Logo Dampress

آخر تحديث : السبت 27 نيسان 2024   الساعة 00:47:47
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
فرنسا.... في فخ الثورات الملونة .. بقلم : د. رآفات أحمد
دام برس : دام برس | فرنسا.... في فخ الثورات الملونة .. بقلم : د. رآفات أحمد

دام برس :
كانت ولا زالت الثورات الملونة إحدى أهم أشكال الحروب الحديثة التي عرفتها الشعوب في سبيل تحقيق أهداف اقتصادية وسياسية للرأسمالية العالمية وللشركات عابرة القارات.
تمثل هذه الثورات إحدى أهم تطبيقات نظرية الصدمة في المجال الاجتماعي والاقتصادي بعد ظهورها أساساً في المجال النفسي على يد الطبيب النفسي الكندي دونالد كاميرون في خمسينيات القرن العشرين حين أراد أن يحصل على طريقة يستطيع من خلالها السيطرة على الاشخاص وجعلهم ينسون ماضيهم وتاريخهم ويتخلون عن حاضرهم ومستقبلهم وتحويلهم إلى اشخاص جدد مختلفين تماماَ عما كانوا عليه بما معناه أن يقوم بعملية غسيل دماغ ممنهجة. رأى كاميرون أن هذا الأمر يمكن أن يتأتى من خلال صدمة عنيفة تسبب هزة في كيان الشخصية تُفْقِد الفرد توازنه وقدرته على التعامل مع واقعه وتنسيه في الوقت ذاته ماضيه لدرجة إلغائه فيبدأ بالبحث عما يعيد إليه توازنه واستقراره وهنا بالضبط يكون قد تحقق الهدف _حسب كاميرون_ فيتم البدء بتلقين الشخص المصدوم ما يُراد له من أفكار ومسلمات ومعتقدات. طبّق هذا الطبيب أبحاثه التي مولتها وكالة الاستخبارات الأمريكية وبطريقة لا إنسانية على مرضاه النفسيين لتقوم بعدها الوكالة بتطبيق نتائج الأبحاث على معتقليها في غوانتامو وأبو غريب وغيرها من المعتقلات للقيام بعمليات غسيل الدماغ وخلق الوحوش الاجرامية من الأشخاص العاديين عقب اعتقالهم
ذات النظرية " نظرية الصدمة" شُرِحت وفُسِّرتْ وقُدِّمت كنظرية في الاقتصاد للتطبيق على الشعوب والبلدان على يد ميلتون فريدمان بروفيسور علم الاحصاء في جامعة شيكاغو والحائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد عام 1976والمستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي رونالد ريغان عام 1980
تهدف تطبيقات هذه النظرية الاقتصادية للسيطرة على اقتصاديات البلدان ومواردها والسماح للشركات عابرة القارات ان تدخل وتحكم السيطرة في أي مجال تريده في البلد المقصود من خلال صدمة "مُفتعلة" تُفقد شعوب هذه البلدان علاقتهم بتاريخهم وتلغي إحساسهم بواقعهم فيشرعون بالبحث عن اي مخرج ممكن للأزمات الاقتصادية والأمنيية الحاصلة. هنا فقط يتسنى للرأسمالية العالمية الدخول واقتراح الحلول والاتفاقات وتمرير القرارات التي تريدها معيدةَ التوازن الشكلي لهذه البلدان و لكنها في الحقيقة لا تهدف إلا لتحقيق  الأهداف الاقتصادية في السيطرة والتوسع وتحقيق الأرباح الخيالية على حساب المواطن في تلك البلدان
إذاً من أهم المبادئ التي تقوم عليها الثورات الملونة هي حالة " الصدمة" المستندة إلى الفوضى العارمة و حالة من البلبلة والهياج وانتشار جرائم الخطف والقتل وغياب الأمن وفقدان السلع الغذائية التي كانت في الأصل متوافرة وكسر المحرمات وقلب وتغيير كل ما هو معتاد  و تشويه الرموز التي كانت بالأمس القريب مقدسة لهذه الشعوب. أما عملية اختيار اللون كرمز للحراك والشغب المسمى ظُلماً ثورة فهو منبثق من صميم مبادئ علم النفس وقيادة الوعي الجمعي لدى الجموع.
يلعب الرمز دوراً كبيراً في خلق سلوك الإنسان وتوجيهه والحفاظ عليه كما أنه يدخل في المنظومة القيمية ومجموعة المعايير الأخلاقية الناظمة لحياة الفرد فقد يكون الرمز أباً أو أماً أو أي شخص قدم تضحيات جِسام لعائلته او بلده أو محيطه.  فالرمز حاضر بقوة في البنية المعرفية للفرد وفي حياته اليومية ويؤثر بجملة قراراته وطريقة حله للمشكلات التي تواجهه. الرمز يؤثر ولا يتأثر, ويلعب دوراً كبيراَ في توازن الشخصية وقيادة السلوك. من هنا نفهم إصرار محركي الفوضى في سوريا على  كسر وتشويه رموز معينة تملك من القداسة ما تملك في الوعي الجمعي للمجتمع السوري ( العلم, الجيش القائد..الخ) حيث أن ذلك يقع في صميم كسر إرادة الجموع والسيطرة على وعيها وإضعاف ثقتها بنفسها وواقعها وقيادتها وفي ذات السياق أيضاً نستطيع فهم قيام الجيش الأمريكي بتذويب أجساد الثوار الفيتناميين بالأسيد حتى بعد موتهم  لكي لا يبقى لهم أثراً يمكن أن يتحول في يوم ما إلى رمز جاذب للفيتناميين من خلال  تشييد مكان أو ضريح للجثمان المتبقي  يجمعهم ويوحد وعيهم وذاكرتهم في النضال ويجدد العداء والحقد ضد المحتل الأمريكي.
أدرك أصحاب نظرية الصدمة جوهرية وجود الرمز في حياة الانسان فجعلوه أمراً أساسياً في الحراك والفوضى ليشكل قوة جامعة ومغناطيس جاذب للشباب الحالم بالأفضل والمأخوذ بالقيم الثورية المعروفة وقد اختيرت الألوان كرموز للحراك لأنها الأكثر ثباتاً في الذاكرة والأسهل ترويجاً والأقوى جاذبية وتأثيراً في الحالة الانفعالية للفرد والجمهور والأقل عُرضةً للنسيان فنحن قد ننسى شعار مرحلة ما أو كلمات نشيد معين لكن هيهات أن ننسى ألوانا رُفعت في تجمع ما مهما كان الهدف وبغض النظر عن النتائج.
كل ما سبق شرحه طُبق ويتم تطبيقه في كثير من دول العالم: تشيلي, جورجيا والوطن العربي والآن ...فرنسا نعم فرنسا  ...فلماذا فرنسا ؟ وقد كانت الراعي الحقيقي لكثير من هذه الثورات سراً وعلناً في مناطق مختلفة من العالم؟
السبب الرئيسي لثورة السترات الصفراء في فرنسا هو محاولتها الخروج من تحت سيطرة الأمريكي ولم تقف عند حدود التصريحات والانتقادات بل تعدتها إلى القيام بإجراءات حقيقة لعل أقواها وأكثرها وضوحا وأشدها خطورة : العلاقة مع إيران.
كعامة الشعب لا نعلم ما يدور في الأروقة الرئاسية ولا في الاجتماعات السرية في الغرف المغلقة ولكن لا يمكن لعاقل أن يتجاهل زيارة وزير خارجية فرنسا عام 2017 لإيران في ذكرى الثورة الايرانية حيث أعلنت فرنسا في تلك الزيارة صراحة أنها ضد اي مبادرة تعارض الاتفاق النووي وتعارض اي اتفاقات جديدة بهذا الشأن ووجهت لاحقا انتقادات للولايات المتحدة بشان تهديداتها واجراءاتها ضد  الجمهورية الاسلامية ووصفت هذه التهديدات والإجراءات بانها مضرة بالمصالح الامريكية كما تم في تلك الزيارة  توقيع أربع اتفاقيات اقتصادية شملت قطاعات النقل والتسويق وصُرح آنذاك بأن باريس وطهران ستبدآن بإنتاج وتصنيع السيارات معاَ في غضون شهر من تاريخه وليكتمل المشهد تم الإيعاز بتسريع وتسهيل منح تأشيرات الدخول للايرانيين الى فرنسا. وبعيداً عن كل هذه الاتفاقات فإن لتوقيت الزيارة آنذاك بُعداً مهماً جداً إذ أنه جاء أثناء احتفال الايرانيين بذكرى الثورة الايرانية وهذا يحمل في دلالاته الكثير.
الحلقة الأخرى التي تحاول فرنسا كسرها علانية وبكل وضوح وجدية في الطوق الأمريكي تتعلق في دعوة ماكرون الرئيس الفرنسي نظرائه في الدول الاوربية إلى انشاء جيش أوربي لمواجهة التهديدات الصينية والروسية وبشكل اكثر وضوحا لمواجهة الهيمنة الامريكية. الامر الذي أيدته المستشارة الالمانية ميركل مما لم يثر فقط حفيظة الرئيس الامريكي  بل جنونه أيضاً وبدأ بإطلاق التصريحات الناقدة والمهددة للطرح الفرنسي ووصفه ب "المهين جداَ" وراح يطالب الدول الاوربية كنوع من الضغط عليها بزيادة مساهماتها العسكرية في الحلف الاطلسي معتبرا ان الولايات المتحدة تسدد قسما كبيرا من موازنة الحلف.
إذاً فرنسا تشاغب وتتمرد وتسير قدماَ في خط   اقتصادي وسياسي وعسكري لا يرضي الأمريكي وهذا الأخير لن يكتفي بالتصريحات والتهديدات ولن يقف متفرجاً حتى تنصاع له الدول الأوربية فلا بد من إجراءات رادعة وضربة قاصمة  تعيد المتمرد الى الحظيرة الامريكية وبشروط امريكية بحتة إذاً لا بد من تطبيق " نظرية الصدمة" لإحداث الفوضى وخلق أوضاع ملتهبة تهدد بالانتقال إلى دول الاتحاد الاوربي فكانت ثورة السترات الصفراء!
 قد يقول متابع إن مطالب المتظاهرين محقة وأن الوضع الاقتصادي مرهِق ونسبة البطالة في تزايد وإلى ما هنالك من توصيفات محقة لحقوق المواطن في مستوى معيشي معين. ..لن نعارض ما يقوله بل سنؤكد أن المجتمعات الاوربية شأنها شأن غيرها من المجتمعات لديها مشاكلها الاقتصادية و الاجتماعية التي استندت اليها الثورات الملونة وهذا ما يُكسب هذه الاخيرة جاذيتها ومصداقيتها وقوتها في الحراك. هذا الحراك وان كنا قد اسميناه فوضى عارمة إلا أن شرارة اندلاعه قامت في الاساس على دراسة مستفيضة للمجتمع المراد إحداث الصدمة فيه ودراسة مشاكل افراده وآمالهم وطموحاتهم ومخاوفهم واحباطاتهم لاختيار المناسب منها للعمل عليه وترويجه إعلامياً فبعض الهتافات الطائفية  مثلاً التي استُخدمت في فوضى الربيع العربي لن تُجدي نفعاَ في مجتمع متحرر من رواسب الماضي ومتمسك بالعيش الرغيد كالمجتمع الفرنسي لكن في المقابل شعارات زيادة الرواتب وتخفيض الضرائب والحد من سلطة البنوك ستلاقي صدىَ هائل الأثر.
الفوضى بدأت في فرنسا ..فهل تنتقل الى غيرها من الدول الاوربية ليتم لاحقاً انصياع حكومات هذه الدول للمشيئة الامريكية؟ أم أن الاتحاد الاوربي سيعي ما يجري وينتفض مسيطراَ على الوضع ومهاجماَ الولايات المتحدة بذات الأسلوب .."نظرية الصدمة" لنشهد حراكاً مماثلاً في بعض الولايات الأمريكية  التي كانت قد طالبت سابقا بالانفصال؟
السيناريو الطويل بدأ ...بانتظار الحبكة !

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz