دام برس – بلال سليطين :

في تشرين الأول من عام 2012 كانت مدينة "حارم" على الحدود السورية التركية تقاوم المجموعات المسلحة التي هاجمت البلدة وفرضت حصاراً عليها دام قرابة شهر قبل أن يضطر الأهالي ومعهم آلاف الوافدين للنزوح إلى تركيا وبعضهم عاد منها إلى سورية فيما ظل البقية فيها ومنهم من سافر إلى أوروبا.

مع سيطرة جيش الفتح الذي تقوده جبهة النصرة "تنظيم القاعدة" على محافظة إدلب واعتقال الآلاف من المحافظة بدأت "حارم" تعود للتداول بين أوساط السوريين من خلال سجنها الذي تحول إلى معتقل حشر فيه مئات السوريين الذين يعانون أشد أنواع التعذيب الجسدي والفكري.

السجن الواقع على مقربة من الحدود السورية التركية يقبع في منطقة محصنة جداً وبعيدة عن المعارك والاشتباكات تسيطر جبهة النصرة سيطرة مطلقة، ويشرف عليه سجانوها الذين يصعب التواصل معهم بحكم عدم تحدثهم للعربية، ويحكم فيه قضاتها الشرعيون الذين لايعترفون بالقوانين الدولية المتعارف عليها في المحاكمات والسجون.

ناجية من السجن تشرح لدام برس واقع السجناء بعد أن أمضت معهم قرابة ثلاثة أشهر من الزمن قبل أن يطلق سراحها، السيدة اعتقلت عندما سيطر المسلحون على مدينة جسر الشغور وتم نقلها إلى سجن حارم الذي بقيت فيه لأكثر من شهر دون أن يتم توجيه أي سؤال لها، تقول:كانوا في صبيحة كل يوم يقولون لي حضري رقبتك سيتم حزها اليوم، ويوجهون لي الاتهامات بالكفر والضلال ...إلخ.

في السجن يوجد مقاتلون من ميليشيا الجيش الحر وحركة "حزم" وكذلك مدنيون وعسكريون من الجيش العربي السوري، وقد تم فصلهم عن بعضهم وفق معايير وضعها السجانون، ومن ثم تم تقسيمهم طائفياً، فسجناء كل طائفة لهم عنبر خاص بهم مع تفريقهم (نساء وذكور)، ويمنع التواصل بين السجناء نهائيا، فإذا شاهدوا سجيناً من طائفة يحادث آخر من غير طائفته يتم جلدهما على الفور، وقد جلدت امرأتان من جسر الشغور لهذا السبب ما سبب خوفاً لدى الجميع وباتوا لا يجرؤون على مخاطبة بعضهم البعض رغم أنهم كانوا جيران لعقود طويلة مضت.

التعذيب لا يقتصر على أحد فما أن يحل الليل حتى تتعالى الأصوات في السجن تقول السيدة الأربعينية، وتضيف:تختلط الأصوات بين النساء والرجال فكلهم يصرخون ألماً.

في أول جلسة تحقيق مع القاضي قال لها سأحكمك بالإعدام، تقول إن القاضي الذي يكون ملثماً وَجّهَ لها اتهامات بالكفر والضلال والخروج عن شرع الله، ورفض الاستماع لدفاعها عن نفسها وإنما كان في كل الوقت يعنفها لفظياً ويقوم بتهديدها ووعيدها.

عاشت السيدة أياماً من الهلع والخوف وهي تنتظر كل يوم أن يأتي دورها في الإعدام، تشرح حالها بالقول: بعد جلسة التحقيق بأيام سمعنا إطلاق رصاص في باحة السجن لبضع دقائق، ومن ثم نادوني وبعض النساء فخرجنا لنجد جثث بعض السجناء وقد أعدموا رمياً بالرصاص ظننت أنه جاء دوري قبل أن يأمرونا بتنظيف الدماء عن الأرض حينها عادت الحياة لي من جديد رغم حزني على الشهداء الذين رأيتهم، وبعضهم كانوا موظفين معي في نفس الدائرة الحكومية، لكن الرعب ظل قائماً فحالات الإعدام شبه يومية وكذلك الاعتقالات ما يبقي السجن مكتظاً بمعتقليه، حتى المنفردة يسجن فيها أكثر من شخص.

تعذيب النساء أقل نسبياً من الرجال، وهو تعذيب منهجي وانتقامي في كثير من الأحيان كما أن الاعتقال كثيراً ما يأخذ صفة الثأر والانتقام، وعلى سبيل المثال مقاتل من جيش الفتح قبل الحرب كان قد اختلف مع جاره في إدلب، فور دخول المقاتل للمدينة يعتقل جاره لأن هناك ثأراً بينهما وقد يتعرض للإعدام إذا لم يكن لديه علاقات مع الجبهة أو المحكمة الشرعية حتى يتم إخراجه، وهناك مئات الحالات الانتقامية من هذا النوع في السجن بعضهم أساتذة وضعوا علامات متدنية للمقاتلين عندما كانوا في المدرسة قبل عشر سنوات، هؤلاء تم الانتقام منهم بأن اعتقلوا فقط لهذا السبب.

أسباب الاعتقال متنوعة جدا بعض المعتقلين زوّج ابنته لجندي في الجيش السوري وبعضهم ابنه عسكري، وهناك أطباء وممرضون من مستشفيات إدلب والجسر لم ينشقوا عن الدولة، وكذلك نساء معتقلات مع أطفالهن وأزواجهن الذين يتم فصلهم عنهن ويمنع اللقاء سوى رؤية من بعيد أثناء الخروج للتنفس مثلاً، إلى جانب عائلات كاملة تم وضعها في السجن الذي يشرف عليه "أبو مصعب العراقي" وقد تزوج إحدى السجينات مقابل إطلاق سراح أفراد عائلتها.

"العراقي" وهو صاحب الأمر والطاعة في سجن حارم واحد من قلة صادفهم السجناء يتحدثون اللغة العربية فمعظمهم لا يتقنونها، وتقول السيدة إنهم كانوا يعانون صعوبة التواصل معهم ويستخدمون الإشارة في كثير من الأحيان، علماً أنه في السجن لا يوجد سجانات للنساء فالذكور يشرفون على الجنسين، وهي معاناة أخرى تضاف إلى كم العناء في السجن.

في يوميات السجناء يوكل السجان لهم وظائف بحفظ القرآن الكريم ومن لا يتمكن من الحفظ تنتظره العقوبة، وهو ما تستهجنه السيدة قائلة كيف سأحفظ وأنا خائفة وجائعة، وجبتان من الطعام كنا نأكل في اليوم هما عبارة عن بندورة وبطاطا وخبز، لقد خسر وزني أكثر من 12 كغ خلال فترة سجن استمرت ثلاثة أشهر.

السيدة خرجت من السجن بعد أن استطاع ولدها التوسط لها وحصل لها على قرار من المحكمة الشرعية بإطلاق سراحها تقول معلقة:«يبدو أن العفو شملني على جريمة لم أرتكبها، وقعت على تعهد لم أقرأ مضمونه وخرجت».

تؤكد السيدة أن عدد المعتقلين فاق الألف وبينهم عجزة ومقعدمن ومرضى لا يحصلون على العلاج وتتفاقم حالتهم تدريجيا، وتشير إلى أنه من النادر خروج معتقل من هذا السجن فأغلبهم يموتون في الداخل ولا أحد يجرؤ على فعل شيء، من لديه بعض النفوذ لدى النصرة ينجوا والبقية يتم سحقهم، وقد بات الناس يتذمرون من وضع هذا السجن لكنهم لا يقدرون على مقارعة النصرة التي لا أسهل عندها من حكم الإعدام، لذلك أسموه "سجن الرعب".

الصورة من الأرشيف