Logo Dampress

آخر تحديث : السبت 27 نيسان 2024   الساعة 00:47:47
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
التكتيك العسكري بين الكاستيلو والراموسة

دام برس :

كان من اللافت في موجات الهجوم المتتالية على مجمع الكليات العسكرية التنظيم الجيّد لأنساق الهجوم لعناصر المشاة والتي رافقها عدد من السيارات المفخخة واستخدام مكثف لصواريخ "فاجوت" الروسية المضادّة للدروع والتي وصلت منها شحنة كبيرة الى حوزة المجموعات المسلحة خلال الشهر الماضي.

تمكنت المجموعات المُسلّحة المنطلقة من ريف أدلب لفترة مؤقتة من الكسر الجزئي للحصار الذي فرضه الجيش السوري على أحياء حلب الشرقية بعد سلسلة من الإنتصارات التي سيطر فيها على مزارع الملاّح ومعامل الليرمون وحي بني زيد وبسط السيطرة بشكل فعال علي طريق الكاستيلو خط إمداد الوحيد المتوفّر للمجموعات المُسلّحة في هذا النطاق. سيطرت المجموعات التي تكوّنت من أكثر من 30 فصيلاً على رأسها جيش الفتح وأحرار الشام على مجمع الكليات العسكرية ومساكن 1070، وقطعت طريق الراموسة لتحقّق اتصاﻻً بين اﻷحياء الشرقية لحلب ومناطق ريف إدلب الشمالي الشرقي. على الرغم من أن هذا اإختراق شكّل نكسة للعمليات السورية الناجحة في حلب، إﻻ أنه يبقي محدوداً نظراً لضيق الممر الذي تم فتحه وصعوبة تنقّل الشاحنات عليه، وواقع إن تحقيقه كان مكلفاً جداً بالنسبة للمجموعات المُسلّحة  خصوصاً في المشاة. فما هو مستقبل العمليات العسكرية في حلب على ضوء هذه المُعطيات الجديدة وهل في الميزان العسكري هناك تطوير قريب للتقدّم المحدود للمجموعات المُسلّحة، أم أن الجيش السوري سيستعيد زمام المّبادرة ويُصحّح من بعض اﻷخطاء التي ظهرت خلال معارك الايام الماضية؟

واجه الجيش السوري في هذه المعركة مُعضلة تحدّثنا عنها في مقالة سابقة وهي "تقلّص قدرات سلاح الجو في تقديم الدعم للقوات اﻷرضية في حالات القتال المتلاحم". حدث هذا في شهر حزيران/ يونيو الماضي خلال تصدّي الجيش السوري للهجمات التي طالت مواقعه في هذا النطاق وخسر خلالها عدداً من المواقع المهمة مثل العيس وخان طومان وخلصة وريتان. قامت حينها قوات الجيش بإخلاء عدد من النقاط على تخوم بلدة الحاضر اإستراتيجية ما وفّر الفرصة لسلاح الجو بتخفيض حدة الهجوم وضرب تجمعات المسلحين بأريحية أكبر مما كان الحال عليه عندما كانت القوات ملتحمة بشكل تعجز القاذفات فيه عن تمييز القوات العدوة من الصديقة. لم تتمكّن القوات التي كانت داخل مجمع الكليات العسكرية بالراموسة "الفنية الجوية - المدفعية - التسليح" من تنفيذ هذا التكتيك فغاب دور سلاح الجو بشكل شبه تام خلال موجات الهجوم التي نفذتها المجموعات المُسلّحة والتي بلغت سبع موجات بدأت أول موجة منها في 31 تموز/ يوليو الماضي. يُضاف هذا الوضع إلى حقيقة أن سلاح الجو السوري خسر منذ مطلع هذا العام وحتى الآن قرابة اثني عشرة طائرة وثلاث مروحيات كان جزء كبير منها بسبب أعطال فنية وهو ما يؤشّر إلى صعوبات باتت تواجه سلاح الجو الذي يدخل السنة السادسة من العمليات الجوية اليومية المستمرة محملاً بمهام كبيرة تفوق طاقته العملياتية الحالية، وبرغم هذا مازال ينفّذ مهام القصف والدعم الأرضي بصورة جيّدة وهذا كان واضحاً في الغارات التي تم شنها على مجمع الكليات في حلب والتي شهدت أيضاُ في ريفها الجنوبي تحليقاً تجريبياً لطائرة من دون طيّار تابعة لحزب الله شنّت غارة على مخيم للمسلحين في خلصة استخدمت فيها قنيبلات عنقودية صينية الصنع من نوع "MZD-2".

كان من اللافت في موجات الهجوم المتتالية على مجمع الكليات العسكرية التنظيم الجيّد لأنساق الهجوم لعناصر المشاة والتي رافقها عدد من السيارات المفخخة واستخدام مكثف لصواريخ "فاجوت" الروسية المضادّة للدروع والتي وصلت منها شحنة كبيرة الى حوزة المجموعات المسلحة خلال الشهر الماضي. كانت الموجة الهجومية تتم على نسق تتقدمه سيارات مفخخة تتبعها عناصر انغماسية من اﻷيغور والأوزبك والتركستان تتميز بأسلوبها "الإنتحاري" في القتال، ثم ـليها راجمات الصواريخ ومدفعية الميدان وما يتوفّر من دبّابات ومشاة. هذا الأسلوب في الهجوم تسبّب في خسائر فادحة في صفوف المهاجمين لكنه في نفس الوقت استنزف ذخائر ومجهود القوات السورية التي كانت تقاتل فعلياً في جبهتين، الأولى شرقاً في مواجهة المجموعات المسلحة الموجودة داخل الأحياء الشرقية والجنوبية الشرقية وعلى رأسها فيلق الشام وعدة فصائل تتبع "الجيش الحر"، منها تجمع "فاستقم كما أمرت"، والجبهة الثانية غرباً ضدّ تشكيلات من أكثر من 30 فصيلاً بقيادة فصيلي أحرار الشام وجيش الفتح ومشاركة فصائل مهمة مثل جبهتي "فتح الشام" و"أنصار الدين" وعدة فصائل تتبع "الجيش الحر" منها "الفرقة الوسطى".

في المجمل لم تتمكّن جميع هذه الفصائل من تحقيق الهدف الرئيسي لها من هذا الهجوم وهو "فك الحصار عن الأحياء الشرقية لحلب"، ومن ثم مهاجمة الأحياء الغربية. الواضح أن الأهداف الحقيقية للفصائل المسلّحة من هذا الهجوم تضع البعد العسكري في مرتبة أقل بكثير من البعد السياسي أو حتى الدعائي. تكتيكياً كان معلوماً لدى الفصائل المسلحة داخل حلب إن فرصة إطباق الجيش السوري للحصار عليها تظل قائمة طالما ظل مجمع الكليات العسكرية بما يحتويه من ذخائر ومدفعية تحت سيطرة الجيش السوري، وبالتالي كان هجوم هذه الفصائل في هذا النطاق في الحسبان منذ فترة لكن جاء التقدم الأخير للجيش السوري في الريف الشمالي وبسط السيطرة على مزارع الملاح ومعامل الليرمون وحي بني زيد وقطع طريق الكاستيلو الإستراتيجي ليقلب حسابات هذه الفصائل ويجبرها على تأخير محاولات تقدّمها من داخل الأحياء الشرقية واعطاء الأولوية للريف الجنوبي الذي أحرزت فيه تقدماً طفيفاً خلال الأسابيع الأخيرة. الثغرة التي فتحتها الفصائل لإمداد المجموعات الموجودة داخل الأحياء الشرقية أغلقت بفعل السيطرة النيرانية للجيش السوري، وبالتالي بات التقدم الميداني للمجموعات المسلحة في هذا النطاق غير ذي قيمة تكتيكية تذكر، سياسياً كان الهدف من هذا التحرك "المكلف" هو وضع معادلة "الكاستيلو مقابل الراموسة" لدعم الموقف التركي "الحرج أساساً" خلال اللقاء بين الرئيسين التركي والروسي ولكن كما اتّضح بعد اللقاء فإن روسيا لا ترى في ما حدث أي مؤشر مُقلق لها أو لحليفها السوري. النقطة الأبرز في هذا الصدد تتعلق بالإسم الذي أطلق على عملية الهجوم على كلية المدفعية داخل مجمع الكليات العسكرية وهو"إبراهيم اليوسف" ضابط سوري سابق كان عضواً في تنظيم "الطليعة المقاتلة" المسلح  والذي نفذ عملية إرهابية داخل احدى كليات هذا المجمع "مدرسة المدفعية" أواخر سبعينات القرن الماضي، وفي هذه التسمية مغازلة واضحة للفصائل المنتمية فكرياً أو تنظيمياً للأخوان المسلمين، وقد لوحظ تواجد كبير لأعداد من المقاتلين العرب والمصريين خصوصاً ممن ينتمون لتنظيم الأخوان في مصر وفرّوا إلى تركيا بعد إزاحتهم من الحكم هناك.

بالنسبة للجيش السوري كان الخرق الذي حدث بمثابة "صدمة" ألقت بظلالها على المؤيدين والمتابعين له نظراً لعنصر المفاجأة الذي شاب العملية والشحن اإعلامي المُضاد المرافق والذي تمت مواكبته "بمبالغات" كبيرة لتطورات الميدان من جانب بعض وسائل اإعلام الموالية. شكّل الخرق أيضاً "جرس إنذار" للتنبيه من بعض الأخطاء التي شابت العمل العسكري في حلب بشكل عام، ولعل  إقالة رئيس اللجنة الأمنية في حلب اللواء أديب محمّد الدليل الأكثر وضوحاً على ذلك. في الميزان الميداني يمثل طريق الراموسة خط إمداد رئيسي للقوات الموجودة في الأحياء الغربية، لكن محدودية الخرق تجعل السيطرة على هذا الوضع ممكنة وهو ما تم بالفعل خلال اليومين الماضيين حيث تمّ التقدم في أرض الجبس غرب حلب وقطع الطريق إلى كلية المدفعية والسيطرة على عدة تلال في الراموسة  والسيطرة نارياً على المنطقة التي قطعت فيها المجموعات المسلحة طريق الراموسة وتحاول القوات في مساكن ٣٠٠٠ شماﻻً ومعمل إسمنت ومحطة المياه جنوباً تثبيت مواقعها إجهاض تحشدات المجموعات المسلحة في منطقة مساكن 1070 والتي قد تحاول توسيع تواجدها في هذه المنطقة لتهديد اﻷحياء الغربية وأكاديمية الأسد، خصوصاً وأن هذه المجموعات نفذت عدة عمليات قصف لمناطق في حي الحمدانية وأفشل الجيش السوري عدة محاولات من جانبها للتحشد في مساكن 1070 لتطوير هجومها. أيضاً بدأ تدعيم هذه القوات بعناصر النخبة من قوات حزب الله لمعالجة القصور الذي شاب عمليات القوات الرديفة للجيش السوري "اللجان الشعبية" التي كانت تخلي مناطق تواجدها عند أول اختراق من جانب المجموعات المسلحة.

النقطة اﻷهم في ما يتعلق بالعمليات في حلب تكمن في "جيش الفتح". كان هذه الفصيل رأس الحربة اﻷساسية في كل الهجمات الرئيسية في حلب وريفها خلال الشهور الماضية. ااختراقات المُتعددة السابقة التي نفذها للهدنة لم تواكب حينها بالردود المطلوبة خصوصاً من جانب سلاح الجو الروسي والسوري وهو ما سمح بتمدد الفصيل وتخزينه للذخائر بشكل ممنهج في أنحاء مختلفة من أدلب وريفها.

هذا الموضوع بدأت معالجته خلال اﻷيام اﻷخيرة حيث تشنّ القاذفات الروسية غارات يومية على مواقع ومراكز قيادة ومخزن ذخائر هذا الفصيل في إدلب وحلب وتركز بصفة أساسية على سراقب وتفتناز وخان طومان وخان العسل وهي نقاط التحشد والتجميع الرئيسية. تشارك هذه القاذفات بجانب سلاح الجو السوري في استهداف المناطق التي سيطرت عليها المجموعات المسلحة جنوب وغرب حلب وتحديداً مجمع الكليات الذي تم إفساح المجال للمدفعية والطيران لضربه بصورة مركّزة للاستفادة من واقعه الحالي الذي تحوّل إلى "مصيدة" للمجموعات الإرهابية ولتصحيح خطأ آخر ارتكبته القوات المنسحبة حين تركت به كميات كبيرة من الذخائر المتنوعة والشاحنات ومدافع الميدان على رأسها عدد من المدافع السوفياتية الثقيلة "اس٢٣" من عيار ١٨٠ مللم وهي المدافع  الاثقل عياراً في الترسانة السورية ومدافع "دى٣٠" و "ام٥٣" و"ام١٩٣٨". وهذه المعدات تقع ضمن اﻷهداف الرئيسية للعمليات الجوية السورية في المرحلة الحالية.

على المستوي الميداني تحاول المجموعات المسلحة في هذه المرحلة تنفيذ تكتيك لطالما استخدمته سابقاً في الميدان وهو "تشتيت مجهود القوات السورية"، بالتزامن مع تحركاتها في جنوب وغرب حلب أطلقت عدة هجمات فرعية شملت مطار الثعلة في السويداء ومناطق في ريف دمشق والغوطة الشرقية وحمص ونطاق الشيخ مسكين في درعا. أفشل الجيش السوري هذه الهجمات بشكل كامل وعكس بعضها أحيانا كما حدث في الغوطة الشرقية حين سيطر على بلدة حوش نصري ليقترب كثيراً من مدينة دوما إحدى أهم مدن هذه المنطقة. لم يكتف الجيش السوري بصدّ هذه الهجمات بل بدأ في استكمال هجومه الذي أطلقه منذ أيام في ريف اللاذقية الشمالي وسيطر فيه على قلعتي شلف وطوبال ثم بلدة كنسبا اإستراتيجية والتلال المحيطة بها، ليشكّل ضغطاً على المجموعات المسلحة في جنوب وغرب إدلب التي بات قاب قوسين أو أدني من الدخول إلى حدودها.

في حلب يتحرّك الجيش السوري في اتجاهين، اﻷول يحاول فيه تثبيت سيطرته على طريق الكاستيلو فسيطر على ضهرة عبد ربه، في اتجاه الثاني يتوقّع تنفيذ الجيش لعملية كبيرة الهدف منها عزل بلدات حيان ورتيان وعندان للسيطرة على خط الإمداد الذي يصل شرق حلب. أطلق الجيش أيضا هجوماً شرق حمص في اتجاه جب الجراح لكنه توقّف بعد الفشل في  إحراز أي تقدّم خلاله.

إذن معركة حلب مازالت على حالها، ساحة للتجاذبات الإقليمية ومسرح تلعب عليه كل الأطراف في الفصل قبل الأخير من الحرب في سوريا وهو فصل ربما يكون أطول بكثير مما يتخيّله البعض، لكن الأكيد أن الفصل الأخير سيكون في إدلب والتي باتت تمثل الرقم الصعب المتبقّي في حوزة المجموعات المسلّحة في سوريا والتي تحاول استجماع قواها لوقفة أخيرة ربما تضع لها موطئ قدم في تسوية سياسية حتمية قريبة في سوريا.

الميادين - محمد منصور

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz