Warning: session_start(): open(/var/cpanel/php/sessions/ea-php56/sess_b225256kic04tqqlr6bcasudf7, O_RDWR) failed: No space left on device (28) in /home/dampress/public_html/include.php on line 2

Warning: session_start(): Cannot send session cache limiter - headers already sent (output started at /home/dampress/public_html/include.php:2) in /home/dampress/public_html/include.php on line 2

Warning: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at /home/dampress/public_html/include.php:2) in /home/dampress/public_html/include.php on line 93
مؤسسة دام برس الإعلامية

الرئيسية  /  أخبار

الشهيد ياسر شعبان ... نبراسٌ مضيء ... كتبَ تاريخَ الوطن .. بأحرفٍ من نورٍ وكبرياء


دام برس :

هنا دُفنوا وما دُفنوا، في هذا المكان، يريحون تعبهم، حيثُ الأرضُ الحنون، والترابُ بالدم الطاهرِ معجون، مهما دخلتْ رصاصاتُ الغدرِ إلى أجسادهم، وتمزقتْ أوردتهم، وقُطعت شرايينهم، واُنتزعت قلوبهم، وقُطعت رؤوسهم، مؤمنون أنهم راية الحقّ خفاقة فوق القلاع والحصون، هم سيفُ النصر مغروس في صدر الأعداء، هم الغيثُ المولود من مُزن السماء، يرفضون مقايضة الأجساد، صامدون على الوعد باقون.

 

لا جسدَ في هذا القبر؛ بل بزّة عسكرية، كانتْ صديقةً وفية لمن ارتقى شهيداً إلى العلياء وعانقَ السماء، ترى هالةً من نورِ الفخر والعزة، ذكراهم الطيبة يفوح منها عبق البخور والطيب تملأ المكان.

السيدة ريما حمود زوجة الشهيد العميد ياسر شعبان شرّفتنا بلقاءٍ في منزلها المتواضع كتواضعها، تلك المربية الفاضلة، جبينها عالٍ، وشهيدها غالٍ.

الشهيد العميد ياسر شعبان من محافظة طرطوس ـ منطقة الشيخ بدر ـ قرية حمام قنيه، مواليد 1968، متزوج وله أربعة أولاد (هبة ـ حلا ـ حسن ـ لمى).

بالصبرِ والإيمان.. نحيي ذكرى الشهداء

الشهادةُ بذل للنفسِ في سبيلِ قضية محقة، ماذا أضاف َاستشهاد الزوج لمعنى الشهادة لديك؟

\"\"إن الشهادةَ في سبيل الدفاع عن الوطن هي أنبل ما يمكن أن يقدّمه المرء على دروب العطاء الإنساني، وهي من أسمى درجات الخلود عند الله.

شهداؤنا مشاعل النور، ضوء الشمس الذي يشرق كلّ صباح، هم رجالنا الأوفياء الشجعان، أقسموا فبرّوا بالعهد والقسم، أقرنوا الإيمان بفعل الشهادة، لينتصر الحق وليؤكّدوا للقاصي والداني أن سورية هي موطن الكرامة والعنفوان.

ضحى الشهداء بأرواحهم، ورووا بدمائهم الطاهرة هذه الأرض الطيبة، التي سنغرسُ فيها أشجار المحبة والفخر، نرويها بالصبر والإيمان بالنصر، لنخلّد ذكراهم وتكون شاهداً على ما سطّروا من تضحيات لأجل الوطن..

لا شكّ أن بفقدانك الزوج فقدت أشياء كثيرة... ماذا فقدت؟

كان الشهيدُ وما زال في وجداننا وعقولنا، كان الأبُ والزوج الحنون، الصديقُ وتوأم الروح، ورعاً كريماً، ولا أنسى قوله لي: إن من يعطي هو الرابح دائماً، إن لم يكن في هذه الحياة فالله لا يضيع مثقال ذرة.

قبل استشهاد زوجي استشهد أيضاً بتاريخ 21/5/2011 ابن أخت زوجي، الشهيد الشرطي محمد شعبان، هو من مواليد حمام قنيه 1991، إثر اغتياله برصاصاتٍ حاقدة على أيدي مجموعاتٍ مسلحة في بلدة سقبا.

 

إيثارُ الشهيد ياسر... حاضرٌ في الذاكرة والوجدان

ذكرتي لي أنه كان لديكم في منزلكم بحلب عوائل مهجرّة... اتمنى أن تتحدثي عن ذلك قليلاً...

في بداية الأمر كانت حلب بمنأى عن الأحداث، وعقاباً على صمودها ووقوفها بوجه التخريب والدمار، حاولوا طعنَ حلب بسيوف الغدر، ما أدى إلى تهجيرِ الكثير من العائلات، حينها أتت عائلتان مهجّرتان من النقارين أقامتا معنا في منزلنا، كان هذا في أول أيام رمضان، وعندما تطورت الأحداث أكثر فأكثر، قرّرَ زوجي أن يرسلني لأعيشَ في القرية، لكنّ الملفتَ في الأمر عندما خاطرَ بحياته وأتى ليودعنا، انشغلَ بتأمين الأسر المهجّرة التي كانت تشاركنا السكن ولم يتسنَ له توديعنا...

وبعد أن قامَ بتأمين أسرة رفيقه من الزبداني وأوصلهم إلى مركز الانطلاق... بعثَ لي برسالة وقال فيها: أنا آسف نسيتُ أن أقبّلَ الأولاد وأودعَهم، أطبعي على خد ّكلٍّ منهم قبلةً من والدهم، تأثرت كثيراً وكبرَ في عيني أكثرَ وأكثر...

بكلماتٍ مريرة، وعينين بالدمع مثقلتين تابعت زوجة الشهيد:

مرّت الأيام والأحداث تتصاعد، كنتُ اسأله عن الأحوال كيف أصبحتْ، في كلّ مرة يقول لي الحمد الله نحن بخير، وبعد فترة جاءَ إلى القرية كان متفائلاً لا يتحدث إلا بالنصر، وبعد أن عادَ إلى قطعته العسكرية اتصلَ بي وفاجأني عندما طلبَ مني أن أرتب الأمور لنقل ملكية البيت لاسمي، قال رتبي كلّ شيء ريثما أعود لأتنازل عنه لكِ، عندها شعرت بأنني أفقده.

رحلة وداعٍ قصيرةٍ انتهتْ بالشهادة

زوجكِ استشهد بكلية الشؤون الإدارية بحلب... لو استطعتِ أن تروي لنا قصة التحاق زوجك بركب الشهداء؟

في الأسبوع الأخير من تشرين الثاني 2012، جاءَ بإجازة، وحجزَ للعودة قبل أن يصل إلى بيته في 4/12/2012، كلّ من شاهده في هذه المرة قال إنه جاء للوداع، خاصة أنه كان يتحاشى أن يتحدث عن الوضع في حلب.

ببريقِ حزنٍِ يشع من عينيها تضيف:

مساءً قبل أن يسافر فتحَ هاتفه المحمول ونقلَ لي جميع الصور التي كانت محفوظة لديه، وقال لي عندما استشهدْ انتقي صورة منها وضعيها في إطار، وارفعي رأسك عالياً.

لم ينتظرْ حتى تنتهي إجازته، بل ذهبَ في اليوم نفسه، ووصلَ إلى مطار حلب مساءً، ثمّ التحقَ بأقرب قطعة وصل إليها، بقي ما يقارب الأسبوع ثم عادَ إلى منزلنا في حلب، كان أخي هناك، وأوصاه بي وبالأولاد، وقال له: سأذهبُ إلى قطعتي وأخافُ أن أموتَ على طريق العودة فلا تستطع أختكَ أن ترفعَ رأسها بي عالياً، ادعو لي أن أصلَ سالماً وأموتُ في ساحة المعركة، وكانتْ له تلك الأمنية.

 

الجسدُ فانٍ... أرواحُ الشهداء في جنات الخلود

ماذا أخبروكِ أصدقاءُ الشهيد؟

أخبروني أخي ورفاقه في السلاح أنه في صباح يوم الجمعة 14/12/2012 – يوم استشهاده - هجمَ المسلحون على قطعته بأعدادٍ كبيرة، واستطاع بكلّ استبسالٍ أن يقتل الكثير منهم، لم يتخاذل يوماً عن صدّ أي هجوم، بل كان في مقدمة المدافعين عن قطعته، لكنّ خروجه من المكان أصبح شبه مستحيل. قال لي أخي: "عندها بكيت عليه، فصاحَ بي بصوتٍ قوي وبكلّ اعتزازٍ أنتَ رجل والرجالُ لا تبكي"، وقال له: "الجسد فانٍ والروح هي الخالدة، لا أريدُ أن يطالبَ أحدٌ بجسدي إذا قايضكم الأعداء عليه"، وكأنه كانَ يعرفُ ما كتب له.

قبلَ أن أعرف أنهم كانوا يحاصرون القطعة التي كانَ فيها اتصلتُ به بعد إصرارٍ من ابنتنا الصغيرة لمى، فتحَ الخط ولم يردّ علينا، خفتُ عليه كثيراً، وبعدها علمتُ أنهم محاصرون، رحتُ اتصل بكلّ من أعرفهم للاستفسار عنه، ومن مفارقات القدر أني اتصلت برفيقتي لكي تسألْ زوجها عنه، كانت المفاجأة الكبرى عندما أخبرتني أن زوجها استشهد قبل زوجي بيومين فقط.

هل تمّ دفنه بحلب؟

لا أعرف إن كانَ تمّ دفنه بحلب أم لا، حتى الآن لم يكرمنا الله بجثمانه، أو بأي ذكرى منه، أهل القرية حفروا له قبراً دفنّا فقط إحدى بزّاته العسكرية. وما زلت أعيش على أمل أن يأتي جثمانه ملفوفاً بالعلم.

ما هو شعوركِ حيال عدم قدرتكِ على دفنِ زوجك في القرية؟

أنا امرأةٌ مؤمنة وأعرف أن الموتَ علينا حقّ، فكيف إذا كان الموتُ من أجل قضية مشرّفة، إنه الوطنُ الذي تكاثرت عليه أكثر من نصف دولِ العالم لتدميره، ومؤمنةٌ أكثر بما قاله الشهيد قبل أن يستشهد بأن الجسد فانٍ والروح هي الخالدة.

براعمُ المستقبل... أمانةٌ في أعناقنا

أربعة أولاد للشهيد تحت رعايتك كيف تستطيعين تعويضهم عن فقدان الأب؟

انظر إلى أولادي وأبكي كثيراً، لأن الحياة صعبة، وتربيتهم ليست بالأمر السهل، الحمد الله أولادي متفوقون في دراستهم، واتمنى أن يحققوا أمنية الشهيد في متابعة دراستهم.

فقدتُ شريكَ حياتي لكنه تركَ لي شموعاً تنير دربي، سأربيهم التربية الصالحة ما قدرتُ على ذلك. جلّ ما أتمناه أن أكونَ عند ثقته، قادرةً على حفظ الأمانة. فالأمُ التي تهزّ السريرَ بيمينها تهزّ العالم بيسارها.

جلسنا مع تلك السيدة، ورأينا أطفالها حولها، كفراشاتٍ حول النور، تبتسمُ في وجوههم وتلبي رغباتهم على الرغم من كلّ الحزن الذي يعتريها، وتقول:

في الليل والنهار أدعو الله أن يساعدني أن أكون على قدر هذه المسؤولية، أتمنى أن يسيروا في طريق أبيهم لأن الوطن إذا احتاج أفراده ليضحوا من أجله يبقون أفراداً.. لكن تضحيتهم تحيي أجيالاً وأجيالاً قادمة.

 

مسيرةُ العملِ تتواصل تحتَ أزيز الرصاص

حضرتكِ تحملين إجازة جامعية اختصاص "ر.ف.ك"، كنتِ تعملين كمدرّسة، أين كنت تدرّسين؟

كنتُ أدرّس في ثانوية ابن البيطار بمحافظة حلب.

ما هي الصعوبات التي واجهتك في حلب كمدرّسة؟

مع وجود زوجي لم يكن هناك صعوبات، دائماً كان كلامه يشعرني بالطمأنينة والهدوء، لم يرضَ أن نترك بيتنا وتابعنا عملنا هناك، أكثر من مرة اصطحبني تحتَ صوتِ الرصاص والتفجيرات لأقوم بواجبي في التعليمِ وتصحيح الأوراق والمراقبة.

ذات يوم حصلَ تفجيرٌ بالقربِ من المدرسة التي كنت فيها، ولكن هذا لم يثنني عن القيام بواجبي المهني. علينا جميعاً أن نكملَ رسالتنا في تربية الأجيال على حبِّ الوطن والتمسك بكلّ حبة تراب فيه. لأنَّ من لا وطنَ لديه لا كرامة له.

الروتين الإداري عائقٌ أمام تسهيل الإجراءات

حالياً أنت تدرسينَ في محافظة طرطوس، هل استطعتِ الانتقال بشكلٍ دائم؟

للأسف إلى الآن ندب مؤقت.

ما هي أسباب تأخر النقل؟

السببُ الأكبر هو الروتين الإداري. قدّمتُ طلبَ نقلٍ عن طريقِ مديرية تربية طرطوس لكن الظروف الأمنية بحلب حالت دونَ حصولي على وثيقة الاستشهاد، وبعد فترة أرفقتُ الطلب مع وثيقة الاستشهاد وقدّمتُ طلباً عن طريق مكتب الشهداء، كما تمّ الاتصال بـجمعية "نساء سورية بخير"، التي وعدتني بالمساعدة ومتابعة الموضوع، خاصة بموضوع نقل الراتب، حيث إننا لا نستلم الراتب إلا في 15 أو 20 من كلّ شهر، وهذا بحدِّ ذاته عبءٌ إضافي بوجود أربعة أولاد.

من هذا المنطلق ما هي الشكوى التي تودين إيصالها للمعنيين لحلّ هذه المشكلات؟

أتمنى من مؤسستكم الكريمة إيصال الشكوى إلى المعنيين، خاصة مديريتي التربية في حلب وطرطوس لتسهيل المعاملات الروتينية، إضافة إلى متابعة طلبات النقل في المحافظات البعيدة، والحصول على الراتب الشهري بشكلٍ سريع.

بالتسامحِ والمغفرة... بالمحبةِ والإخاء قادرونَ على التعايش

ما هي رسالتكِ عبر مؤسسة دام برس الإعلامية؟

أودّ أن أتوجه بالاحترامِ والتقدير إلى المرأةِ السورية التي قدّمت أغلى ما تملك، قدّمت فلذةَ كبدها، وشريكَ حياتها، وأخاها، وإلى الآن قادرة أن تقدمَ الكثير من أجل الوطن.

لتكن قلوبنا موطناً لكلّ أبناء سورية، لتكن قلوبنا أحنّ مكان يحضن كلّ شهداء سورية. ما زلتُ مؤمنة بالنصر، ما دامَ هناك تلاحم بين الشعب والجيش، حتى لا تذهب دماء الشهداء هدراً.

مع كلِّ المرارة والحزن، أنادي أخوتي في الوطن، تعالوا معاً نبني وطننا يداً بيد، ونعمّر ما تهدم، بالتسامح والمغفرة، بالمحبة والإخاء قادرون على التعايش كما كنا.

في الختام قدّمت زوجة الشهيد الشكر لمؤسسة دام برس الإعلامية التي بدورها شكرت رحابة صدرها، ومع القناعة الراسخة بأن الوفاء للشهداء يكون قبلَ كلّ شيء بالتزام قيمهم والحفاظ على إنجازاتهم وصون الأمانة التي تركوها لنا، ستعملُ المؤسسةَ بكلّ جهدها لإيصال صوتها وصوتكم إلى المعنيين، للمساهمة بجزءٍ بسيط في تكريمِ ذوي الشهداء.

 

أجرى الحوار : سهى سليمان

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=12&id=40553


Warning: Unknown: open(/var/cpanel/php/sessions/ea-php56/sess_b225256kic04tqqlr6bcasudf7, O_RDWR) failed: No space left on device (28) in Unknown on line 0

Warning: Unknown: Failed to write session data (files). Please verify that the current setting of session.save_path is correct (/var/cpanel/php/sessions/ea-php56) in Unknown on line 0