنات النعيم، أيها السيدُ الكريم.. يا سيدَ الكبرياء في زمن الخيانةِ والرياء.

أي دمٍ رائعٍ هذا الذي قد سال؟ أي عبقٍ هذا الذي منك قد فاح؟ أبيت إلا الصــعودَ فوق القمم.. أبيتَ إلا مكاناً فوق النجوم.. وقفتَ والشمسُ في موضع واحد، أشرقتْ أيامنا بنورك، شروقكُ فينا نورٌ لا ينطفئ، وغروبكَ عنا ذكريات لا تنسى..

متَّ بصمتٍ لم يثقبه إلا صوتَ الرصاصِ الذي اخترقَ جسدَ العدو.

دمكُ الأحمرُ لوّن أمسياتِنا الباردةَ بجمرهِ الحنون، وأضاءَ الوطنَ بأملِ الانتصار ..

دمكُ الأحمر لن ينسى، فارفعْ جبينكَ فوقَ ضوءِ الشمس، فما زلتَ حياً لم ترحل وإن واريناك التراب، فصبحكُ ينبتُ ألفَ صبح، ودمكُ يزهرُ في الميادين شقائقَ النعمان.

أنتَ في ضميرِ الأطفالِ والنساءِ والرجال، أنتُ في ضميرِ كلّ شريف.. وفي ضميرِ التاريخ صفحةٌ مشرقةٌ وضاءة..

طهارتُكَ جزءٌ من طهارةِ عرضكِ وأرضكِ ووطنك.. عظمتكَ جزءٌ من عظمةِ وطنك..

كلُّ من يعرف عنكَ شيئاً ظنّ أن الطيورَ في السماء تغردُ فرحاً باستشهادكِ وتخفقُ إعجاباً لصبر أبيكَ وأمكَ وإخوتكَ وأحبابكَ حين خرجوا يحملوك هدية إلى الوطن الغالي..

زفّتكَ النساءُ والرجالُ والشيوخُ والأطفال، حتى السماءُ والطيورُ والأشجارُ والأزهار..

يا قمرَ السماء... وما أكثرها أقمار سورية..

إلى جناتِ الخلدِ يا زوجي وولدي وأخي وحبيبي وصديقي...

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=43450