الرئيسية  /  من هنا وهناك

ثغور أوغاريت ومرافقها البحرية المندثرة ...استقراء لواقع مرحلة وحقبة تاريخية


دام برس : ثغور أوغاريت ومرافقها البحرية المندثرة ...استقراء لواقع مرحلة وحقبة تاريخية

دام برس:

تطلب رقي وازدهار مملكة أوغاريت وما بلغته من تطور في نشاطها التجاري واتصالاتها البعيدة مع بلدان ما وراء البحار وجود مرافق بحرية تلبي خدمات المرحلة وكان خليج ميناء البيضاء المحمي من الرياح والأمواج الجنوبية الغربية يفي بالغرض لكن ضمن شدة رياح و ارتفاعات الأمواج ينقلب الميناء إلى مكان غير آمن ولاخيار حينها عن سحب السفن إلى الشاطئ والدخول إلى نهر الفيض.

ورغم أن الحفريات التي تمت في حي مرفأ أوغاريت لم تسفر حتى الآن عن اكتشاف إنشاءات مرفئية اصطناعية تفضي الدلائل إلى أنه من غير المنطقي أن يكون نهر الفيض بحوضه الصغير ومياهه الشحيحة هو ثغر أوغاريت الوحيد إلى عالم البحار ولابد من وجود مرافق بحرية كانت سفن أوغاريت من خلالها تعبر إلى العالم الخارجي ومنها مرفق ابن هاني البحري ويطلق عليه اسم رأس الفنار ويشتهر بإسم ابن هاني نسبة إلى ضريح الصحابي مسعود ابن هاني الموجود في القرية المجاورة.

يقول مدير آثار اللاذقية الباحث الدكتور جمال حيدر: يوصف رأس ابن هاني بأنه اكثر تعاريج الساحل السوري بروزا ويشتهر بأنه ثاني اشهر مياه آمنة للمراكب والسفن من الرياح والأمواج الجنوبية والجنوبية الغربية بعد مرسى البسيط وله موقع على جميع الخرائط البحرية في الوقت الحالي و لكن قديما كان هناك عدة مراسي منها مرسى الخضر في الجنوب و مرسى القبان في الشمال اضافة إلى بعض المرافق والاستخدامات البحرية الأخرى بالنسبة لسفن ذلك العصر.

ويبين حيدر أن الباحث البحري حسين حجازي ذكر في كتابه الموانئ والمرافئ والمراسي البحرية القديمة أن المرافق البحرية في ابن هاني تخص المدينة الأوغاريتية القابعة في التل الأثري وتمت الاستفادة من هذه المرافق لتطوير التحصينات وزيادة مناعة المدينة في العصر الهلنستي أما الموانئ و الأرصفة البحرية فقد استخدمت بالوضع الذي كانت عليه بعد إصلاحها وترميمها واضافة امتداداتها المبنية من حجارة مشذبة و جدرانها المثبتة من حجارة منحوتة لإقامة تحصيناتها المنيعة.

ويضيف أن تلك المرافق اندثرت نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر في العصر الروماني ما أسهم في تزايد قوة تأثير الرياح والأمواج بشكل كبير وبذلك تفاقمت الحالة وبدأت الرياح والأمواج تقذف الشاطئ بكميات كبيرة من الرمال والمخلفات البحرية و تعمل بسرعة على تشكيل تلال الرمال التي تذروها لتشكل تلال رمال شمالية في مرسى القبان و تلال رمال جنوبية و تنتقل باستمرار ناحية البحر بطريقة ديناميكية وهذا ما يرى في تلول البحر جنوب مدينة اللاذقية و في منطقة الهيشة جنوبي مدينة طرطوس.

وتلال الرمال هذه التي طغت على معظم الآثار الحضارية في رأس ابن هاني ليست حركة بسيطة كما كانت في البداية بل هي عبارة عن حركة شاطئ كبيرة كان سببها غير المباشر بناء الانشاءات والمرافق البحرية التي غيرت من معالم الشاطئ بعد ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل 2 متر على الأقل.

ويتابع حيدر أن التنقيبات و الأبحاث البحرية الأثرية التي تمت في رأس ابن هاني تشير إلى أن المدينة الأوغاريتية القابعة حاليا في التل الأثري الذي يرتفع قرابة 9 أمتار عن سطح البحر قد تأسست في القرن الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد واجتاحتها شعوب البحر في نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد أي أن هذه المدينة تدمرت نحو عام 1200 قبل الميلاد والتنقيبات الأثرية تؤكد ذلك.

وأسفرت الأسبار والحفريات التي نفذت في التل الأثري عن اكتشاف نصلات صوانية من نماذج العصر الحجري الحديث 7000/5000 قبل الميلاد متوضعة في تربة نهرية قد تكون مجلوبة من مكان آخر واكتشاف كسرات فخارية من أوان بسيطة تعود لعصر البرونز القديم وجدت مجتمعة في ركام الأسوار شرقي التل ولا يمكن حاليا معرفة ما إذا كانت مرتبطة بمنشأة معينة أو إنها منقولة من مكان آخر واكتشاف سوية خامسة فيها منشات معمارية وفخارية ولقى ورقم أوغاريتية و بابلية تعود إلى عصر البرونز الحديث 1400/ 1200 قبل الميلاد و سوية رابعة فيها منشات معمارية وفخارية و لقى تعود لعصر الحديد الأول 1200 /900 قبل الميلاد.

كما ظهرت سوية ثالثة كثيرة الفخار و المواد العضوية تعود لعصر الحديد الثاني 900/600 قبل الميلاد وسوية ثانية هلنستية تمتد من التل وخارجه وهي ذات منشات ضخمة حصينة دفاعية ومرفئية ومساكن ومدافن وفخار غزير ولقى كثيرة و خاصة النقود ولا تخلو هذه السوية من النصوص المنقوشة وتمتد زمنيا من فتح الاسكندر نحو 333 قبل الميلاد حتى الفتح الروماني للبلاد 64/63 قبل الميلاد.

واكتشفت سوية رومانية و بيزنطية تستخدم كثيرا البقايا المعمارية الهلنستية ممتدة على التل وعلى أقسام كثيرة خارجة معززة بالمنشات والفخار واللقى مع كثير من النقود التي تعود إلى القرن الرابع الميلادي وعهد جوستيان ويرجح أنها آخر مراحل سكن الرأس و أنها انتهت بالزلزال الذي دمر انطاكية عام 528/ ميلادي.

ويوضح الباحث أن التنقيبات البحرية و التي لم تشمل كامل مساحة الرأس حتى الآن تشير إلى أن السكن في رأس ابن هاني قد بدأ منذ عصر أقدم من أوغاريت وهذا ما يؤكده وجود المنارة القديمة ومينة التينة ورصيفي قصر البنات المغمورين في خليج القبان واللقى التي تعود إلى عهود اقدم من أوغاريت.

سلوى سليمان - سانا

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=82&id=31529