دام برس :

كتب رأفت حرب في سلاب نيوز .. كنا قد أشرنا سابقًا الى أنّ الهدف النهائي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط يتمثل بتحويل الشعب العربي المسلم إلى كيان متطرف، على نسق مجموعات إرهابية متنقلة، تمهيدًا لجرّ الجيش الإيراني الضخم إلى حرب كبيرة يُستنزف فيها من جهة، ويدمر المنطقة من جهة أخرى لتصبح من جديد عرضة للنهب الكامل والسيطرة بكل أشكالها من قبل الولايات المتحدة وشركائها الدوليين.
المشروع إذًا يقوم على هذا العنصر المتطرف الذي يحقق دمار المنطقة من جهة، ويمتلك من الخلفية الثقافية والعقائدية ما يشجعه على الدخول في قتال مع الجيش الإيراني وأي جهة تخالفه الرأي الفقهي في الشرع الإسلامي.
باختصار كانت بداية التهديد الفعلي للسلام في المنطقة انطلقت من العراق، حيث يمثل هذا البلد الأرض الخصبة لبداية صراعٍ طائفي يكون شرارة الفتنة التي تحقق مشروع الدمار الكبير. هناك تم إسقاط نظام صدام ليظهر الشيعي الفَرِحْ بسقوط دكتاتور أمعن قتلًا واضطهادًا كعنصر مستفز للسنّة في العراق.
منذ دخول الجيش الأمريكي إلى العراق بدأ الإرهاب يشق طريقه، لينضوي اليوم تحت اسم "داعش"، من متطرفين أصوليين ورموز من النظام البعثي السابق طامحين لاسترجاع الأمجاد.
فيما لو قمنا بإحصاء ما قام به هذا الكيان الإرهابي في فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، سنجد أنّ العمليات التي نفذها ضد مدنيين من طوائف أخرى وضد مدنيين من الطائفة السنية وضد أئمة مساجد شيعة وسنّة أكثر بكثير مما قام به ضد القوات العسكرية الأمريكية.
في ذلك كان يهدف الأمريكي إلى أمرين. هو يعلم أنّ موعد رحيل قواته العسكرية الضخمة من العراق سيحين عاجلًا أم آجلًا، فغذّى هؤلاء المتطرفين كي يضمن إمّا بدء القتال بشكل موسّع بين السنة والشيعة في العراق، وإمّا تدخل الجيش الإيراني بريًّا مما يشكل هدية رائعة للولايات المتحدة لبدء التحريض وجعل كل المسلمين في العالم العربي من الطائفة السنية يتعاطفون مع "داعش" وينضوون تحت رايتها.
إلا أنّ ما حصل اليوم يؤكد وعي القيادة السياسية والعسكرية للجمهورية الإسلامية في إيران، فهي مع اقتراب الإرهابيين من المراقد المقدسة في سامرّاء لم تبادر للدخول عسكريًا بشكلٍ مباشر، وإنّما أرسلت أحد أبرز قادتها العسكريين الجنرال قاسم سليماني ليبدأ مع الجيش والشعب العراقي معركة تحرير العراق بأسرع وقت من فلول النظام السابق والمتطرفين، عراقيين كانوا أم غرباء.
في المقابل، وسط بشاعة صورة "داعش" أمام الرأي العام العالمي، قامت الولايات المتحدة مع شركائها الغربيين بما يشبه التحفيز لـ"داعش" وليس ضربها. مع مرور الوقت يشعر الجميع أنّه ليس هناك من قرار دولي بضرب داعش، نظرًا لمحدودية الضربات الجوية التي ينفذها التحالف على مواقع الإرهابيين. إنّ إنشاء هذا التحالف كان هدفه المزيد من الإحباط لكل من يعارض فكر الإرهابيين في المنطقة وليس العكس، حين يشعر الجميع أنّ تحالفًا ضم أقوى دول العالم عجز عن كسر شوكة التنظيم الإرهابي، مما سيرتد إيجابيًا على هذا التنظيم لاستقطاب المزيد من الشباب المتحمس تحت عناوين كثيرة.
ما يقوم به الحشد الشعبي العراقي والقوات العسكرية للجيش والشرطة الآن هو الأهم. إذا ما نجحت تلك القوى بخنق الكيان الإرهابي في العراق سيكون المشروع الأمريكي للمنطقة قد تلقى ضربة قاسية أقل ما يكون من نتيجة لها هو تأجيل الكارثة على المنطقة لعشرات السنين.
العراقيون اليوم أمام نموذجين، الأول هو التحالف الجوي الذي لا يؤثر فعليًا بضرباته على بنية الإرهابيين بل يزيدهم تصميمًا وشعورًا بالقوة طالما أنّ كل ذلك الحشد الجوي لا يفلح بتغيير شيء على الأرض، والنموذج الثاني هو الحرب البرية التي يقودها أبناء العراق بكل طوائفهم وقومياتهم لإزالة الإرهابيين عن تراب العراق.
النتائج الإيجابية على الأرض ووصول القتال اليوم إلى تكريت يعطي الكثير من الأمل أنّ الأمور تسير على الشكل الصحيح، وأنّ العراق وإيران سيسددان ضربة عظيمة للمشروع الأمريكي والتطرفي في المنطقة فيما لو استمرت العمليات حتى تحرير الموصل والأنبار.
إنهاء الكيان الإرهابي في العراق سيكون له انعكاسته الكبيرة على سوريا، وسيكسر شوكة المراهنين على الفتنة، وسيدفع كثيرًا باتجاه طويِ صفحة مأساوية من تاريخ هذه المنطقة، صفحة عرفنا فيها كل أساليب القتل الوحشي، من الذبح والصلب إلى التفجيرات والإغتصاب.