Logo Dampress

آخر تحديث : الثلاثاء 30 نيسان 2024   الساعة 00:15:59
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
أردوغان إلى أين بعد الانتكاسات السورية؟

دام برس :

السفير - خليل حرب

رجب طيب أردوغان الذي كان يريد الصلاة في «الجامع الأموي» ويتحدث عن حلب كأنها حارة في اسطنبول، ويتناول المكونات الطائفية والعرقية السورية كأنها محميات او خصوم يجب تطهيرها، بلغ لحظة الخطر! لم يسبق أن كان اردوغان بمثل هذا الاضطراب والاستفزاز خلال السنوات الخمس من الحرب في سوريا، وعليها. وأمام ما يجري حوله، في الشمال السوري وفي الدم المسفوك في الشوارع التركية بالأمس، يتأرجح الرئيس التركي ما بين احتمالين: الجنوح إلى العقل وإعادة التموضع، أو الإقدام على خطأ أخير قاتل. محاولة المزج بين الاحتمالين لم يعد لها معنى.

ماذا ستفعل أنقرة الآن؟ فكلما انتكست أذرع اردوغان في الداخل السوري، وارتبك حكمه، كلما سال دم في الشوارع التركية. غريبة قد تبدو هذه المعادلة بالنسبة إلى كثيرين، لكن الأكثر غرابة أنه كلما كبر الخوف بين المواطنين الأتراك من المستقبل، كلما ذهب أردوغان موغلاً أكثر في الحريق السوري. «صفر مشكلات» صارت أضحوكة سياسية. النيران من حوله في كل مكان، وفي الداخل التركي. فإلى أين سيمضي من هنا؟ هذا هو على ما يبدو، السؤال الكبير.

لم تكن هذه المعادلات أكثر وضوحاً مما هو حاصل الآن. ولا حاجة للعودة إلى تاريخ الدخول الروسي العاصف قبل نحو خمسة شهور. بالأمس، رمت السلطات التركية كرة النار من بين يديها في كل الاتجاهات. قالت صراحة أن الأكراد السوريين والنظام السوري، مسؤولون عن التفجير الانتحاري الذي أوقع نحو 100 قتيل وجريح في شوارع أنقرة. ليست المرة الأولى التي ينجح فيها أردوغان في محاولة الاستفادة من تفجيرات تطال مواطنيه، لتعزيز الثقة بسياساته. فعلها من قبل في تفجيرات سوروتش والسلطان أحمد والريحانية وغيرها.

قبل التفجير الانتحاري في أنقرة بيومين، انبرى أردوغان للحديث صراحة عن عزمه تغيير «قواعد الاشتباك» في الشمال السوري، بعدما تهاوت معاقل مسلحيه في أرياف حلب. حدد مدينة اعزاز السورية كـ «خط أحمر» أخير يمنع المقاتلين السوريين الأكراد من إسقاطه. ابتلع بألم «خسارة» بلدة تل رفعت قبلها، وشاهد بعجز تقدم الجيش السوري والحلفاء (ايران و «حزب الله») في أرياف حلب.

تبلور مشهد الارتباك الأردوغاني بوضوح أكبر منذ تحرير سلمى في الريف اللاذقاني، وتوالي الانتكاسات التركية – السعودية، بتقهقر الفصائل المسلحة على محاور وجبهات عدة، في الشمال والجنوب، وآخرها بالأمس في كنسبا التي قد تفتح لاحقاً بوابات جحيم إضافية على فصائل تقاتل منذ سنوات بأموال وتسليح تركي – سعودي، في محافظة إدلب، في ظل ما جرى ويجري في أرياف حلب واللاذقية ودرعا.

إذن، بدا أن أردوغان يحاول مجدداً التلاعب بالمعادلات الحارقة ذاتها. يتيح له ذلك إما ترك هوامش أكثر رحابة له للابتزاز السياسي في ما يتعلق بمستقبل المشهد السوري، أو العمل على توسيع احتمالات التورط أكثر في النار السورية، إذا كان سيصل غداً إلى مرحلة اتخاذ القرار .. الخطر.

وفي ظل فورة التهديدات اللفظية بتدخل بري تركي – سعودي، سرعان ما بدت أنها لا تتمتع بتأييد، لا أوروبي ولا أميركي، ظهر خياران في حال قرر أردوغان التدخل برياً لمنع تحرير إعزاز، كلاهما مر. فإما التوغل العسكري التركي مباشرة نحو إعزاز من دون غطاء من سلاح الجو التركي، وهو سيجعل قواته مكشوفة في معركة خاسرة، أو ارتكاب «الخطأ» الذي يتشوق له الحلفاء الروس والسوريون، بالتجرؤ بإرسال قوات برية تركية إلى إعزاز بحماية مقاتلات جوية تركية، غالب الظن ستتولى أنظمة الـ «اس 300» و «اس 400»، تحييدها على عجل، تنفيذاً للوعيد الروسي بالانتقام لإهانة إسقاط مقاتلة «السوخوي» الروسية في أواخر تشرين الثاني الماضي.

وربما بسبب ذلك، ولإدراك القيادة العسكرية التركية صعوبة الخوض بمثل هذه المغامرة الخاسرة مباشرة، تحدثت التقارير بالأمس عن إدخال مئات المسلحين السوريين و «الجهاديين» من تركيا إلى إعزاز، وبينهم من جرى نقلهم من إدلب إلى الداخل التركي ومن هناك إلى المدينة السورية التي اقتربت منها «وحدات حماية الشعب» السورية الكردية التي اجتمع سلاحا الجو الأميركي والروسي على حمايتها من السماء.

ومنذ السبت الماضي، تقصف المدفعية التركية بوتيرة يومية مواقع يسيطر عليها المقاتلون الأكراد قرب إعزاز. وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض، إن ما لا يقل عن 500 مقاتل سوري عبروا الحدود التركية إلى إعزاز، بينما قالت مصادر لوكالة «رويترز» إن «ألفين على الأقل من المقاتلين دخلوا البلاد مرة أخرى من تركيا خلال الأسبوع الماضي»، مضيفة أن «القوات التركية سهلت نقل مقاتلي المعارضة من جبهة لأخرى على مدى عدة ليال، ورافقتهم سراً لدى خروجهم من محافظة إدلب، وسفرهم لمدة أربع ساعات داخل تركيا، ثم دخولهم سوريا مرة أخرى لدعم إعزاز».

ونقلت «رويترز» عن أبو عيسى، أحد قادة «الجبهة الشامية» التي تدير معبر باب السلامة الحدودي، «سمحوا لنا بنقل كل عتادنا، من أسلحة خفيفة إلى ثقيلة، من قذائف وراجمات صواريخ حتى الدبابات».

تفجير انقرة الانتحاري يسقط على لحظة عنوانها اقتراب استعادة الريف الشمالي لحلب، وجوهرها إعزاز. حملة «التأديب القمعي» التي يمارسها أردوغان ضد القرى الكردية في الداخل التركي، متصلة باعتقاده بخطر الكانتون الكردي الذي يحذر منه، من جرابلس إلى عفرين. إعزاز، تقع في قلب هذا الخط الكردي. وإعزاز بهذا المعنى، هي الذريعة الأخيرة، لكنها محرجة وقاتلة في الوقت ذاته، إذ أن «خطرها» بالنسبة إليه، قد يكون أكبر من «خطر» الرئيس بشار الأسد، بعدما رفع منذ خمسة أعوام شعار إسقاطه حتماً، فيما قوات الجيش السوري تتابع بمثابرة استكمال تحرير الريف الحلبي.

فماذا سيفعل أردوغان الآن؟ هل يقرر المقامرة بتحدي الروسي والسوري والايراني (بالإضافة إلى الأميركي) في معركة المصير هذه؟ كيف يمكن أن تكون الأخبار أكثر قتامة من الآن وها هي كنسبا يستعيدها الجيش؟ وهي معركة تعني بوضوح أن الرهان القديم على ريف اللاذقية المرتبط بحلفائه من الفصائل التركمانية وغيرهم، للضغط على الحاضنة الشعبية للنظام في الساحل، والذي هو بتماس مع لواء الاسكندرون والبحر المتوسط، آخذ بالتبدد رويداً رويداً في الكيلومترات الأخيرة المتبقية تحت سيطرة المسلحين.

وبذلك أصبح الجيش السوري أكثر قرباً من محافظة إدلب، إذ تبعد كنسبا عن حدودها 3 كيلومترات، وعن جسر الشغور نحو 13 كلم، وأكثر قرباً من الحدود التركية ـ السورية. وبحسب المصادر الميدانية، يكون الجيش قد سيطر على مساحة 750 كلم مربعاً منذ بدء عمليته العسكرية ويبقى 135 كلم مربعاً تقريباً أي ما يقارب 18 في المئة من مساحة الريف، يسيطر عليه المسلحون ويتواجدون في قرى أبرزها كباني، شحرورة، البيضاء، بيت جناورو، والكندة وبعض المزارع الصغيرة.

تتهاوى تمنيات أردوغان في الشمال السوري، الحاضن التاريخي بالنسبة إليه للمشروع «الاخواني» وامتداده إلى حماه وريفها. «السيادة السورية» تقترب تدريجياً نحو أحد معبري منظمة ضخ الدعم التركي إلى الخراب السوري، أي إلى «باب السلامة» في اعزاز (إلى جانب معبر باب الهوى في إدلب). وقد شاهد اردوغان من قبل خسارة معبر تل أبيض لصالح المقاتلين السوريين الأكراد.

أمام هذا القهر، قد يرتكب أردوغان «الخطأ القاتل». وفي هذه اللحظة قد يغدو أكثر تهوراً وخطراً، لا على تركيا، وإنما على مجمل المشهد الإقليمي المضطرب، خصوصاً إذا ما فتحت قريباً معركة إدلب، وتحطم «جيش الفتح»، أحد اوراق رهاناته السورية الكبرى.

الدب الروسي ماض في خياراته. تقليم أظافر أردوغان عملية متواصلة بروية وثبات. حتى جدول أعمال التسوية السلمية، يعيد الروس ترتيب بنوده بلي الذراع تارة، وتارة أخرى بالتفاهم مع الأميركيين. أردوغان ينادي الاميركيين منذ أيام «أنا حليفكم». ترد واشنطن بعبارات فضفاضة: لا خطط لغزو بري، ولا خطط لمنطقة حظر جوي، وبالأمس رفضت الخارجية الأميركية تبني الاتهام التركي الرسمي بضلوع الأكراد بالتفجير الانتحاري في أنقرة. إدارة باراك أوباما ليست بوارد إشعال حرب إقليمية شاملة في عام انتخابي.

فإلى ماذا يرمي الأتراك - والسعوديون -؟ يختصر مصدر مطلع أن تصريحات الرياض وأنقرة، بما في ذلك التلويح بعمل بري ثم التراجع عنه، تشير إلى محاولات لتحقيق مكاسب آنية محدودة، تتحايل على مسار التنسيق الروسي – الأميركي، المؤيد بما يشبه الاجماع الأوروبي، بأن أبواب الجحيم السوري، يجب أن تغلق... ولو مؤقتاً. أما الاندفاعة الروسية السورية الايرانية، فإنها، كما تشهد ميادين الجبهات السورية الواسعة، تتولى إسقاط الأهداف التركية المرفوعة منذ خمسة أعوام، تباعاً.

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz