Logo Dampress

آخر تحديث : السبت 27 نيسان 2024   الساعة 00:47:47
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
وادي الذئاب .. بقلم الدكتور عفيف دلا

دام برس :

اجتمع عرابو الإرهاب مع مجيء سيدهم الأمريكي إلى المجلس في الرياض وقد أعد بنو سعود العدة لممارسة كل الطقوس اللازمة في مثل هكذا اجتماع، فنسفوا سنوات التبعية وسياسات الارتهان للأمريكي بعيداً ورموا بأصول الديبلوماسية في سلة المهملات فكل ذلك لم يعد يجدي نفعاً اليوم ، فالمطلوب بات أكبر بكثير فلا تبعية ولا ارتهان بل عبودية مطلقة ولا أعراف دبلوماسية بعد اليوم بل شعائر تقديس واعتصام بربطة عنق ترامب؛ وطواف بالعيون والقلوب قبل الأقدام حول ميلانيا؛ ورجم للذات وسعي دؤوب بين أطراف ثوب ايفانكا ..

هكذا تكون الشعائر والطقوس ثم يؤتى بعرابي الإرهاب ليجتمعوا على موائد الدم والمال لتقديم فروض الطاعة ويفتتح مزاد إرضاء السيد الأمريكي ويتقدم السعودي على أقرانه فيبرم صفقة بأربعمائة مليار دولار أمريكي فضلاً عن الهدايا الثمينة من الذهب والأحجار الكريمة لأسرة ترامب، أما باقي مشيخات الخليج فيقفون متفرجين مبايعين للسعودي إمارته عليهم وسيادته لهم أمام الأمريكي من حيث يعلمون أو لا يعلمون.

وبقوة الأمر الواقع يسعى السعودي إلى تكريس مظلته على الساحة الخليجية والاستئثار بها من خلال إبرام صفقة العمر مع الولايات المتحدة وما يترتب على ذلك من تعزيز لنفوذ السعودية في الساحة الإقليمية عموماً وفي ساحة الصراع السورية خصوصاً وبالتالي ستبقى توازنات أطراف الصراع كما هي مع انزياح تدريجي باتجاه الكفة السعودية ، الأمر الذي لن يعجب باقي الأطراف الخليجية أو الإقليمية كتركيا التي تسعى بدورها إلى الانفراد بإدارة ساحة الصراع السورية وتحويل ذاتها إلى ضرورة إقليمية لكل أطراف الصراع الدولية ولا سيما الأمريكي والروسي، وأما الأطراف الخليجية فقد سأمت سيادة السعودية لها وفرض أجندتها عليها في الوقت التي ترى كثير من الدول الخليجية نفسها بمستوى لا يقل أهمية عن السعودية مالياً ونفطياً واستخباراتياً وعلى مستوى العلاقات مع كل من الأمريكي والإسرائيلي، وتتوق حقاً لتغيير وضعها الجيوسياسي لناحية ازدياد حجم نفوذها الاستراتيجي في محيطها الحيوي وبالتالي زيادة فاعليتها السياسية خليجياً وإقليمياً كالإمارات وقطر .

وما إن عاد ترامب من الرياض محملاً بمليارات الدولارات حتى بدأ الخلاف بين قوى الساحة الخليجية بين قطر والسعودية على خلفية ما نسب لأمير قطر من منشور على صفحات التواصل الاجتماعي يدعم فيه إيران وحزب الله ثم لا تلبث الأمور أن تتسارع لتفجر خلافاً يمتد ليشمل وسائل الإعلام المختلفة في كلا المشيختين ليفرز لاحقاً اصطفافاً خليجياً وإقليمياً جديداً يصل به الحد لقطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وإيقاف الرحلات الجوية معها وارتفاع منسوب الهجوم الإعلامي فيما بينهم .

بكل الاحوال إن بيئة الخلاف والتوتر تشكل عامل جذب استثماري كبير بالنسبة للدول الكبرى التي سيتم الاستقواء بها بين المتصارعين لترجيح كفة أحدهم على الآخر وهذا الامر سيفسح المجال واسعاً امام مزيد من التدفقات المالية في جيوب الخزانة الامريكية خاصة بعد تكريس ترامب لمبدأ الابتزاز المالي مقابل العلاقات الجيدة دولياً ، فإشعال الخلاف بين الدول وإدارته لاحقاً بما يفسح المجال امام ابتزاز مباشر مقابل التدخل الأمريكي أو حسن العلاقة معها هو عنوان السياسة الخارجية الامريكية الجديدة ، فجودة العلاقات مع أمريكا يرتكز على قاعدة من يدفع أكثر .

لكن في الواقع هل أتى ترامب إلى الرياض ليفكك مجلس التعاون الخليجي ويعيد رسم خارطة جيوسياسية جديدة في الساحة الخليجية تمهد الطريق أمامه إلى إدارة الخليج بمعايير مختلفة عن تلك التي اعتادت عليها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بحيث يصبح الخليج خزاناً مالياً يتدفق مباشرة إلى الجيب الأمريكي بوتيرة أعلى وبشروط أقل لا تتيح لأي من مكوناته وعلى رأسها السعودية التمرد على بعض التوجهات الامريكية ، فترامب ربما يرى في الساحة الخليجية بئر نفط يريد هو وحده الاستثمار فيه من خلال بسط سيطرته المطلقة عليه دون تقديم اي تنازلات أو إبداء أي نوع من المرونة في التعاطي مع قضايا المنطقة ، وهذا احتمال وارد .

وإما أن الإدارة الأمريكية تريد أن تحافظ على بيئة التوتر الراهنة في الخليج لتعزيز التدفقات المالية الخليجية إلى الولايات المتحدة والسيطرة عليها وإدارتها دون التصعيد إلى حد رسم خارطة جيوسياسية جديدة في الخليج ، وهذا الامر بطبيعة الحال يتيح حركية اكبر للسياسية الامريكية في المنطقة من خلال إشغال جميع الاطراف في نزاعات على مستويات مختلفة ينخفض معها منسوب الفاعلية السياسية لهذه الاطراف في ساحة الصراع الإقليمية الدولية وبالتالي إعادة ضبط الولايات المتحدة لحلفائها الإقليميين من خلال تنامي حاجتهم للدور الأمريكي في تثقيل وزنهم السياسي والاستراتيجي.

وعلى أية حال نجد أن الأوان ربما قد آن لتغيير قاعدة التوازنات الإقليمية في المنطقة إذا ما كنا على اعتاب ولادة نظام دولي جديد يولد من رحم تفاهم بين القوى الكبرة تمليه ضرورة الواقع والمصالح ، لأن مثل هذا التغيير يتطلب تكييفاً جديداً للمصالح وتوازنات جديدة لقوى المنطقة تتحدد معها أدوار جديدة أيضاً للقوى الصاعدة ، فالمصالح الدولية اليوم تتطلب تغييراً ما في واقع التحالفات الإقليمية والدولية لناحية تكريس المصالح والقدرة على الانتقال السريع في أشكال وقواعد هذه التحالفات ، فالتحالف مع القوى الكبرى يجب وفق المنظور الرأسمالي الجديد ألا يكلف هذه القوى أي التزامات أو يفرض عليها اي نوع من القيود في حركية مصالحها حول العالم ، وبالتالي نحن أمام منطق جديد في التحالف الدولي يقوم على مستوى المرونة الذي يتمتع فيه هذا التحالف لصالح القوى الكبرى المنخرطة فيه وليس لصالح الأطراف الأقل قوة أو الأضعف ، لا بل وبمستوى المكاسب والمنافع الأكبر التي تتحقق للقوى الكبرى بمعزل عن أي تكافئ في المنافع لباقي الأطراف .

وبالطبع إن هكذا تحالفات لا يمكن تحقيقها إلا من خلال صراعات ونزاعات تدفع بعض الأطراف لتعزيز فرص مكاسبها من خلال ارتباطها بالقوى الكبرى التي بدورها لن تقدم لها شيئاً إلا بمقدار ما تقدم هي مسبقاً لها .

إن حلة التفكك التي تظهر بوادرها في الساحة الخليجية تنبئ بتفكك مجلس الذئاب الذي يقود هذه الساحة وبدء الصراع بين عناصرها ، فأسباب الصراع الكامنة كثيرة والتفرد بالسلطة مطمح كل عنصر من هذا المجلس، فاستمرار سيادة الذئب السعودي على هذا المجلس لن تكون أبدية في ظل تنامي قوة باقي الذئاب وتطلعها إلى امتلاك أدوار أكبر وتوسيع مكاسبها ومصالحها خارج حدود الساحة الضيقة التي تتواجد فيها .لكن هل من منقذ يحتوي الخلاف المتصاعد أم ستترك الامور لتخلق مسوغات التغيير الكبير المنتظر ؟؟

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz