دام برس :

مرة أخرى، تعود الإدارة الأمريكية إلى استخدام "خطر إيران" كواحدة من مفردات ترويج صناعتها العسكرية في دول الخليج التي تنساق وراء النظريات الأمريكية وفق غريزة القطيع، فالأسر الخليجية الخائفة من انهيار حكمها، ملزمة بالموافقة على نشر الدرع الصاروخية، ولايستبعد أن تكون قمة "كامب ديفيد" التي سيلتقي فيها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بالقادة الخليجيين لترقيع الخزينة الأمريكية بمليارات تحتاجها إدارة أوباما في الوقت الحالي من خلال دفع تكاليف الدرع الصاروخية وفق صفقات عسكرية ضخمة.

على أبواب الحرب التي من الممكن أن تعصف بالمنطقة جملة من المتحولات الخطيرة، فالعراق يواجه خطر التقسيم بقرار أمريكي، في حين أن الممكلة السعودية التي تعصف بها التغيرات الملكية تواجه خطر سقوط المناطق الجنوبية بيد القبائل اليمنية، وعدن باتت تحت سيطرة الجيش اليمني المسنود من اللجان الشعبية، وبالتالي فإن الأنباء التي تتحدث عن سيطرة أنصار الله على مضيق باب المندب باتت شبه مؤكدة، ولذا يحاول جون كيري في جولته الإفريقية أن يعمل على تحضير الجهة الغربية من شواطئ مضيق باب المندب ليكون قابلا لتوسيع النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في الباب الجنوبي للبحر الأحمر، وفي ذات الوقت، يحارب الروس للحفاظ على مكتسبات الدونباس في الملف الاوكراني، ولإيران مساعيها نحو الاتفاق النهائي للملف النووي، وضمن هذه الأجواء.. تحضر الفوضى اللازمة لتنفيذ الشرق الأوسط الأكبر.

في زاوية مهمة من قمة كامب ديفيد التي سيعقدها أوباما مع القادة الخليجيين سيحضر ملف الاقتصاديات التي تعمل أمريكا على الخروج من خلالها من الازمة الاقتصادية التي تواجهها بعيداً عن وسائل الإعلام، فالواقع يشير إلى أن الدرع الصاروخية التي سيعمل أوباما على طرح مشروعها تحت التأثر الكبير للخليجيين بما تسميه الحكومة الأمريكية "الخطر الإيراني" ولتسخين المنطقة أكثر بما يلائم توقيع الخليجيين على صفقة الدرع الصاروخية، يقول كيري أنه لايستبعد هجوما إسرائيليا على إيران، بالتالي، سيكون الخليجيين أمام مخاوف كبرى من الرد الإيراني بكون هذه الدول تستضيف قواعد أمريكية عسكرية أساسية في المعركة التي ستدور في الشرق الأوسط إذا ما تورطت إسرائيل بالهجوم على إيران.

وعلى ذلك كان لابد من توجيه الرأي العام داخل الدول الخليجية ضد طهران أكثر، فكان ملف "البطيخ المسمم" الذي افترضته وسائل الإعلام الخليجية، فاللعب بوتر الغذاء وسلامته، أكثر ما قد يثير الرأي العام ضد إيران بما يلائم التوجهات الأمريكية، وعلى ذلك سيكون من الطبيعي والسهل بالنسبة لهذه الكيانات أن تعلن دخولها الحرب إلى جانب إسرائيل ضد إيران، بكون إيران خطر على العرب.. وعلى ذلك يعود الخليجيون لاختلاق بطل يدافع عن بوابة العالم العربي الشرقي.

وعلى طاولة كامب ديفيد أيضاً، سيضع الرئيس الأمريكي صفقات أسلحة كبرى أمام الخليجيين في لمواجهة الخطر الإيراني، فالجنوب اليمني مهدد بالسقوط، وعلى ذلك، سيكون أمام محمد بن سلمان الذي ورط المملكة بالحرب على اليمن، أن يقف إلى جانب الرأي الأمريكي بقوة، وسينقذ الحكومة الأمريكية بصفقة كبرى، فواشنطن هي الضامن الوحيد لتوريط عدد من الدول في الحرب على اليمن من خلال عملية برّية، ولعل السنغال أولى المعلنين الجدد عن هذا التورط، ولكن كيف تقرأ روسيا الموقف الجديد..؟

نشر الدرع الصاروخية في الجزيرة العربية، سيكون تهديد مباشر لحلفاء روسيا في المنطقة، لاسيما سوريا وإيران، وعلى ذلك، لابد من الحديث عن المزيد من الحراك الروسي المعني بالحفاظ على المصالحة الاستراتيجية للحكومة الروسية في المياه الدافئة، وجنوب الكرة الأرضية، وعلى ذلك، سيكون أمام الروس خيار رفع مستوى الدعم العسكري والسياسي لكل من إيران وسوريا بالتوقيت نفسه، مع تفعيل التشارك مع الحكومة العراقية في محاربة داعش، ومن ثم تفعيل العلاقات الاقتصادية بشكل أكبر للخروج بالعراق من الملفات التي تورطت بها الحكومة العراقية، وسيكون أمام الروس أن يكونوا في مواجهة أي قرار يمكن أن يمرر لجهة تقسيم العراق لأن في ذلك نفوذا أمريكيا متزايداً غير مرحب به، وبالنظر إلى الشرق الأوسط ومستجداته، يمكن القول أن الخليجيين دخلوا فعلا في زمن التخبط والذهاب نحو استنزاف قدرات الدول الخليجية اقتصاديا في سبيل الحفاظ على شكل الدول الحالية، وعلى أسرها الحاكمة.. فكامب ديفيد وفق التصوير الأمريكي للخلجيين.. الورقة الأخيرة لبقائهم.

عربي برس - محمود عبد اللطيف