تكتسب محاولة الانقلاب التي حصلت في تركيا ضد حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، أهمية كبرى بالنسبة لروسيا، وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجه خاص، وذلك لأسباب عديدة. وقد أحدث الانقلاب صدى لدى المجتمعات المؤيدة للديموقراطية، وأثار جملة تساؤلات حول الخطوات المقبلة لبوتين في الشرق الأوسط، عوضاً عن مستقبل العلاقات بين روسيا وتركيا.
لم يتأخر بوتين بالمبادرة للإتصال بنظيره أردوغان بعيد الانقلاب، ليؤكد له أن موقفه الأساسي هو رفض الانقلاب بشكل عام ضد أي من الحكومات، سواء أكان ذلك في تركيا، اوكرانيا، اليمن أو في أي مكان آخر في العالم.
وتذكر الباحثة المتخصصة بالسياسة الروسية في الشرق الأوسط والعاملة في «معهد واشنطن» آنَّا بورشيفيسكايا، خلال مقال في موقع «ذا هيل» الأميركي، أن بوتين «أعرب دوماً عن قناعته بمسؤولية الغرب عن الاحتجاجات واسعة النطاق التي خرجت في روسيا بين العامين 2011 و2012، اعتراضاَ على تسلمه مقاليد الحكم للمرة الثالثة، كما يحمل واشنطن مسؤولية الاحتجاجات الملونة التي قامت في جميع انحاء الاتحاد السوفياتي السابق وصولاً لـ «الربيع العربي» في الشرق الأوسط.
وتنقل عن عضو حزب «روسيا المتحدة» شمسايل سارالييف قوله، إن بوتين مقتنع أيضاً بوقوف الولايات المتحدة وراء محاولة الانقلاب في تركيا، وذلك نظراً للتحسن الأخير الذي دخل على العلاقات بين موسكو وأنقرة وتجدد تدفق السياح الروس إلى تركيا، وهو أمر يشكل مصدر إزعاج لواشنطن.
وأضاف سارالييف أن «عودة العلاقات الجيدة لتركيا مع جميع الدول، وفي المقام الأول روسيا شريكتها الاستراتيجية، ستكون أمراً مناسباً لأنقرة».
وتوضح بورشيفيسكايا أن العديد من المسؤولين الروس يرون أن محاولة الانقلاب هي خطأ أردوغان وحده، فيما يقارن البعض بين اردوغان وبين الرئيس الاوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش الذي تم خلعه عن الحكم بعد تظاهرات حاشدة في ميدان كييف خلال العامين 2012 ـ 2013 احتجاجاً على الفساد وتزايد مناهضته للديموقراطية، كما قارن اخرون الانقلاب في تركيا بالتمرد الفاشل الذي وقع في كانون الثاني العام 1825 ضد القيصر نقولا الأول في روسيا، أو بمحاولة الانقلاب الفاشلة ضد الزعيم النازي أدولف هتلر العام 1944 في ألمانيا.
تصف الباحثة أن العلاقة التي جمعت بين الرئيسين الروسي والتركي قبل الأزمة السورية التي بدأت في العام 2011، وصلت إلى أقصى درجاتها من الود، وبحسب مصادر تركية وروسية، كان الرئيسان يجتمعان خلف الابواب الموصدة من دون حضور أي شخص آخر معهما.
وعلى الرغم من أن مستقبل تركيا لا يزال غير مؤكد إلى أين يتجه، تؤكد الباحثة أن بوتين يعلم جيداً كيف يحول هذا الوضع إلى مصلحته ليمارس بذلك مزيداً من انتهازية الكرملين، مشيرة إلى أنه سيقدم نفسه كصديق لأردوغان في الوقت الذي يضغط فيه عليه ليجعله يقترب اكثر من روسيا، وخصوصاً لناحية تغيير سياسته المتبعة في سوريا بما يتناسب مع المصالح الروسية، وهو ما بات أكثر سهولة عما كان عليه قبل الانقلاب.
وبحسب إذاعة «بي بي سي» الروسية، نقلاً عن «كوميرسانت»، قال مدير «مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات» (كاست) رسلان باخوف، إن كلا من بوتين والرئيس السوري بشار الأسد سيستفيدان من نتيجة الانقلاب.
وتشير بورشيفيسكايا إلى أن بوتين سيلجأ للمرونة مع اردوغان وسيقدم نفسه على انه حليفه، كما أنه سيساعده في الابتعاد عن الغرب.
وتذكر بورشيفيسكايا أن مدير «مركز تحليل النزاعات في الشرق الأوسط» التابع لـ «معهد دراسات الولايات المتحدة وكندا» في «الاكاديمية الروسية للعلوم» الكساندر شوميلين، كان أعرب لها في وقت سابق عن اعتقاده بأن الانقلاب الفاشل سيؤدي غالباً لتقارب روسي تركي في الملف السوري، مشيراً إلى أن عدداً من الأحداث تدل على ذلك، ككلام اردوغان عن ان المسؤولين عن اسقاط الطائرة الروسية كانا من المشاركين في الانقلاب، كما ان رد فعل الرئيس التركي على الانقلاب سيعقد علاقاته مع الغرب، في حين ان القمع الذي يمارسه على الجيش التركي قد يعني تخليه عن تطبيق «الخطة ب» المعدة مسبقاً لسوريا بالتوافق مع السعودية.
وتلاحظ المحللة الروسية البارزة ليليا شيفتسوفا أن أردوغان، ولعلمه المسبق بأن الغرب بحاجة إلى تركيا وقواعدها الجوية، يقوم بابتزاز الغرب مع استمراره في عمليات القمع القاسية، وتوضح أن السلطويين في العالم أجمع يراقبون كيف سيكون رد الغرب، لافتة إلى أن «ما يقوم به الزعيم التركي سيصبح الكتاب المدرسي للقادة الاخرين، الذين يحلمون بالسلطة المطلقة، فيما يتابع الغرب التفكير في كيفية الرد.. بشكل بطيء».