دام برس - قصي المحمد:

برعاية السيدة الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية أقيم حفلاً تأبينياً تخليداً لذكرى وفاة "شهيداً من شهداء العلم" الأستاذ الدكتور عبد الله واثق شهيد، وذلك في مكتبة الأسد الوطنية ، عبد الله واثق من مواليد حلب 1927 باحث سوري وفيزيائي ومؤسس وزارة التعليم العالي في سورية عام 1966 وبذلك هو أول وزير تعليم عالي في سورية، وأول مدير لمركز البحوث والدراسات العلمية في سورية، واحداً من رجال العلم وصروحه التي تشهد له أعماله بذلك حيث ألف العديد من الكتب (( الفيزياء الحديثة والفيزياء النظرية والميكانيك الفيزيائي والترموديناميك ))، كان مستشاراً أول للرئيس الراحل حافظ أسد، وعضو مجمع اللغة العربية وشغل العديد من المناصب الأخرى ..

كلمة راعي الحفل السيدة الدكتورة "نجاح العطار"، يلقيها السيد وزير التعليم العالي الدكتور محمد عامر مارديني حيث بيّن خلالها علاقته بالمرحوم، وقال: " إنّ  لأسمه وقع مختلف عن بقية الأسماء  .. اسم يمتلك من الهيبة ما يلمح إلى شخصية متميزة ... إنّنا عندما نقرأ السيرة الذاتية للدكتور واثق شهيد، نجد أنهُ علامة متميزة منذ أن نشأ وترعرع  في قريته الصغيرة دارة  عزة ، إلى أن أعتلى منابر العلم والمعرفة في المغترب،  ليصبح أستاذاً جامعياً فوزيراً للتعليم العالي فمديراً لمركز البحوث العلمية.

وتبع الوزير مبيناً : من الفخر لي أن أكون خليفة لهذا الشخص العظيم وزيراً للتعليم العالي ، كان الدكتور عبدالله واثق شهيد منارة لسورية وهو شخصية لن تتكرر ونتمن أن نتعلم منه التواضع والبحث العلمي .

وتابع الحديث مؤكداً على الشخصية الفذّة الشخصية الوطنية المتميزة، بالإضافة إلى أخلاقه وإخلاصه وولائه للوطن والتزامه بالواجب، وختم الحديث بأبيات من الشعر للشاعر جاسم الصحيح.

كلمة الدكتور" مروان المحاسني" رئيس مجمع اللغة العربية:  في هذه الأيام الحالكة التي تواجهنا فيها أعاصيرُ في قلبها نار، وتتراكسُ علينا فيها المصائب، يجمعنا اليوم قصدٌ نبيل، بل واجب وطني، هو استذكار مزايا وأعمال أخٍ عزيز، وهو فقيدنا الكبير الدكتور عبد الله واثق شهيد رحمه الله ... لست في صدد تأبينه مُهْتَبِلاً ما يعتبره البعض فرصةً تُستغل للإطراء والتقريظ، بل إني أعتمد مساراً فكرياً نزيهاً، يحاول إبراز ما يجب توضيحه من مآثر وعطاءات تستحق تسليط الأضواء عليها بكل أمانة، خدمةً للحقيقة، ووصولاً إلى صورة مضيئة نَودّ أن يحفظها مجتمعُنا... وتابع الحديث بالقول:

" لن أنسى أنني سمعت من الأمين العام في تلك المقابلة ما تنشرح له الصدور، فقد بسط أمامي نظرةً مستقبلية رائعة لمجلسٍ يجمع علماء البلاد، للمباشرة بإجراء بحوثٍ علمية أصيلة تخدم متطلبات تنمية بلادنا، وعلى رأسها مشروع السد العالي وما يترتب على إنشائه من تأثيرات في حياة البشر والمخلوقات، وفي الحياة الاجتماعية في مجالات السكن والغذاء".

وأاف المحاسني : "كان للفقيد لما بذله من جهود استمدها من خلفيته الثقافية العلمية العالية - متأثراً بأساتذته الكبار في الجامعة، ومرتكزاً إلى اتصالاته العلمية المرتبطة بتحضير الدكتوراه في العلوم الفيزيائية في جامعة باريس عام 1957، إذ كانت أطروحته للدكتوراه عن المُسرّعات الخطية التي تسمح بدراسة تركيب قلب المادة، أي بنيان المادة في أعمق أغوارها – وكان كذلك لما تميَّز به عملُه في تأسيس وزارة التعليم العالي، أن كُلّف إنشاءَ مركزٍ للدراسات والبحوث العلمية عام 1971، وهو المركز الذي احتضن أرفع أنواع البحوث العلمية في فروع العلم المختلفة، وذلك بالتعاون مع الموفدين الذين عادوا من أوربا وأمريكا حاملين لأعلى الشهادات العلمية".

 "لقد كان الدكتور شهيد واحداً من جيلنا، ذلك الجيل الذي لم يحُل انفتاحه على الغرب دون تمسكه بأصالته واعتزازه بتراثه المجيد، في مسار نهضوي متميز يحدد الوسائل و يَرُوْزُ الصعوبات قبل الانطلاق في العمل".

 "ولقد ضمّ الدكتور شهيد جهوده إلى جهود زملائه في مجمع اللغة العربية في خطة تحديثية للغة تتساوق مع الإيقاع المتسارع لعمليات يفرضها الوعي المجتمعي الراغب في إعادة لغتنا إلى موقعها العالمي".

  وكان يهدف دائماً إلى رفع مكانة البلد بالقول: "فإن مسعانا إلى الارتقاء ببلادنا إلى مصاف الدول الراقية لن يبلغ منتهاه إلا بعد أن نصل إلى تطابق حقيقي بين لغتنا وبين اللغات العالمية، في حسن التعبير ودقة المعاني. نحن نصبو إلى لغة عالية تحمل علوماً دقيقة واضحةَ المفردات سليمةَ التركيب، تعتمد المخزون الثقافي واللغوي الذي تنفرد به لغتنا".

كلمة جامعة دمشق ألقاها الدكتور " محمد حسان الكردي" بدأ فيها بالإشادة بدور الراحل عبد الله شهيد حيث قال:" كان الدكتور واثق شهيد من أبرز أعلام سورية ، فقد سعى الفقيد لتكريس روح العمل الجماعي المبني على أسس علمية مؤسساتية ، وتبوء المكانة العلمية السلمية أستاذاً وباحثاً جامعياً فذاً لأفنى عمره في التحصيل والبحث ومتابعة كل جديد في مختلف ميادين العلوم".

وتابع الحديث: " إن مشاركة جامعة دمشق بحفل التأبين تقدم صورة من صور الوفاء لأستاذ جليل وعلم من أعلام العلم في سورية ... إننا في جامعه دمشق تؤكد تقديرنا واعتزازنا بكل علماء سورية المعطاءة، وما تأبيننا اليوم لأحد أعلامها النجباء إلا تأكيداً على تبني الجامعة نهج الحرص على القيام بدورها وواجبها اتجاه علمائها والتذكير بتجاربهم وإبداعاتهم ووضعها أمام أجيال الطلبة الذين يتلقون العلم والمعرفة في كليات الجامعة ومعاهدها ".

وختم الكردي بالقول: ( إنّ جامعة دمشق حزباً وإدارة ونقابة معلمين واتحاد طلبة لم ولن تنسى عطاء الفقيد ونؤكّد لهم أنّ الفقيد روحه وقيمه ستبقى دليل عمل برّاق ومنهج وسلوك مشرف لزملائه وطلابه ).

كلمة "عمرو الأرمنازي" مدير عام مركز الدراسات والبحوث العلمية :

بدأ كلمته بالحديث عن دور الراحل في تطوير مركز الدراسات والبحوث العلمية وعلاقته بالدكتور واثق شهيد حيث قال: لقد مثل مركز الدراسات للمرحوم تجسيداً لروى وطنية عميقة ومتكاملة تتجاوز الغايات المباشرة المقصودة من إشادة مؤسسة علمية تقانية وطنية متقدمة تستند إلى تشريعات ونظم عمل حديثة ومرنة ، وتتمتع بقدرات بشرية ومادية هامة ومتنامية وبإدارة عامة وعلمية فاعلة.

وكما بين بعض ملامح شخصية الدكتور واثق شهيد من خلال حديثه عنه حيث قال:

"كان المرحوم الدكتور يؤمن إيماناً راسخاً بالعلم وكان مثالاً كالعالم المتواضع الذي يعتز بعلمه وينقله للآخرين ويوظفه في تطوير العمل في المؤسسة، كما كان منفتحاً على التعلم من معارف وخبرات الآخرين في المركز، والاستفادة من كفاءاتهم في بلورة وتطوير رؤاه وأفكاره، وفي صياغة إستراتيجيات وتوجهات المؤسسة العلمية والتقنية والتنظيمية".

وأضاف الأرمنازي: "دور واثق شهيد في أصعدة مختلفة بما يتعلق بالسياسات والتوجهات الكبرى وتنمية القدرات والكفاءات البشرية، ومساهماته في التعاون مع الدول الأخرى مثل فرنسا ، والاتحاد الأوروبي ، واليابان ، والهند والاتحاد السوفييتي، و .... غيرها".

وختم الأرمانيزي القول: "رحم الله الدكتور الشهيد الذي خلّف لنا عندما غادر المركز قبل إحدى وعشرين عاماً إرثاً مؤسساتياً غنياً يمثل مورداً وطنياً يزخر بالقدرات والكفاءات لنستثمرها ونطورها ونبني عليها، وهكذا كان بالرغم من التحديات والصعاب، وخاصة تلك المستجدة في السنوات الأخيرة بحكم الظروف الراهنة... ليطمئن أنّ المركز اليوم يسير قدماً في استكمال تحقيق الأهداف والغايات الوطنية الكبرى التي مثلت رؤى وطموحات فقيدنا الكبير".

كلمة أصدقاء الفقيد ألفاها "عماد صابوني"  أكّد خلالها على علاقته بالدكتور عبد الله واثق منذ أيام الثانوية ، وبيّن أن الراحل أمضى حياته في خدمة العلم والبحث العلمي ، واهتمامه ببناء الموارد البشرية من المهندسين والباحثين ... كان واثق مديراً ناجحاً يرتبط اسمه بالمهارة وقوة الشخصية وبالإخلاص والنزاهة ، وبالمتابعة الحثيثة للعمل والمشروعات ... وتابع الحديث بالقول: لا أظننا نودع أبداً أستاذنا الكبير الدكتور شهيد، فمدرسته مستمرة فيمن بقي من رفاق دربه – أطال الله عمرهم – وفي تلاميذه وطلابه،  وإذا كان جثمان فقيدنا قد وارى الثرى، فسيظل إرثه العلمي والأخلاقي باقياً.

وختم حديثه بالقول: "إنه لشرف عظيم لي أن أنووب عن طلاب الدكتور عبد الله واثق شهيد وعن أصدقائه في هذا الموقف ، فأقول هذه الكلمات التي لا تفيه حقه ، وإنّ لشاعر العب أبو الطيب المتنبي بيتين أجدهما من أجمل الشعر ، يعبران أفضل تعبير عن مآثر راحلنا العظيم:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم                       وتأت على قدر الكرام المكارم   

 ونعظم في عين الصغير صغارها                     وتصغر في عين العظيم العظائم 

وفي لقاء "دام برس" مع الأستاذ طارق عبد الله واثق شهيد ابن الفقيد أكّد خلاله على شكره الكبير لكل من شارك وحضر في هذا التأبين حيث قال: إنّ والدي كان رجل علم ورب أسرة لعائلة اجتماعية وكان أخر عمله في مجمع اللغة العربية، الوالد كان له الفضل الكبير في تعليمنا وكان يقدم مساعدات لكل من يحتاجه من ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها.

"رياض دعبول" يعمل بالطاقة الشمسية ، وصديق المرحوم الدكتور عبد الله واثق شهيد منذ عام 1980م  عندما دعاه للعمل في مركز الدراسات والبحوث العلمية، وكان المرحوم  مثالاً للاستقامة والنزاهة ... كان بمثابة الأب لألي وكان عالماً من علماء سورية الوطن وأمثاله قليلة ، كان  يساعد كل الناس ويعز المتفوقين بشكل كبير ويقدم لهم المساعدة من خلال تأمين لهم البعثات العلمية.

وتابعت زوجته إيمان الحافظ : من خلال معرفتي للدكتور الراحل واثق شهيد إنهُ رجل عصامي وأهم شيء عنده هو كل ما يصون ويحافظ على هذا البلد، كان يعيش في حياة طبيعية بعيدة عن التكبّر والتعالي، زياراتنا له مستمرّة كان يقترب كثيراً من الأطفال الصغار... وصفت الفقيد بكلمات بسيطة وقالت بأنَّه: إنسان عصامي، خدوم،  يحب التطور،  مواكب للعصر،  يسعى إلى بناء جيل على أسس متينة.

أحمد الحصري أحد طلاب الفقيد: لقد علّمنا الدكتور عبد الله واثق الترموديناميك وعملت معه عامين في كلية العلوم عندما عُينت معيداً في الجامعة ... ودّعني في المطار عندما سافرت لتحضير الدكتوراه، وقال لنا أنا وزميلي: انتم سفراء هذا البلد إلى البلد الذي ستوفدون إليه ، اتركوا ذكرى طيبه عندهم ، وعندما عدت إلى سورية تم فرزي إلى مركز الدراسات والبحوث العلمية ... أستاذي رجل صبور يعرف الطريق إلى هدفه ويذلل الصعاب مهما كانت صعبة واستعان لتحقيق ذلك خيرة الرجال في هذا الوطن، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.