الرئيسية  /  كتاب وآراء

الأرض بتتكلم عربي .. بقلم سهى سليمان


دام برس : الأرض بتتكلم عربي .. بقلم سهى سليمان

دام برس :

عندما غنى الفنان المصري سيد مكاوي: "الأرض بتتكلم عربي" كان يدرك أن الأرضَ حنجرةٌ حبالها الصوتية تلكَ السنابل التي تُحصد بمناجلِ زارعيها وتصدحُ بأنغامِ ساكنيها.

ولما كانت الأرضُ سيدةَ الشرفِ والعرض، والشهيدُ سيدُ الأرض. وإن كانَ الوطنُ هو الرابطُ بين الشهيدِ والأرض، فالشهيدُ هو الرابطُ بين الدمِ والأرض، يضيءُ لنا الطريق، ويرشدنا إلى بريقِ الأمل، يتحدى الخوفَ والقساوةَ، يحطمُ بإصرارهِ كلَّ قلاعِ الصمتِ والقلق، ويخلقُ معجزةَ الانتصار.

قبلَ أنْ يعتلي الشهيدُ صهوةَ التراب، ويصبحُ فارساً في العلياء.. يحملُ المقاتلُ بندقيتهُ على كتفهِ، يتغزلُ بها، يداعبها بعينينِ عاشقتين، يوقظُ رصاصتهُ الصماء بهمسٍ من السماء، يسدّدُ لا يتردد، يطلقُ سيمفونية النصر، ويصدحُ بقيثارته ليغني قصائدَ الحب.  يقبّلُ الترابَ بشفتينِ من ياسمين. يتشبثُ بحفنة النجاة، يخطُّ وصيتهُ ويكتبُ رسائلَ العشقِ بالدماء، بعد أن يدّوي مدفعه بآخر الكلمات: "تبعثري معي أيتها الأرض الحنون وانتشري بين حنايا روحي، اسجنيني في محبتك، تعالي لنتحد معاً كالجمرِ والبخور لننشر في أرجاء الفضاء عبير  المنثور.

أيتها الأرضُ: مواسمكُ خصبةٌ بالمحبةِ والصبرِ والإصرار، فصولكِ حُبلى بالعنبرِ والصفصاف والغار.

ربيعُكِ أطفالٌ ضحكاتهم تزهرُ لوزاً وتيناً، وعصافيرُ تشدو أنغامَ الفرحِ في الفضاء.

شتاؤكِ سحابٌ يمطرُ قطراتٍ من السلامِ والصفاء.

خريفكِ أشجارٌ تساقطت عنها أوراقُ الحقدِ والخيانةِ والانتقامِ والرياء.

صيفكِ سنابلُ قمحٍ يشعُّ من ضيائها الخيرُ والعطاء.

ومع آخر الأنفاس يواسي الأرض بفيض من الإحساس: في ذكرى يومك "يومِ الأرضِ" لن تنامي ظمآنةً، سيروى ظمأك نزفُ الشهادة، وتهدئُ جراحك طهرُ أجساد الشهداء".

تبتسمُ الأرضُ عندما تلامسها أقدامُ الشهيدِ، وتنتفض قائلة: "كنتُ رصيفاً لجروحكِ، وسريراً لراحتك. ما دمتُ وفيةً للعهود، زلزلني بخطاكَ الواثقة، كُن لي الندى واسقني من طهرِ دمكِ لأزهرَ شقائقَ النعمان.

أيها الشهداءُ لو صلبوا أجسادكم بمساميرِ حقدهم لكنكم في أعماقي متجذرون. من رحمي مولودون. على أكفكم أكفانكم تحملون. في كل صباحِ تبتسمون، مع أشعةِ الشمسِ ترسلون قصفات من أغصان الزيتون.

لم تكن معركتنا يوماً معركةَ أمكنةٍ ومساحاتٍ جغرافية، فأنا لا أقاسُ بـ (الأمتار) ولا بـ (الهكتار). ولستُ خرائطَ صامتة، بل أنا روحٌ جريحة، ينزفُ وجداني من ألمكم، يتألمُ ويفرحُ ترابي كالبنفسج. أنا طائرٌ أجنحتهُ عطاء، أنانيةٌ في حبِّ أولادي، سخيةٌ في تحناني، قويةٌ بإيماني أن النصرَ واقع وحقيقة وليس أماني".

في ذكرى يومِ الأرضِ الفلسطيني 30 آذار 1976، 6 شهداء.. ألا يستحقُ أن يكونِ هناك يومٌ للأرضِ في سورية بعد أن أصبح ترابها جنة من شقائق النعمان؟

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=41750