دام برس:

إستطاع الدب الروسي أن يكسب الحرب السياسية بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية في معركة الإرهاب .فقد كان من اللحظة الأولى يعي قواعد اللعبة .واستخدم الفيتو ضد كل ما أرادت واشنطن تمريره ضد سورية في معركة تسييس التدخل الأمريكي وشرعنته ضد دمشق لتحقيق أهداف باتت معلنة وليست خافية على أحد يجيد قراءة الملف بقليل من الفطنة والتركيز وجمع قصاصات التصريحات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين والغربيين في مناسبة ودون مناسبة عن خيوط المؤامرة ضد منطقتنا العربية .

وليس خافيا على أحد أن الحرب اشتد وطيسها بفعل حُمَّى التمويلات الخليجية للإرهاب ضد سورية الأرض والشعب والجيش ونظام الحكم.ولأن أردوغان كان يلعب دور مخلب القط من خلال الألف كيلو متر حدود مع الجمهورية العربية السورية تنفيذا لأجندة الناتو وحصل على نصيب كبير من المال السعودي والقطري .ربما أكثر مما خطط للإستفادة في هذا الجانب .

ومن هنا كانت أستانة غاية في الأهمية وبعيدا عن جنيف التي في الإستراحة بين شوطين منها في جنيف 3 ذهب رجل مخابرات آل سعود إلى موسكو يعرض إستثمار سعودي قيمته 300 مليار دولار ويعلن أن الشيشانيين في جعبته.في إشارة إلى تهديد موسكو وهي مقبلة على دورة الأوليمبياد.اختطف بوتين اللعبة وذهب بها إلى أستانا 1و2و3و4 اليوم يستثمر الدب الروسي الوقت ويدفع الضامنين للتوقيع على مناطق تخفيف التوتر.وبحضور تركيا والأردن وهما راعيتان للإرهاب في الشمال والجنوب السوري.ربما يعتقد البعض أن الوثيقة الروسية اليوم هي قد ورَّطَت سورية في قبول المرفوض بقوة سابقا وفي مراحل كانت أكثر حدة ودموية من مراحل الصراع بين الإرهاب ومن يُشَغِّله وبين الجيش العربي السوري والقوات الرديفة وحزب الله وإيران(القوى الصديقة).لكن الرد على هذا الإعتقاد الخاطئ في تقديرنا .

أن ماكان مطلوباً في السابق وبقوة ورفضته سورية بقوة أيضا كانت مسميات أخرى ومقاصد مغايرة (مناطق آمنة .مناطق محظورة.مناطق إنسانية).والفرق بين هذه المسميات مجتمعة وبين المسمَّى الذي جاءت به وثيقة موسكو في أستانا (مناطق تخفيف التوتر) فرق كبير .

ففي الأولى كان المقصود منها إنتزاع المناطق من السيادة السورية وتسليمها للأجنبي لإدارتها وتبريد الإرهاب فيها وطمأنته وإعادة بث الروح فيه وتسليحه وإطلاقه ضد الدولة بجاهزية وعتاد وتخطيط .بما كان يؤسس لتقسيم سورية بدعم هذه المنطق بقرارات أممية وإعلان مسميات مستقلة عن الوطن السوري فيها تعترف به دول الأعداء ..وهذا كان هدفهم..وكان رفض الجمهورية العربية السورية والإستمرار لسبع سنوات في الحرب وتقديم المزيد من الشهداء.

أما المناطق في وثيقة روسيا لتخفيف التوتر فقد جاءت شروطها لاصطياد _وفق قواعد اللعبة الماكرة_واشنطن وحلفها الإقليمي والدولي .بأن جعلت الوثيقة المناطق تحت السيادة السورية وللجيش العربي الإستمرار في حربه ضد التنظيمات الإرهابية داعش والنصرة والأخرى المرتبطة بها.وخَصَمَت من قوة المواجهة تلك التنظيمات التي وقَّعت على الوثيقة وحضرت في أستانا 4 .والأمر لايعدو أن يكون ربما إختبار لمن تصمم واشنطن _والتي كانت حاضرة بمستوى سفير_على تسميتهم المعارضة المسلحة المعتدلة .

إن التزمت تلك المعتدلة تم خَصمُها من قوة الإرهاب التي كانت تقاتل ضد الجيش العربي.وخسرت أمريكا ورقة من أوراق الصراع باستخدام الإرهاب.وتيقنت المُسَمّاه بالمعتدلة هذه أن أمريكا قد تخلّت عنهم مرة أخرى في الميدان.وتركتهم للجيش والأسد _في المسألة السياسية بعد ذلك_عندما يقرر الشعب السوري وحده مصير ومستقبل الحكم في دمشق وفق الرصيد الهائل للمعتدلة هذه في ضمير الجماعة الوطنية السورية وقد تلطخت أياديهم بدماء كل الأُسر السورية.

أما وإن لم تلتزم التنظيمات _المعتدلة هذه_فيصبح مصير مواجهتها بقوة وحسم للجيش العربي والقوة الروسية والقوات الرديفة والصديقة ...ولضمان شدة المواجهة أعلنت روسيا بهذه الوثيقة غلق الفضاء فوق مناطق تخفيف التوتر في مواجهة  طيران التحالف الأمريكي..وقد انطوت هذه الوثيقة على دفع الخصم إلى تحديد موقفه بقوة ووضوح ..هل نحارب الإرهاب للقضاء عليه _وهي غاية موسكو وسورية والقوات الصديقة_أم ندعي محاربته لتشغيله وإعادة إنتاجه ودعمه لاستخدامه لتحقيق أجندات عدائية في سورية ومناطق أخرى مرشّحة _وهي غاية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفها.والقوي  الإقليمية المرتبطة بها .

.وقد وضعت الوثيقة الأردن وتركيا أمام الحائط .وكلا النظامين تابعين لواشنطن وجودا وعدما.فاعترف أردوغان أن الوثيقة الروسية تحل الأزمة السورية بنسبة 50%.وصرّح السيد غويتريس أنه يُعرِب عن ارتياحه للوثيقة الروسية..وقد رفضت السعودية الوثيقة لأنها لم تدفع عشرات المليارات منذ اليوم الأول للأزمة .وتدفع مئات المليارات مع قطر إلى واشنطن حتى يبقى الأسد وتبقى سورية ويبقى الجيش العربي السوري ممسكا بكل التراب الوطني السوري لسورية الموحدة..فلم تشأ أن توافق على وثيقة تُجَرّدها من الحلم وتجعله كابوسا للملك القادم المدلل محمد بن سلمان.