دام برس :

ترفض الكيانات المعارضة المبادرة التي طرحها المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا والرامية لتجميد القتال في حلب، الأسباب الواضحة من هذا الرفض هو الحرج السياسي الذي وقعت فيه القوى المشغلة للإرهاب في الموقف أمام المجتمع الدولي، فالمبرر لاستمرار أمريكا بدعم الميليشيات المسلحة بحجة دعم ما تسميه واشنطن بالمعتدلون سقطت، إضافة إلى أن الميليشيات المتواجدة في أحياء مدينة حلب الشرقية باتت في موقف لا تحسد عليه مع استعادة الجيش لزمام المبادرة في محيط المدينة، و إن كان المناخ الذي ساد في أراضي سوريا خلال المرحلة الأخيرة قد أثر على سير العمليات العسكرية فيها، فإن العمليات الجوية لطيران الجيش العربي السوري عادت لتوجع المسلحين من خلال استهداف خطوط الإمداد التي أثر سقوطها نارياً على قدرة الميليشيات المسلحة، وبالتالي فإن تطويق المسلحين من قبل الجيش السوري داخل حلب، مع فرض وقف الاعمال القتالية داخل المدينة سيعقد المسألة أكثر بالنسبة لمشغلي هذه الميليشيات، فاعتراف الإعلام في أوروبا بأن ضباط مخابرات عرب و أجانب يقودون الميليشيات داخل حلب يعكس بعضاً من الأسباب التي تدفع الدول المشغلة للمعارضات الخارجية في سوريا.

المبادرة في شكلها الأولي تعنى بتجميد القتال و إدخال المساعدات الإنسانية بمختلف أشكالها ومن ثم الحديث عن مصالحة وطنية في هذه الأحياء تنهي الوجود المسلح في المدينة ليصار إلى تطبيق المبادرة في حال نجحت في بقية المناطق السورية، ومن حيث المضمون هي لا تقدم أي جديد بالنسبة للحكومة السورية بكونها تقيم بذات المبدأ المصالحات الوطنية في عدد من المناطق السورية ودون الحاجة إلى الرعاية الأممية، لكن دمشق لم تتأخر عن التعامل مع ماطرحه المبعوث الأممي حال تسلمه مهمته في سوريا خلفاً للأخضر الإبراهيمي، الأمر الذي كان الغرب يتوقع أن ترفضه الحكومة السورية، ليكون مأخذاً جديداً على الحكومة السورية بما يساعد على خرق الجهود الدبلوماسية التي تخوضها دمشق بالتعاون مع الحكومات الصديقة لها لإيجاد صيغة توافقية مع الكيانات المعارضة لحل سياسي في سوريا، لكن الأمر لم يكن يوماً سهلاً، فالمسلحون دائماً ما يتبنون قرارات لا تكون في مصلحتهم الشخصية حتى، و مرد ذلك أن الحكومات المشغلة للإرهاب في سوريا تنظر إلى المنجزات العسكرية الكبيرة للجيش العربي السوري في ثلاث جبهات أساسية هي جبهات ( حلب - الجنوب - الجزيرة والمنطقة الشرقية) بعين حذرة، فخطوط المسلحين بما فيها خطوط تنظيم داعش تنهار تباعاً، وما يمكن أن يحققه التنظيم من تمدد باتجاه مناطق الأقليات لم يعد يؤثر في ميزان القوى العسكرية على الرغم من الأزمة الإنسانية التي قد يخلقها ملف خطف المدنيين من الأقليات، بما يقدمه مثل هذا الملف من خدمة جليلة لدول المحور الأمريكي بكونها تبحث عن الثغرات التي يمكن تأزيم الأزمة السورية أكثر، و يعيق تقدم الجيش بكونه مجبر على انتظار جهود الوجهاء الباحثين عن تحرير المدنيين من قبضة الميليشيات المسلحة بما فيها تنظيم داعش، والأمر يقاس على حلب و دوما الواقعة في ريف دمشق الشرقي، وغيرها من المناطق التي تتواجد فيها الميليشيات المسلحة.

الموقف المعارض الذي يأتي كرد أمريكي على الموافقة السورية على المبادرة الأممية، يأتي في وقت تعلن فيه روسيا إن النسخة الثانية من منتدى موسكو التشاوري سيعقد خلال شهر آذار، وهذا يعني إن الحكومة السورية تدرك تماماً أن خطوط هذه المبادرات يجب أن تلتقي في دمشق، بمعنى إن المبادرة دي مستورا ستعمل على فرض المناطق الآمنة في حلب و إنهاء جزء من القتال في سوريا، كما إن منتدى موسكو التشاوري يجب أن يفضي إلى نوع من التوافق بين الحكومة السورية و المعارضات بتعدد مشاربها و ولاءاتها، و هاتين المبادرتين يجب أن تلتقيان في دمشق ليصار إلى انعقاد مؤتمر حوار سوري سوري بعيد عن التدخلات الخارجية في مسيره، فجنيف لا يمكن أن يكون أساساً لحل، و خير ما يمكن الاستناد إليه هو "مبادئ موسكو" التي وضعت في ختام منتدى موسكو التشاوري في نسخته الأولى، وهذا يتطلب من المعارضة الخارجية أن تقطع الخيوط التي تحركها كالدمى على مسرح الحدث السوري، وأن تبني قراراً مستقلاً قادراً على أن يدخلها في المرحلة المقبلة من عمر الأزمة السورية، أما إن قررت هذه المعارضة أن تبقى في خندق الدمى التي تحركها واشنطن، فعليها أن ترضي بالخروج من دائرة الضوء وأن تكون خارج نتاج العمل السياسي الذي تؤسس له الحكومة السورية.

عربي برس - محمود عبد اللطيف