دام برس - خاص – بلال سليطين :

خرج أمجد من الرقة يوم السبت الماضي واتجه إلى حماه بعد معاناة طويلة مع تنظيم داعش الذي يسيطر على المحافظة ويفرض حصاراً على أهلها الذين يخضعون لقوانينه ويمنع عليهم العيش بحرية والتنقل خارج المحافظة إلا بموافقة من التنظيم الذي لايعرف الرحمة.

يقول الرجل الذي لم يتجاوز الأربعين من العمر إن ظروف الحياة في المحافظة الواقعة شرق سورية لم تعد تطاق، فالتنظيم يسيطر على كل المفاصل، والناس محكومون بالأمر الواقع ولاقدرة لهم على فعل شيء سوى النوم والحلم بمستقبل أفضل لاتقض مضاجعه أحكام التنظيم الجائرة ونيران الحرب التي تلتهم كل شيء.

رب الأسرة المكونة من أربعة أفراد كان ممنوعاً عليه وعلى عشرات الآلاف ممن يقيمون في الرقة الخروج منها ومازال المنع قائماً لكنه مشروط، فلكي تغادر عليك أن تحصل على موافقة من التنظيم الإرهابي الذي وضع شروطاً قاسية للحصول عليها، وهي موافقة سفر محدودة المدة إذا انتهت ولم يعد الشخص فإنه سيخسر منزله الذي يصبح ملكاً لعنصر من التنظيم.

سفر العائلات ممنوع. فقط الأفراد يحق لهم ذلك، بينما النساء يحتاجون محرماً، ومن تبقى من شبان في الرقة لايمكنهم المغادرة إلا في حالات نادرة واستثنائية، خصوصاً وأن أغلبهم كان قد ترك الرقة قبل فرض هذا الحصار والقوانين الجديدة قبل أشهر، بعضهم يعيش في مناطق سيطرة الدولة والأغلبية الساحقة هاجروا خارج البلاد كلها خصوصاً عبر تركيا حيث يوجد مهربون يساعدونهم على الخروج عبر معابر غير شرعية بتكلفة 500 ليرة تركية للشخص قرابة خمسين ألف ليرة سورية.

التنظيم الذي يمنع نقل أثاث المنزل أيضاً، يسمح فقط بالتنقل باتجاه دير الزور والموصل والمناطق التي يسيطر عليها التنظيم سواء في العراق وسوريا، حتى المرضى محكوم عليهم الحركة ضمن هذه المنطقة من أجل العلاج، باستثناء مرضى السرطان فهؤلاء يسمح لهم بالخروج بعد أن يراجعوا طبيباً مصرياً هو المسؤول عن هذا الشأن، وهو صاحب القرار الفصل في الأمر.

هذا الواقع يرافقه انقطاع في الاتصالات، وسيطرة مطلقة لداعش على خدمة الإنترنت، حيث أنه منع أهالي المدينة قبل أشهر من استخدام الإنترنت إلا في المقاهي التابعة للتنظيم ووضع شروطاً من أجل ذلك لايمكن تجاوزها، ماجعل عملية التواصل مع المقيمين في الرقة بأدنى مستوياتها بين الداخل والخارج وباتت أخبارها نادرة جداً باستثناء ما يتسرب من هنا أو هناك أو مايريد له التنظيم أن يمرر من أخبار.

وفقاً للاحصائيات فإن معدل الرحلات من الرقة إلى دمشق وبالعكس إنخفض بنسبة 80% خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كما أن عدد السكان الأصليين بات أقل من النصف، يقول أمجد لدام برس:أغلب الباقين في الرقة هم من الفقراء الذين لامكان لهم يذهبون إليه، ولا ابناً أو قريباً خارج البلاد يرسل هلم حوالات يعيشون منها، وبالتالي هم مضطرون على البقاء في الرقة، وهناك من بقي لحماية بيته وممتلكاته فهناك الكثير من الأسر بقي منها شخص واحد في الرقة يسكن البيت لكي لايأخذه داعش، وباقي أفراد الأسرة يعيشون خارج المحافظة ويمارسون حياتهم بعيداً عن الواقع الأسود هناك، وقد بات أهلنا يقولون "الخارج من الرقة مولود والداخل مفقود".

احداثيات التنظيم على الأرض تغيرت كثيراً في الأيام الماضية بعد أن اشتدت الغارات على الرقة يقول "أمجد" ويضيف:في السابق كانوا يتحركون بحريتهم المطلقة وبسياراتهم ضمن المدينة، لكن مؤخراً انقلبت الوقائع على الأرض وبات حضور التنظيم العلني في المدينة بدرجة أقل وهو يقتصر على دوريات من بضعة أفراد، بينما دمر الطيران معظم مقراتهم في الداخل وقد نقلوها إلى أطرف المدينة، حتى الحواجز باتت تعتمد على عدد قليل من المقاتلين وتتنقل بسرعة دون أن تثبت في منطقة واحدة حتى لا تستهدف خصوصا بعد تدمير مايعرف باسم حاجز المقص ثلاث مرات من قبل الطيران.

في الرقة يوجد مقاتلين مع التنظيم من جنسيات مختلفة، كان العراقيون هم الأكثر عدداً والأسوأ سلوكاً، لكن أعدادهم تراجعت في الشهرين الماضيين بعدما عادوا مع عائلاتهم إلى العراق، لكن باقي الجنسيات لم يغادروا وكثير منهم يسكنون ضمن المدينة وفي أبنية يعيش فيها مدنيون فهم يعتبرون ذلك حماية لهم من القصف.

"أمجد" قال إن الخزان البشري للتنظيم في قريتي الكرامة وحزيمة حيث يوجد فيهما مراكز التدريب، كما أن "داعش" يعتمد على أشبال الخلافة الذين شبههم بالجيش الإنكشاري للعثمانيين، حيث لايعلم الأطفال من هم أهاليهم ولا ماهي الحياة، فقط يعرفون السلاح والعبوة الناسفة والجهاد .. إلخ، فلا علم ولا تعليم إلا في هذا الإطار.

ابن الرقة الذي طلب منا تسميته "أمجد" بدل اسمه الحقيقي لأنه عائد بعد أيام، أكد أنه لايرغب بالعودة لكن عائلته هناك وقد اشترطوا عليه العودة بعد عشرة أيام وإذا لم يعد ستدفع العائلة الثمن، وقال إن ريف الرقة غير متشدد رغم وجود داعش في بيئته حاليا، فأهله ماكانوا يوماً تابعين لرجل دين وكانت ومازالت السلطة بأغلبها لرجال العشائر الذين لايقدرون على مواجهة التنظيم وإنما يتماشون معه حالياً، خصوصاً وأن من اصطدموا معه تعرضوا لبطش شديد وذبحوا وقتلوا ونكل بهم وبعوائلهم.

الواقع المعيشي في المحافظة الزراعية مقبول نسبياً فالأسعار ليست مرتفعة باستثناء بعض المواد كالسكر، بينما الحاجيات متوفرة بأسعار مناسبة رغم أن مصادر الدخل باتت ضعيفة جداً والتنظيم يأخذ من المزارعين 20% من المحصول، وكل من يخالف يقام عليه الحد فوراً.

لم يفقد أهل الرقة بعد الأمل بغد أفضل، وهم مازالوا ينتظرون اليوم الذي سيستيقظون فيه ولايرون أثراً لداعش في كل المنطقة يقول "أمجد" ويختم حديثه بدمعة حزن على محافظته التي يحب.