Warning: session_start(): open(/var/cpanel/php/sessions/ea-php56/sess_0abd9q0f8u8qoe91sde3njvqg1, O_RDWR) failed: No space left on device (28) in /home/dampress/public_html/include.php on line 2

Warning: session_start(): Cannot send session cache limiter - headers already sent (output started at /home/dampress/public_html/include.php:2) in /home/dampress/public_html/include.php on line 2

Warning: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at /home/dampress/public_html/include.php:2) in /home/dampress/public_html/include.php on line 93
كيف يتغير النظام الدولي ؟ بقلم : د. شاهر إسماعيل الشاهر

Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 26 نيسان 2024   الساعة 12:46:33
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
كيف يتغير النظام الدولي ؟ بقلم : د. شاهر إسماعيل الشاهر
دام برس : دام برس | كيف يتغير النظام الدولي ؟ بقلم : د. شاهر إسماعيل الشاهر

دام برس:

المقدمة: فكرة النظام الدولي ليست فكرة حديثة إنما تمتد جذورها إلى فلاسفة المدرسة الرواقية (Stoic–Philosophy) في اليونان القديمة، إذ طرحوا فكرة الدولة العالمية والقانون العالمي.(1)  يركز التحليل للسياسة الخارجية من منظور النظام الدولي اهتمامه على المستوى الكلي للتحليل Macro Level of Analysis  وينصب الاهتمام الرئيس على التغييرات في البيئة الدولية التي تنفذ فيها الدول سياستها الخارجية. وهنا يشار إلى أن أي تغيرات في مزايا النظام الدولي ستؤدي إلى تغيرات في السلوك الخارجي للدول التي تكون هذا النظام.(2)

أولاً: المدرسة السلوكية والنظام الدولي

لقد بدأ التركيز فعلياً على طبيعة النظام الدولي كعامل مستقل يفسر السلوك الدولي، مع بداية المدرسة السلوكية في تطور دراسة العلوم السياسية في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي. وقد ركز هذا التطور الذي استمد جذوره من المدرسة الواقعية الجديدة على كيفية تقسيم القوة في النظام الدولي، وكيفية تأثير هذا التقسيم في سلوك الدولة في الساحة الدولية.(3)

وعلى الرغم من أنّ الدولة تشكل الوحدة الفاعلة في تشكيل النظام الدولي، بيد أنها لم تعد اللاعب الوحيد كما كانت عليه الحال في تنظيم العلاقات الدولية، إذ ظهرت إلى جانب الدول كوحدات سياسية– المنظمات العالمية والإقليمية والحكومية منها وغير الحكومية والمؤسسات متعددة الجنسيات وحركات وقوى إقليمية وعالمية– دخلت جميعها في صيغ متباينة في التفاعلات سلباً أو إيجاباً.(4) 

ومن ثم فإنّ هذا النظام تتفرع منه أنظمة أخرى متعددة تسمى بالأنظمة الفرعية التي تتشكل على أساس إقليمي تتعدد خصائصه في ضوء التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تحدث بين وحدات متقاربة جغرافياً ولديها أهداف ومصالح مشتركة ورؤى سياسية متشابهة أحياناً، وتربطها عوامل أخرى كاللغة أو الدين أو الحضارة ... وغيرها، والأمثلة على ذلك عديدة أبرزها مثلاً النظام الإقليمي العربي ونظام غرب أوروبة... وغيرها.
وبمعنى آخر إنّ النظام الدولي هو ذلك الوعاء الذي يضم الوحدات السياسية (الدول وغيرها)، التي تتداخل فيما بينها بأنماط من التفاعلات وقد تأخذ هذه التفاعلات شكلاً تصارعياً، وتشمل حالات التوتر والتلويح باستخدام القوة المسلحة أو استعمال العنف، أو الشكل الآخر وهو الشكل التعاوني ويتجسد بالاتصالات والتفاعلات التجارية والاقتصادية... وغيرها.

ثانياً: مفهوم النظام الدولي:

يعد مفهوم النظام من أكثر المفاهيم استخداماً في شتى المعارف والعلوم، وخاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إذ نمت المناهج التنسيقية والرؤى النظمية في النظر إلى مختلف الظواهر الطبيعية والبشرية، واجتهد علماء السياسة كغيرهم في مختلف التخصصات في سبيل التعرف إلى المستوى الدولي.
لقد أصبحت فكرة (النظام) من المفاهيم الأساسية التي يقوم عليها علم العلاقات الدولية، التي تهدف إلى اكتشاف أنماط من التفاعل في السياسة الدولية، وقد اهتمت فئة من علماء السياسة بهذه المسألة فوضعت للنظم نظرية وظفتها في دراسة السياسة، معتبرة أنّ الحياة السياسية في مجتمع ما ليست سوى كتلة من التفاعلات تحيط بها نظم اجتماعية تؤثر فيها بشكل مستمر.

ثالثاً: تعريف النظام الدولي

طرحت العديد من التعريفات لتحديد مفهوم النظام الدولي، وتنوعت هذه التعريفات تبعاً لاختلاف آراء ووجهات نظر واضعي هذه التعريفات، ومن بينهم ستانلي هوفمان، وإذ نظر إلى النظام الدولي على أنه عبارة عن نمط للعلاقات بين الوحدات الأساسية الدولية، ويتحدد هذا النمط بطريقة بنيان أو هيكل العالم فقد تطرأ تغيرات على النظام مردها التطور التكنولوجي أو التغير في الأهداف السياسية الرئيسة لوحدات النظام أو نتيجة لتغير في شكل الصراع بين مختلف الوحدات المشكلة للنظام.(5)

وبشكلٍ عام يعرّف النظام (System) بأنه "عبارة عن كيان عام تتداخل عناصره ومكوناته على نحو يجعله يتفاعل ويتبلور في النهاية بصورة أو بأُخرى".
وعرفه موريس أيست بأنه نمط من التفاعلات والعلاقات بين الفواعل السياسية ذات الطبيعة الأرضية (الدول) التي توجد في وقتٍ محدد.(6)
أما كينيث يولندنغ فعرفه بأنه مجموعة من الوحدات السلوكية المتفاعلة التي تسمى أمماً أو دولاً والتي يضاف إليها أحياناً بعض المنظمات فوق القومية كالأمم المتحدة، ويمكن أن توصف كل وحدة من هذه الوحدات السلوكية بأنها مجموعة من المتغيرات التي تفترض وجود علاقات متينة فيما بينها.(7)

أما كينيث والتز (Keneth–Weltz) فعرفه بأنه "عبارة عن مجموعة من الوحدات التي تتفاعل فيما بينها، من ناحية يتكون النظام من هيكل أو بنيان، ومن ناحية أخرى من وحدات النظام".(8)
ويعرف آخرون النظام الدولي بالنظر إلى مجموعة قواعد التعامل الدولي الناتج من التفاعلات الدينية والسياسية والاقتصادية الحاصلة بين القوى الكبرى وأثرها في العالم كله في مرحلة تاريخية معينة.(9)
ومما تقدم يمكن القول أنّ النظام الدولي هو محصلة التفاعلات (التعاونية منها والتصارعية) القائمة بين الوحدات السياسية التي يتكون منها النظام سواء أكانت هذه الوحدات (الدول) أو غير الدول كالمنظمات الإقليمية والعالمية الحكومية وغير الحكومية.

رابعاً: مكونات النظام الدولي

هناك عناصر رئيسة يتكون منها النظام الدولي، وهي:
1- وحدات يتكون منها النظام، وليس من الضروري أن تكون دولاً، كالمنظمات الإقليمية والعالمية والمؤسسات ذات الوجود المتعدد (الدولي) كمؤسسات الإعلام الدولي، والشركات متعددة الجنسية، كذلك الأشخاص الذين يقومون بأدوار دولية.
2- التفاعلات التي تنضم بين وحدات النظام الدولي، سواء أكانت في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية أو غيرها.
3- وجود قواعد تنظيم هذه التفاعلات بين وحدات هذا النظام ويعبر عن هذه القواعد بالقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية كحق السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والأعراف الدبلوماسية.

خامساً: كيف يتغير النظام الدولي؟

هناك العديد من النظريات التي تناولت صعود الدول العظمى وهبوطها، وأهم هذه النظريات:
أ- نظرية ابن خلدون: التي ركزت على دور العصبية في قيام الدولة، سواء أكانت عصبية وطنية أم قومية أم إيديولوجية (دينية)، وتناولت تطور الدولة وحددت خمسة أطوار تمر بها الدولة منذ النشوء وحتى الزوال، ومن أسباب الاضمحلال التي قدمها ابن خلدون زوال العصبية وكذلك الأسباب الاقتصادية والاجتماعية.(10)
ب- نظرية روبرت جيلبن: يرى الكاتب والمفكر الأمريكي روبرت جيلبن، أنّ التغيير على صعيد النظام العالمي يتم عبر أربع مراحل هي:
- أنّ النظام العالمي يعد مستقراً، عندما لا تشعر دولة ما أن التغيير مفيد لها.
- تعمد دولة ما إلى تغيير النظام العالمي، عندما تعتقد أنّ ما ستحققه من هذا التغيير يفوق ما سوف تخسره.
- تسعى دولة ما إلى تغيير النظام العالمي عبر التوسع البري، الاقتصادي والسياسي، وإلى درجة لا تتعدى فيها الأثمان المكاسب المحققة.
- عندما يتحقق التوازن بين الأرباح والأثمان، تسعى الدولة إلى الحفاظ على (الستاتيكو)، وإذا لم تستطع وكان هناك من يتحدى الهيمنة، فإنّ النظام لن يستقر إلا على ميزان يعكس حقيقة توزيع القوى على المسرح الدولي.(11)  
أي أنّ عملية التغيير هي عملية تاريخية مستمرة تتم على مراحل وفي فترة طويلة، ووجد في تباين معدلات نمو قوة الدول الفاعلة في النظام الدولي المحرك الأساس في عملية التغيير حيث يؤدي ذلك إلى تباين في مستويات القوة ومن ثم تبدأ المطالبة بإعادة توزيع الأدوار، وتبرز منه الحاجة إلى توازن دولي جديد. ومصادر التباين عند جيلبن عديدة منها: تباين في النمو الاقتصادي أو ثورة تكنولوجية أو تراجع في قوة الدولة القائدة.
ج- نظرية أورغانسكي: قام أورغانسكي بدراسة العلاقات الدولية لفترة امتدت إلى أكثر من مئتي عام، محاولاً تفسير التغيير في النظام الدولي من جراء ربط معايير القوة بسلوك الدول، وقسّم الدول إلى فئات أربع من حيث موقعها في النظام الدولي، وهي:
1- مجموعة الدول القوية القانعة (تحاول الحفاظ على النظام الدولي).
2- مجموعة الدول القوية غير القانعة (تسعى إلى تغيير النظام الدولي).
3- مجموعة دول متوسطة وضعيفة راضية.
4- الدول الضعيفة غير الراضية. يمكن أن تكون مؤثرة إذا اجتمعت ورمت بثقلها خلف إحدى الدول الفاعلة.
د- نظرية بول كيندي: في بحثه " لصعود الدول العظمى وهبوطها" لفترة امتدت من عام 1500 إلى عام 2000، استنتج كيندي أن هناك شبه قوانين تحكم مسيرة الدول العظمى وتسير معظم هذه الدول في خطوات متشابهة في أثناء صعودها وهبوطها، وخلص إلى أن هناك صلة بين الصعود والهبوط الاقتصادي لأي من القوى الكبرى وبين صعودها وانهيارها كقوة عسكرية مهمة، ويستشهد بأمثلة عديدة منها صعود السويد عام 1630 وكذلك صعود بريطانيا في أواخر القرن الثامن عشر.
إن الانتقال من نظام دولي إلى آخر يرتبط بتطورات كمية بالأساس منذ أن صارت الدولة – الأمة هي الوحدة الأساسية في هذا النظام. فعندما انهار الاتحاد السوفييتي السابق، انتهى النظام العالمي الذي كان هذا الاتحاد أحد قطبيه الكبيرين. وبانهيار أحد القطبين واستمرار الآخر صار النظام العالمي أحادياً. وكان هذا تغيراً كمياً أكثر منه نوعياً، على الرغم من أنه انطوى على عناصر كيفية جديدة.

ويرتكز نظام "الأحادية القطبية" الأمريكية على ثلاث دعائم أساسية، إلى جانب عدد من الروافد، التي توجد له الغطاء الإيديولوجي والعلمي لمساندته وترسيخ قواعده. وهذه الدعائم هي: القوة العسكرية الأمريكية، والشرعية الدولية، وما يتصل بها من تضامن الدول الرأسمالية بعضها مع بعض، إلى جانب تعبئة رأس المال لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للنظام المعولم. والعولمة كظاهرة وليدة التغير الدولي الحاصل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، هي وجه آخر للهيمنة الإمبريالية على العالم تحت الزعامة المنفردة.(12) وكذلك كان الأمر عندما انتهى النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي استمر أكثر من قرن من الزمن إلى أن وهن أقطابه الأساسيون الأوروبيون وأنهكتهم حربان عالميتان هائلتان في غضون ثلاثة عقود من الزمن، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يراكمان عناصر القوة ويبرزان على المسرح الدولي ليرثا قيادة النظام العالمي الذي أصبح حينئذ ثنائي القطبية بعد أن كان متعدد القوى الكبرى.

سادساً: بيئة النظام الدولي قبل أحداث 11 أيلول 2001: 

     تعد بيئة النظام الدولي أحد المحددات الرئيسة لسياسة الدول الخارجية، كما أنها محدد مهم لعلاقات القوى الكبرى مع النظم الإقليمية ومنها النظام الإقليمي العربي، والنظام الشرق أوسطي.
بعد الحرب العالمية الثانية ساد نظام دولي جديد اعتمد على الثنائية القطبية، إذ تزعمت العالم دولتان رئيستان هما الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة للمعسكر الرأسمالي، والاتحاد السوفييتي ممثلاً للكتلة الاشتراكية. وكانت نتائج الحرب قد رسمت الخارطة السياسية للعالم بأسره، حيث توزع القطبان الرئيسان الهيمنة السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية على العالم. إضافة إلى ذلك كان اكتشاف السلاح النووي بما يحمله من قوة تدميرية هائلة، والاستخدام المبكر له في هيروشيما ونجازاكي على يد الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة للحرب قد صاغ بشكل تفصيلي وحاسم مفردات النظام العالمي الذي ساد بعد الحرب واستمر حتى بداية التسعينيات من القرن العشرين.
كانت مفردات النظام الجديد هي الاعتراف بمبدأ الثنائية القطبية للعملاقين اللذين قادا الحلفاء إلى النصر، والاتفاق على قيام هيئة الأمم المتحدة. وكان هناك اتفاق بين القطبين الرئيسين يقضي باستحالة قيام أية مواجهة عسكرية مباشرة مع بعضهما بعضاً، لما يحمله ذلك من إمكانية استخدام للأسلحة النووية. لكن ذلك لا يعني أن تتعطل الأوجه الأخرى للصراع، فهناك صراعات عقائدية واقتصادية وسياسية، وخلافات عميقة تتحلق عند المصالح والرؤى.

    ودون الخوض في خصائص ومميّزات البيئة الدولية في فترة الحرب الباردة، فقد كان الصراع بين القطبين الرئيسين هو السمة البارزة لتلك المرحلة، وكان نظام الثنائية القطبية هو الطاغي على صعيد البيئة الدولية. وقد قسّم نظام الثنائية القطبية العالم إلى معسكرين، تقود كلاً منهما دولة عظمى تمتلك ترسانة عسكرية لا يوازيها سوى القطب الدولي الآخر. أما مناطق النفوذ الحيوية لكل من القوتين الأعظم فحدودها معينة بدرجة عالية من الوضوح، والصراع بينهما له الأولوية على أشكال الصراع الأخرى كافة.(13)
أما في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، فإنّ تراجع الاتحاد السوفييتي عن المواجهة مع الولايات المتحدة، ثمّ انهياره وتفككه قد غيّر طبيعة النظام الدولي والبيئة الدولية. ومع حرب الخليج الثانية في 15 كانون الثاني 1991، أعلن الرئيس الأمريكي بوش الأب عن بداية "النظام الدولي الجديد" القائم بصورة أساسية على الانفرادية الأمريكية كقطب دولي وحيد.(14)
   يقول هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق واصفاً مرحلة ما بعد الحرب الباردة: (تجد الولايات المتحدة نفسها في أوج قوتها في موقع ساخر ففي وجه ما قد يكون أعمق اضطرابات يشهدها العالم، فشلت في تطوير مفاهيم ذات صلة بالوقائع الناشئة، الانتصار بالحرب الباردة يغري بالزهو، والاقتناع بالوضع الراهن يجعل النظر إلى السياسة بمثابة إسقاط للمألوف على المستقبل، ويغري الأداء الاقتصادي المذّهب صنّاع السياسة بالخلط بين الاستراتيجية والاقتصادية، ويجعلهم أقل حساسية للتأثير السياسي والثقافي والروحي للتحوّلات الواسعة التي أحدثتها التكنولوجيا الأمريكية).(15)

    إنّ التغيرات الهيكلية التي شهدها النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة، دفعت صانعي القرار الأمريكي إلى إعادة تقويم وترتيب منظومة مصالحهم وأولوياتهم القومية وأهدافهم، وذلك بتأثير عدد من العوامل:(16) 
1- انهيار الاتحاد السوفييتي واختفاء المصدر الواحد والمحدد للتهديد، وقد لعب مصدر التهديد المحدد الدور الأساسي في صياغة الاستراتيجية الدفاعية للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وقد أدى غياب مصدر التهديد إلى اختفاء الاجماع الاستراتيجي الذي ميّز المجتمع الأمريكي والتحالف الغربي في فترة الحرب الباردة، وإلى ظهور اجتهادات متنوعة في تعريف مصادر التهديد وأساليب مواجهتها.
2- تراجع التهديد بالحرب كعامل رئيس محدد لسياسات الدول، وبالتالي أدى ذلك إلى تغيّر أولويات المخططين الاستراتيجيين وصنّاع القرار في الولايات المتحدة.
3- تغيّر رؤى وتصوّرات الإدارة الأمريكية بشأن المشكلات والصراعات التي تعاني منها مناطق معينة في العالم، فقد أدركت بعض مراكز صنع القرار الأمريكي ضرورة تغيير التعاطي الأمريكي مع هذه القضايا بما يخدم المصالح الحيوية لأمريكا في العالم ومنطقة الشرق الأوسط.
4- ازدياد أهمية المرتكزات الاستراتيجية التي تقوم عليها العلاقات الأمريكية الدولية، فالمحددات الثابتة مثل الموقع الإستراتيجي والثروات الطبيعية وخطوط التجارة تدفع دائماً للتأكيد على أهمية البلد، الإقليم، أو القارة في منظومة السياسة الكونية للولايات المتحدة.

سابعاً: سمات النظام الدولي الجديد:

لقد اتسم النظام الدولي الجديد بمجموعة من السمات الرئيسة التي يمكن تلخيصها بما يلي:(17)
- الانتقال نهائياً من نظام القطبية الثنائية إلى نظام القطبية الأحادية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
- انتقال الصراع العالمي، بعد انهيار التوازن الدولي، من صراع سياسي وعسكري إلى صراع اقتصادي، ومن صراع بين الشرق والغرب إلى صراع بين الشمال الغني والجنوب الفقير.
- موافقة معظم الأنظمة الغربية التي تتشدق بالحرية والديمقراطية على تخويل الولايات المتحدة، متى شاءت وكيفما شاءت، باستخدام القوة العسكرية ضد كل دولة في العالم الثالث تنشد الحرية، أو تنادي بحق تقرير المصير أو تسعى لامتلاك القدرات الذاتية التي تسمح لها بالتغلب على عوامل التخلف.
- استعداد العالم الغربي، ومعه بعض الدول التي تلتقي مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة لمساعدة واشنطن بشتى أنواع المساعدات، في عملياتها العسكرية التي استهدفت دولاً ذات سيادة وشعوباً أبرياء.
- استخدام الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية لتحقيق مصالحها، وتهميش الشرعية الدولية.
وكانت الإدارة الأمريكية أيام بيل كلينتون قد أخذت بفرض العولمة سبيلاً للحفاظ على هيبة أمريكا وعظمتها كقطب متفرد بزعامة العالم. ففي مؤتمر قمة السبع الكبار الذي عقد في دنفر عام 1997، تباهى الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بنجاح الاقتصاد الأمريكي كنموذج للآخرين.(18) كما سمحت وزيرة الخارجية الأمريكية، مادلين أولبرايت، لنفسها بالقول عن الولايات المتحدة الأمريكية: "بأنها الدولة التي لا غنى عنها.. وإننا نقف على طولنا ونرى أبعد مما ترى الدول الأخرى".(19)
ويؤكد نائب وزير الخارجية الأمريكية، لورانس سوبرز: "إنّ الهيمنة التي ترنو إليها الولايات المتحدة الأمريكية هي هيمنة غير خطيرة " ..و" إنّ أمريكا القوة العظمى هي قوة غير استعمارية".(20)
وكان التحول في السياسة الخارجية الأمريكية قد ابتدأ منذ الأيام الأولى لتسلم إدارة الرئيس بوش الابن مقاليد الحكم في الولايات المتحدة. وتجلى ذلك في سلسلة مواقف أهمها:(21) 
- الانحياز الكامل لإسرائيل وسياستها العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني بوجه خاص والحقوق العربية بوجه عام.
- الانسحاب من اتفاقية كيوتو المتعلقة بالاحتباس الحراري (GlobalWarming) المعنية بمكافحة الأخطار التي تهدد المناخ والبيئة العالميين.
- التخلي عن معاهدة الحد من الصواريخ بعيدة المدى والسيطرة عليها- وهي المعاهدة التي كانت قد أبرمت مع الاتحاد السوفييتي السابق- واستئناف الاندفاع في دوامة التسلح المهلك، وبناء ما يسمى "درع الصواريخ العراقية". وزيادة موازنة الإنفاق العسكري بمقاييس ملفتة.
- فرض قيود على الحريات الفردية، واستعمال المحاكم الاستثنائية داخلياً لقمع أية معارضة للنهج الجديد وذلك باسم التحصن ضد الإرهاب.
- عدم الموافقة على محكمة الجنايات الدولية، التي تشكلت بموافقة أكثر من ستين دولة والمعنية بملاحقة الجرائم المتعلقة بالإبادة العرقية والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان وإخضاع مرتكبيها لمساءلة قضائية دولية. والتهديد باستخدام القوة ضد إجراءات المحكمة ومعاقبة الدول التي التزمت بقيامها ودخلت طرفاً في معاهدة تأسيسها.
- إنشاء وزارة للأمن الوطني من أولى مهامها مراقبة الأجانب في الولايات المتحدة وضبط بصمات جميع العرب والمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة، والتشدد بتجديد الإقامة وغير ذلك من مهام التعسف والمراقبة (بعد أحداث 11 أيلول).
- التحكم بقرارات الأمم المتحدة، والتحرر من إلتزامات بعض المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ولا سيما تلك المتعلقة بحقوق أسرى الحرب وحصانتهم.(22)
- تقسيم العالم إلى قسمين، قسم محب للسلام وقسم من أنصار الشر والإرهاب واتهام عدد من الدول بأنها من حلف الشر كونها تدعم الإرهاب في دعمها لحركات التحرير والمناضلين المجاهدين من أجل التخلص من نير الظلم والاحتلال والتهجير والقتل والتدمير.

لقد اتخذت الولايات المتحدة مجموعة من المواقف التي عكست رؤيتها للسياسة الدولية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول:
- بروز الإرهاب كعدو عالمي جديد، وطلب إلى كل دول العالم محاربة هذا العدو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وطبقاً لتوجهاتها وإملاءاتها.
- تمّ تجسيد هذا العدو تحت عنوان "الإرهاب الإسلامي"، وتم تحديد الجهات التي تعّد إرهابية، والقائمة مازالت بعد. وبدأت المواجهة مع اتهام أسامة ابن لادن وتنظيم القاعدة بتنفيذ عمليات 11 أيلول. ومع تنظيم القاعدة اعتبرت حركة طالبان ونظامها في أفغانستان شركاء في الإرهاب وجرت معاقبتهم بعنف بإسقاط نظامهم وتدمير قواعدهم وتنظيمهم في أفغانستان.
- أعادت الولايات المتحدة لهجتها القوية التي استخدمتها في أوائل الحرب الباردة (من ليس معنا فهو ضدنا).
- بعد أفغانستان أخذت الولايات المتحدة تعمل على القضاء على الخلايا الإرهابية خارج أفغانستان، ولكن ضمن سياسة لا تحتاج فيها إلى تدخل فعلي لأفراد من الجيش الأمريكي. وقد تمّ البدء بهذا في كل من: جورجيا، وباكستان، والفلبين، وأوزبكستان، واليمن. كما أطلقت يد شارون لتصفية المقاومة الفلسطينية باعتبارها حركات إرهابية. وقد كانت حملة إسرائيل شرسة للغاية ارتكبت فيها جرائم حرب تفوق التصور رافقه صمت أمريكي تام، ومواقف كلامية من الاتحاد الأوروبي، وعجز عربي تام.
- وفي أثناء ذلك كله بدأت معركة سياسية ثقافية اقتصادية ضد كل ما اعتبر إرهاباً وفقاً للتعريف الأمريكي. حتى إن الرئيس بوش طلب في خطابه بتاريخ 24/6/2002 من القادة العرب العمل على إزالة القواعد الخاصة بالتنظيمات الفلسطينية التي تعد من وجهة نظره قواعد إرهابية، وطلب منهم كذلك توجيه الإعلام بما يخدم سياسته في تعريف الإرهاب ومكافحته، فضلاً عن اشتراطه على الشعب الفلسطيني تغيير قيادته السياسية ومقاومة الحركات (الإرهابية) الإسلامية.

خاتمة:

وهكذا يمكن القول إنّ أهم خصائص البيئة الدولية في فترة ما قبل أحداث أيلول 2001، تتمثل في بروز الولايات المتحدة الأمريكية كقطب دولي أوحد لم يتم تبلوره بصورة نهائية، حيث وجدت الولايات المتحدة ذاتها أمام خيارين، الخيار الإمبراطوري القائم على الأحادية، أو خيار بناء نظام دولي من خلال التفاهم الدولي وقائم على التعاون الدولي والشراكة الأمنية والاقتصادية.(23) وكل الدلائل والوقائع تشير إلى أنّ ميل واشنطن كان باتجاه الخيار الأحادي "الإمبراطوري"، إلا أنها كانت تفتقد المبرر الذي تستطيع من خلاله التصرف بحرية مطلقة ودون رادع لفرض هذا التصوّر، إلى أن جاءّت أحداث أيلول 2001، والتي أعطت الولايات المتحدة الفرصة التاريخية لإعادة هيكلة النظام الدولي بما يلبّي مصالحها وأهدافها، وبما يكرّس الأحادية القطبية، وهذا ما سنتحدث عنه في سياق هذا المطلب.

المراجع:

1 - أبراش، إبراهيم(2005)، النظام الدولي والتباس مفهوم الشرعية الدولية، صحيفة منبر دينا الوطن، 16/8/2005،  الانترنت. 
2– هياجنة، عدنان محمد (1999)، دبلوماسية الدول العظمى في ظل النظام الدولي تجاه العالم العربي، ط1، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ص33.
3 -  انظر: A.F.K.Organski and Jacek Kugler , The War Ledger (Chicago:University of Chicago Press, 1980) and Waltz,op.cit.                                                                                    
4- الحديثي، هاني الياس(1998)، أهمية التعاون الإقليمي " دراسة في ضوء التغير في مراكز الاستقطاب الدولي"، دراسات استراتيجية،  بغداد: مركز الدراسات الدولية، العدد5، ص44.
5- المهيدي، سعيد عبد الله، النظام العالمي الجديد والعالم الإسلامي، رسالة تقريب، العدد37، شبكة النبأ المعلوماتية، ص 2.
6- فهمي، عبد القادر محمد(1995)، النظام السياسي الدولي" دراسة في الأصول والنظرية والخصائص المعاصرة"، بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، ص8.
7- فهمي، عبد القادر محمد(1995)، النظام السياسي الدولي" دراسة في الأصول والنظرية والخصائص المعاصرة"، مصدر سابق، ص8.
8- المهيدي، سعيد عبد الله، النظام العالمي الجديد والعالم الإسلامي، مصدر سابق، ص2.
9- داود، محمود السيد حسن(2003)، نظام الهيمنة الأمريكية والمقومات الدولية للصعود والسقوط، بحث منشور على موقع جامعة الأزهر. 
10- أبو حمود، حسن (1998)، علم الاجتماع السياسي، منشورات جامعة دمشق، ط2، ص29-30.
- 11Robert Gilpin, War and Change in World Politics , Cambridge University Press , 1981. pp.10-11.
12- الخولي، أسامة أمين(1998)، العرب والعولمة، بيروت، ص9.
13- سعودي، هالة(1996)، وآخرون، الوطن العربي والولايات المتحدة الأمريكية، القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، ص17. 
14- مهنا، محمد نصر(2006)، العلاقات الدولية بين الأمركة والعولمة، الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث، ص251.
15- كيسنجر، هنري(2002)، هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية ؟ نحو دبلوماسية للقرن الحادي والعشرين، ترجمة: عمر الأيوبي، بيروت: دار الكتاب العربي، ص9.
16- عبد الخالق، لهيب(2003)، بين انهيارين (الاستراتيجية الأمريكية الجديدة)، عمّان: الأهلية للنشر والتوزيع، ص50.
17- المجذوب، محمد(2003)، المتغيرات السياسية الدولية والنظام الدولي الجديد، ورقة مقدمة إلى ندوة النظام الإقليمي العربي وسط المتغيرات الدولية، مركز زايد العالمي للتنسيق والمتابعة، 4-5 مايو.
18- لوران، إريك(2003)، حرب آل بوش، ترجمة: سلمان حرفوش، بيروت: دار الخيال، ص121.
19- بريغمان، آهرون والطهري، جيهان(2004)، إسرائيل والعرب حرب الخمسين عاماً، ترجمة: علي هورو، بيروت: دار الفارابي، ص229.
20- نيكسون، ريتشارد(1999)، نصر بلا حرب، ترجمة محمد عبد الحليم أبو غزالة،القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، ص51-54.
21- صلوخ، فوزي(2002)، أمركة النظام العالمي الأخطار والتحديات، ط1، دار المنهل اللبناني، ص20-22.
22- أي خرق اتفاقات جنيف الأربع لعام 1949 التي ترعى تلك الحقوق.
23- غليون، برهان(2005)، العرب وعالم ما بعد 11أيلول، دمشق: دار الفكر، ط1، ص17.

لمحة قصيرة عن الكاتب:

الدكتور شاهر اسماعيل الشاهر، عضو اتحاد الكتاب العرب ومدرس في  جامعة دمشق - كلية العلوم السياسية  مدير المركز الوطني للبحوث والدراسات الشبابية في اتحاد شبيبة الثورة.
 

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  2019-05-10 18:20:39   عالم نحو الانقلاب على الروح البشرية
بعدتمحيص لواقع النظام الدولى منذ نشاته اى منذ اعتمدت سياقاته فى معاهدة وستفاليا. والى حينه وبقراءة معمقة استشرافية يبدو ما توصل الية ديفيد الكلتب البريطانى بعبارة موجزة ما يجري عليه النظام الدولى الجديد وهو تغيير المنظومة على المستوى القيمى بدرجةاولى مستفيدا من التورة الاتصالات الى درجة تشكل حالة من مسخ انسانى تسليع المعرفة والانسان ككينونة وهدا ايس بجديدفى افكار حكومةالظل ولكن بدا تتصح صورته
عبدالفتاح اعجال  
  2017-10-16 16:54:24   ما الحل - كيفيه دفاع الفرد - وليس الدوله
يعني في هذه الحاله لا مهرب علي كوكب الارض - بمعني ان الفرد الذي يقع لسبب او لاخر تحت وطأه ملاحقه النظام - لا مهرب له ولا حامي حتي من مؤسسات دولته.ولا حتي من المنظمات الارهابيه, لانهم جميعا يعملون لصالح النظام العالمي .
attyia  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz

Warning: Unknown: open(/var/cpanel/php/sessions/ea-php56/sess_0abd9q0f8u8qoe91sde3njvqg1, O_RDWR) failed: No space left on device (28) in Unknown on line 0

Warning: Unknown: Failed to write session data (files). Please verify that the current setting of session.save_path is correct (/var/cpanel/php/sessions/ea-php56) in Unknown on line 0