دام برس: بعد مجموعة الأحداث العربية و التطورات الخطيرة في المشهد العربي بات مؤكدا أن ما يعرف بالثورات لم يكن سوى فوضى عارمة أسالت حنفية الدماء و فتحت الراهن العربي و مستقبله على المجهول و على أسوأ الإحتمالات .. و إذا كان الراهن العربي إتسم بالإستبداد و الأحادية فإن البديل المطروح من قبل الفوضى العربية هو الحروب الأهلية و التكفير و الذبح و إعادة إنتاج مساوئ التاريخ الإسلامي و تدمير الدول الوطنية و تكريس الطائفية و المذهبية و الجهوية و ثقافة الكراهية و البغضاء و الشتم و اللعن . و تكفي نظرة واحدة إلى صيرورة الأوضاع في كل دولة عربية إجتاحها فيروس الحرية و مذهب برناردر هنري ليفي لندرك أن هذه الثورات و إن كان بعض المشاركين فيها يحلمون بغد جميل , إلا أنها دمرت الأمن القومي العربي و قوّت الميزان العسكري و الإستراتيجي لصالح الكيان الصهيوني , وهذه الثورات التي كانت ولا زالت بدون قيادة و بدون فكر و بدون رؤية و بدون بدائل سياسية و دستورية و إستراتيجية أصبحت عبئا على العالم العربي و مستقبله .. وبات الكثير من الثوار مجرد أدوات بأيدي المخابرات القطرية و السعودية و الأمريكية و الموساد , و نفذت بجدارة مبدأ تفجير المتناقضات في الداخل العربي و أنعشت السلفية الدموية المقيتة التي تقوم على تكفير الآخر المخالف المذهبي و الديني , و كان يفترض بالحرية التي رفعت كشعار أن تكون مكرسّة لمبدأ الإعتراف بالآخر و الإنفتاح عليه .. فماذا حدث في تونس و ليبيا و مصر و اليمن و سورية : حروب داخلية , تكفير و قتل على أساس مذهبي و ديني , و إرتفاع حدة التدخل الإستخباراتي الدولي في العالم العربي , و إخراج القضية الفلسطينية من سلم الأولويات ... و إذا أخذنا الثورة السورية كنموذج فما الذي تملكه هذه الثورة غير ضبابية الرؤية و الإصرار على تدمير الدولة و المجتمع السوري , وملاحقة أعراض الناس و التهكم على الشخصيات العامة ... ومنذ بداية العنف في سورية لم يقدم "ثوار سورية " برنامجا سياسيا متكاملا , بل تحالفوا مع الموساد و المخابرات القطرية و السعودية و الأمريكية و الأردنية و التركية و دمروا كل ما له علاقة بالبنى التحتية و ما بناه الشعب السوري من كّد يده و عرق جبينه , و فوق هذا و ذاك داس هؤلاء الثوار على الموقف السوري المشرف المقاوم و العربي بإمتياز , فأعلنوا الصلح مع الكيان الصهيوني كما قال برهان غليون في بداية ما يعرف بالحراك السوري , أن سورية الجديدة ستطبّع مع الكيان الصهيوي و تنهي علاقتها بمحور المقاومة – حيث ما زال الإجماع قائما في العالم العربي بأن القضية الفلسطينية هي الأساس – و الأكثر منذ ذلك فقد شرعنت هذه الثورة السورية ما تقوم به الأحلاف و الأحزاب الجهادية و السلفية السورية و التي إستعانت بجيش من الإرهابيين وصلوا إلى تركيا فسورية على متن الخطوط القطرية ..و بعد أن مكنت هذه الثورة للإرادات الغربية لدكدكة سورية , راحت تمكّن للقاعدة وأخواتها على تدمير الدولة الوطنية السورية .. و كانت النتيجة فقدان هذه الثورة لشرعيتها و طهرها الثوري , و خرجت من محاربة الدولة إلى محاربة المجتمع , و محاربة الإعلاميين بتهديدهم و قتلهم و الإفتراء عليهم و هتك أعراضهم .. و بهذه الطريقة فقدت هذه الثورة كل أوراقها , و أصبحت تحارب بصورة زوجة هذا أو ذاك , و الشعب السوري و الشعوب العربية التي تراقب هذه المشاهد – من قطع الرؤوس و أكل الأكباد و تدمير المستشفيات و الجامعات و قتل المدنيين في أحياء دمشق وغيرها – تأكدّت أن الأسلم لسورية اليوم و غدا وبعد غد هو بقاء الدولة السورية و الجيش العربي السوري الذي حمل على عاتقه مهمة التصدي للمهمة الصهيونية ضد دمشق و لكن بسوريين باعوا وطنهم في دهاليز المخابرات العربية و الغربية .. و لأجل كل هذا و ذاك , يمكن الجزم أن سورية الدولة , سورية الجيش العربي السوري , سورية العروبة و الممانعة إنتصرت , و للإنتصار أثمان , و العبرة بالنهايات .... |
||||||||
|