الرئيسية  /  كتاب وآراء

الجيش السوري .. مابين الرد والتمهل و حسابات الربح والخسارة .. بقلم : نمير سعد


دام برس:
إن لم ترق لبعضكم بعض مفرداتي فاعذروني إذ لا مجال اليوم للخروج من " عباءة الواقع " ولا سبيل أمامي سوى الوقوف أمام مرآته ولا طريق لمواجهة ما نحن فيه سوى محاولة فك طلاسم شيفرة الواقع بكل ما أمكن من الأمانة والشفافية . أنا لن أشارك في دق طبول الحرب الشاملة ولن أعزف أناشيدها ولن أرقص على أنغامها أو أقرع اجراس إنذاراتها ولي أسبابي التي أجدها منطقية وواقعية ، وكنت قد تحفظت في أكثر من مناسبة في العلن أحياناً من خلال ما أكتب وفي السر " بيني وبين ذاتي " على الدعوات المتكررة التي وجهها بعض من أكن لهم كل المحبة والتقدير والإحترام ممن كتب عن الأزمة السورية ، تلك الدعوات التي وجهها ذاك البعض بشكل مباشر أو غير مباشر لشن حرب على كيان العدو الإسرائيلي تحول الأزمة السورية إلى حربٍ شاملة لا تبقي ولا تذر ، فمرةً من منطلق أن إسرائيل هي رأس الشيطان الذي يهاجم الوطن السوري ،، الشيطان  الذي يتطلب القضاء عليه فصل رأسه عن جسده ، ومرةً على قاعدة أن الكون لن يهتدي إلى " الصراط المستقيم " ما لم ينل نصيبه من الألم والوجع الذي بات وجبةً يومية للشعب السوري ، وما لم تصيب السهام جسده وتكتوي روحه بنار الحرب وأزماتها من خلال حربٍ تشن على الكيان الإسرائيلي ،، على قاعدة المثل الشعبي الذي يقول " إذا ما كبرت ما بتصغر " .أنا اليوم أخالف أولئك جميعاً الرأي و لخلافي معهم أساس و سند ، آملاً أن يتفهم بعضهم كما بعضكم موقفي و ما سأذهب إليه بعد قراءتكم لما يلي من السطور وما بين السطور  ... .

أعضاء حلف العدوان على سوريا  يراهنون رهاناً أخرقاً على أن القيادة السورية لن ترد  سيما "في القريب العاجل " على الغارة الصهيونية على مركز البحوث العلمية في جمرايا بريف دمشق ، وأن القيادة السورية كيفما ضربت أخماسها بأسداسها وحاولت فك طلاسم معادلة الحرب والسلم والربح والخسارة أتت النتيجة واحدة وظهرت جليةً واضحة على شاشة حاسوب وزارة الدفاع السورية تماماً كما في صالات عقول جنرالات وقادة الجيش السوري ، نتيجة بسيطة مؤداها أن " الوقت لم يحن بعد " ، للرد على العدوان الإسرائيلي سيما إن كان خرقاً جوياً أو قصفاً محدوداً لمنشأة عسكرية ، وأن نتائج معادلة الحرب والسلم " كحرب كلاسيكية خارجية " تأتي دوماً بذات النتيجة المؤلمة التي تقول أن ما لم يكن ممكناً أو وارداً بعد حسابات موازين القوة العسكرية وشبكة التحالفات الإقليمية والدولية إبان الخروقات الإسرائيلية المتكررة على الوطن السوري وإنتهاك مجاله الجوي وآخرها قصف مركزٍ للبحوث في عام 2007 والإدعاء بأنه منشأة نووية ، ذاك الإعتداء الذي تم حينها كما هو معلوم بتواطؤ عثماني اردوغاني  في عز مرحلة " التحالف الاستراتيجي " مع الجارة التركية ، هو خيار لا حظوظ له في الإنضمام إلى قائمة الخيارات المتاحة أو الممكنة بكل المقايييس والموازين  وبعد دراسة بعض نظريات العلوم العسكرية ،، وإلا لكانت القيادة السورية قد فعلتها ، و إن كان الأمر حينها يبدو معقداً أو صعباً ،، أو مستحيلاً أو شديد الخطورة فهو اليوم لا يقل خطورةً وصعوبةً وتعقيداً وذلك لأسبابٍ عديدة أذكر منها .. . :

أولاً - خارجياً ..  يوم كانت سورية في حالة تعتبر مثالية إذا ما قورنت بواقع الحال اليوم ،، علاقاتها مع القارة العجوز جيدة إلى حدٍ كبير ، و تعيش حالة هدنة غير معلنة مع الولايات المتحدة رغم الخلاف الجذري فيما خص إحتلال العراق  ، وتربطها مع العديد من الحكومات الأعرابية علاقات وطيدة حين لم تكن كل الأقنعة العروبية قد سقطت بعد وحين لم تكن دويلة قطر قد خلعت ثوب الصديق الصدوق وكشفت عن خنجرها المسموم ، و لم يكن قد ظهر جلياً بعد الوجه الوهابي القبيح لآل سعود  ، فيما كانت العلاقة مع الحكومة التركية تعيش شهر عسل تبين لاحقاً أن سماً اردوغانياً يحضر لدسه في الإناء السوري ،، كانت سوريا لا تزال عضواً فاعلاً في كل " المنظمات الدولية " وهيئاتها ،،وكانت بدلة سفير سوريا في جامعة النعاج لا تزال تنال نصيبها من قذارة الكرسي ولا تزال أذنه تأخذ حصتها من سماع أسطوانات النفاق الأعرابي والخذلان الأعرابي والإنهزامية الأعرابية ولم ننسى ،، ولن ننسى مبادرات سلامهم التي تعب الزمان وترهل اصحابها وباتوا على أبواب المقابر ،، ولم تزل مطروحة على طاولة الإسرائيلي ،، يوم كان هذا هو واقع الحال ،، كان الرد على الإنتهاكات الإسرائيلية أو العدوان الصهيوني غير وارد ،،، فما بالكم باليوم وأنتم على علمٍ ودراية بكل المتغيرات التي استجدت وطرأت على هذا الصعيد ما بين آنذاك .. واليوم !! ... .

ثانياً - داخلياً ..  كانت سوريا حينها في أفضل حالاتها إقتصادياً ومادياً ،، المعامل التي أحرقت ونهبت وهربت إلى تركيا كانت تنتج وتعمل ليل نهار ، و منشآت النفط والغاز ومحطات توليد الكهرباء تعمل في أقصى طاقاتها ، ومعامل الأدوية والمشافي والأسواق والمزارع و المدارس والجامعات والجوامع والكنائس كانت تعيش حالة من العافية والحيوية ،   كانت سوريا تتكرم على بعض دول الجوار بالماء والكهرباء والقمح واللحوم ، و الحركة السياحية فيها في أوجها و بنيتها الإجتماعية " تبدو " صحية وسليمة ونسيجها الإجتماعي متماسك ،، و الألفة تجمع ابناءها ،  وكان الدين عامل تآلف ولم تكن الوهابية قد اقتحمت أبوابها وتلطت تحت أسرة غرف نوم سكانها ،  ولم يكن آنذاك من مكان لأي تكفيري سلفي بين صفوف السوريين ، أو ثمة منفذ لخائن أو عميل كي يجاهر بخيانته ويتباهى بعمالته ،، لكم هنا أيضاً أن تقارنوا الزمان بالزمان والواقع بالواقع ... .

ثالثاً - عسكرياً : وهنا بيت القصيد ،، فالجيش السوري الباسل كان يعيش حالة من الرفاهية العسكرية " إذا صح التعبير " ، جل ما كان مطلوباً من جنوده وضباطه تدريبات روتينية وجاهزية دائمة و حالة من التأهب الروتيني لأي طارئ على الحدود مع كيان العدو ، وليس مع أية حدود أخرى والأصح ،، ليس على كل الجبهات وعلى طول الحدود مع كافة الدول المشاركة في العدوان على الوطن السوري وتلك التي نأت بنفسها . أجزم أن صديقنا التاريخ " فالتاريخ كان رفيق درب لهذا الوطن ولساكنيه على مدار الزمن " ، لو سألناه عن حالة الحروب على جبهات عديدة في ذات الوقت  لأجاب دون تردد أن صفحاته تزخر بحروبٍ إستطاع فيها جيشٌ ما مواجهة عدة جيوش على أكثر من جبهة من جبهات البلاد ،، أو مقارعة جيوشٍ عدة  لبلدانٍ عدة على أراضيها في ذات الوقت ، لكننا لو توجهنا بالسؤال لذات الصديق عن حالة قام فيها جيشٌ ما بمواجهة جيوشٍ تزحف إلى وطنه على طول حدوده مع البلدان المجاورة ،، ويحارب في ذات الوقت جيشاً عرمرماً من الكائنات التي تشبه البشر في ملامحها لكنها لا تشبهها في شيء في سلوكها وأخلاقها ، كائنات يفترض أنها كرياته البيضاء التي تدافع عنه وعن الأرض التي يحميها والشعب الذي يمثله ،، لكنها وبقدرة شيطانية تتحول إلى حالة " إيدزية " تقوم فيها تلك الكريات بمهاجمة أجزاء الوطن ومفاصله وتحاصر قلبه وتخنق روحه .. لا أشك للحظة أن صديقنا التاريخ لن ينبس ببنت شفة ولن يجروء على إسماعنا صوته وأنه سينزوي في العتمة يؤرشف ويدون حالة جديدة لم تعرفها البشرية من قبل ولم يقدر له أن يتعرف على مثيلتها من قبل وسيعلن فقط أنه لا يجرؤ على توقع نهاياتها .. .


الكون بأسره بات يعلم ، أعداء الوطن السوي كما حلفاؤه ، أن الجيش السوري يواجه اليوم على الأرض جيشاً من الكفرة والجهلة والقتلة أطلق عليهم دولياً وعبر الإعلام الرخيص جداً لقب ثوار ، جاهروا بعمالتهم وفاخروا بخيانتهم وكان منهم من إقتدى بالمثل القائل ” عدو عدوي هو صديقي ” ، و سيبقى محفوراً في الذاكرة مشهد ” الثائر الوغد أبو فادي ” حين خاطب الصحفي الإسرائيلي قائلاً : ” لو أتاني شارون وقال لي أنا ضد الرئيس الأسد لقلت له أنت عيني ” .. لكم أن تكونوا على ثقة ويقين أن عشرات آلاف النسخ من ” أبو فادي ” أعلنت قولاً وسلوكاً ذات الموقف المشين و فاخرت بالعمالة والخيانة ، ولنا جميعاً أن نكون واثقين أن هذه الآلاف عبرت دون أدنى شك عن موقفها من الغارة الإسرائيلية على سوريا عبر صيحات التكبير التي دوت وضجت بها سماءات المدن السورية ،، ليس غضباً وإحتجاجاً وانما فرحاً وإبتهاجاً وغبطةً وترحيباً بإنضمام الحليف غير المعلن ليتقدم صفوفهم فيما كان سابقاً يقدم لهم الدعم في السر والخفاء … .


وأما عن الغارة الإسرائيلية فالواضح أنها قد تمت بالتنسيق مع الحليف الأمريكي وبضوءٍ أخضر منه ، سيما إن نحن لاحظنا زيارة رئيس جهاز الإستخبارات العسكرية لكيان العدو للولايات المتحدة وكذا زيارة مستشار نتنياهو للأمن القومي يعقوب عاميدرور إلى واشنطن " للتشاور " ، لنا أن نلاحظ أيضاً التصريحات العدائية التي تصدرت عناوين الصحف الإسرائيلية على مدار الأسبوعين الماضيين بدءًا من تهديدات نتنياهو بالتدخل العسكري في سوريا " لضمان أمن الأسلحة الكميائية السورية " ،  التهديد الذي تلاه تهديد يائير غولان قائد منطقة الشمال بالتدخل المباشر في سوريا وإحتلال مناطق منها إن لزم الأمر .  ما أريد أن أؤكد عليه اليوم أن كل المؤشرات تشي بأن حالة قصوى من الإستنفار تسود مراكز الأبحاث وقيادات أجهزة المخابرات في أكثر من عاصمة غربية وأعرابية الكل يترقب الآن ردة الفعل السورية على الإعتداء ،  الرد السوري لا بد آتٍ ،، وهذه المرة تحديداً سوف يكون فعلاً  " في الزمان والمكان المناسبين " ...

أيها الأحبة يا من شعرتم كما أنا بحالة الصدمة والحيرة والغضب وفورة الدماء وثورة المشاعر والعواطف و هيجان القلب وعصف الروح  ، لن أدخل في آخر الكلام  في تحليل ومناقشة الآراء التي تصدت لطبيعة الغارة وتداعياتها المحتملة ولن أحاول الإجابة على تساؤلات سوف تجيب عنها الأيام والاسابيع القادمة ،، من نصب الفخ لمن ؟ وما هي طبيعة الرسائل ؟  ولمن ارسلت ؟؟ لكنني حريص على قول كلمة أخيرة أوجهها لكم إذ أقول .. لا تطلبوا من الجيش السوري أن ينجرف في دوامة العاطفة والإنفعال ويسارع للإنتقام والثأر للكرامة السورية المهدورة والشرف السوري المستباح والسيادة السورية المنتهكة ،، فليس أسهل من إطلاق شرارة الحروب وليس أصعب من إخماد نيرانها وانهائها ، والوطن الجريح المكلوم هو في غنًى عن المزيد من الجراح ، وليس وضع الوطن السوري مهيئاً وجاهزاً لهكذا خيارات تجلب للوطن وأهله كوارث إضافية فوق الكارثة التي يعيشها ويعاني من تبعاتها أهله  ، وليكن واثقاً تماماً  من  بتهجم على القيادة السورية و يدعو جيش الوطن إلى أخذ زمام المبادرة ورد الصاع صاعين أنه لا يخدم الوطن في شيء بل يخدم من حيث لا يريد أعداء الوطن ،، لتبقى ثقتنا بالجيش وقيادته كما عهدها ،، و لنعلم  أن حساباتهم تختلف عن حسابات عامة الشعب وأن هناك تحالفات تفرض عليهم التشاور والدراسة المشتركة لهكذا خطوات مصيرية ، ولنكن واثقين أيضاً أن رجالات وجنرالات هذا الجيش يعلمون ما لا نعلم ويقرؤون ما هو غير مقروء لعامة السوريين ،، وليس في هذا إنتقاصاً من قدر أحد لكن الحقيقة تقول أن أصحاب الإختصاص هم الأكثر علماً ودراية في مجال تخصصهم ، تماماً كما هو الحال في باقي مجالات الحياة ... .  .  دمتم كما سوريا ، عالية جباهكم ،، مرفوعة رؤوسكم ، مزدانة بالعز قاماتكم ، وشامخة هاماتكم .. .  
 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=25176