Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 26 نيسان 2024   الساعة 20:20:27
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
نحن أطفال يا وطني، أفقدونا البراءة .. بقلم سهى سليمان

دام برس :

نحن أطفال يتامى:

منذُ أن عرفتْ أصابعنا حاسةَ اللمسِ حمّلونا السيفَ يا أمي بدلاً من أن نحملَ القلمَ والدفتر، أردنا أن نرسمَ علمَ بلادنا وخارطة وطننا، أن نرسمَ الشجرَ والشمسَ والقمر، وأن نلوّنَ سنابلَ القمحِ بالأصفر، وأن نغدو أكبرَ وأكبر، حلمنا أن نحملَ على أكتافنا حقائبَنا ونملأها كتباً ودفاتر وأقلاماً وألواناً وقارورةَ ماءٍ و"عروسةَ" زيتٍ وزعتر، لكنهم حمّلونا بندقيةَ الخيانةِ والغدر، وعلّمونا حشوةَ القذيفة، والتصويبِ برصاصِ الحقدِ على أصدقائنا.

وددنا لو أطلقنا مدفعَ رمضان وقلنا الله أكبر عند كل مغيب، أن نصلي على الحبيب محمد (ص)، أردنا أن نقرعَ أجراسَ الكنائس، أن نتلو تراتيلَ الدعاء، أن نمجّدَ اسمَ الربِّ في كلّ صباحٍ ومساء، أن يعطينا آباؤنا "عيديةً" لنشتري بها حباتِ السكر، لكنهم جعلونا نطلقُ الصاروخَ وقذائفَ الهاونِ والـ "آر بي جي" وندمرُ بها صدرَ كل مؤمن، وأعطونا نقوداً لأننا حملنا السلاح ووجهناه إلى صدرِ أحبائنا بدلاً أن نوجههُ إلى صدرِ أعدائنا.

كنّا نحلمُ أن نظهرَ على شاشاتِ التلفازِ لتفوقنا بتعليمنا، أو لأننا نلنا جائزةَ الأوائلِ بالفيزياءِ أو الكيمياءِ أو الرياضيات أو حتى الرسمِ والموسيقا والفروسية، لكنّ صورنا انتشرت كأصغرِ قتلة ومجرمين، وكأطفالٍ امتطوا عربةَ الدوشكا والدبابةَ والمدفع.

أردنا أن نرنَّ جرسَ بابِ أصدقائنا لاصطحابهم الى المدرسة، أن ندافعَ عنهم في حضورِهم وغيابِهم، أن تحرسَ عيوننا مرضهم، أن نقسّمَ الطعامَ بين بعضنا، لكنهم جعلونا نضغطُ على زرِّ الألغامِ والتفجيرِ والحقد لنقسّمَ أشلاءَ أحبائنا على أرصفةِ الظلام، ووضعونا حراساً على حواجزِ الحقدِ والطغاة.

رغبنا أن ننتسبَ إلى مجموعةٍ فنية أو مؤسسةٍ علمية نعبّر من خلالها عن رأينا ونمارسُ هواياتنا، أن نقرأ حقوقَنا الطفولية وإنجازاتِ بلدنا وتطوره، لكنهم نسّبونا إلى كتائبَ وفصائلَ وألويةٍ مسلحة، وتعبنا من قراءةِ أسماءِ شهداء بلادي التي ربما قتلنا بعضهم، أو قراءةِ بياناتِ تبنّي التفجيرِ في مناطقِ السلام.

حلمنا أننا غنينا وعزفنا لحنَ العصافيرِ على آلاتنا الموسيقية، وقلّدنا أصواتَ من نحب، ولعبنا لعبةَ شدِّ الحبلِ مع الأصدقاء، لكنهم جعلونا نكبّرَ على رأسِ من نقتله، وننفذُ حكمَ الشنقِ وشدِّ الحبلِ على رقابِ الأبرياء.

اعتقدنا أننا عندما نحملُ سلاحاً ونضغطُ على الزنادِ أنه مجردَ لعبةٍ لعبناها في الصغر، ومثّلنا فيه دورَ القاتلِ والقتيل، لم نعتقد أن هذهِ اللعبةِ أصبحتْ حقيقة، وعندما نطلقُ النارَ من المسدسِ ستخرجُ رصاصةَ حقيقةً وتصيبُ قلبَ أولادِ بلدنا أو ربما أحدِ أقاربنا أو جيراننا.

نحنُ أطفالٌ حالمون:

وددنا لو ربطنا ضفائرنا بشرائطَ وردية، أو نلبسَ فساتين بيض وحمر لنتباهى بها أمامَ صديقاتنا، أردنا أن نلبسَ أساورَ و أطواقاً، لكنهم قصّوا لنا شعرنا، وقيّدوا معاصمَنا بسلاسلِ الألمِ والكرهِ والطائفية، وألبسونا ثوبَ العارِ وأحزمةً ناسفةً دونَ أن نشعر.

حلمنا أن ننالَ جائزةً في الرقصِ على الجليدِ أو أن نمثّلَ دورَ "سندريلا" في مسرحيةٍ كرتونية، أو حتى أن نمارسَ هوايةَ الطبخِ مع أمهاتنا ونشاركهن تقطيعَ الخضار ونتعلم منهن دروساً في المنزل، لكنهم جعلونا ندسَّ السمَّ في طعامِ أخوتنا وأصدقائنا في الوطن.

آه كم رسمنا في مخيلتنا مدرسةً جدرانُها ملونةً وباحتُها رحبة، فيها ألعابٌ وتسلية، نتلقى فيها دروسَ المحبةِ والخيرِ والعلمِ والمعرفة؟ لم نعتقد أننا سنعيشُ في مخيمٍ وتُزرعُ في عقولنا أفكارُ عقيدةِ الجهادِ المزيفِ والكرهِ والحقد والطائفية.

كم تسابقنا لإمساكِ طائرةٍ ورقية لنعلّيها في السماء، أو لالتقاطِ عصفورٍ صغير، أو حمامةٍ بيضاء، أو تشاجرنا لمتابعةِ برامجَ الأطفال؟ لكنهم جعلونا نتسابقُ على التقاطِ فوارغَ الرصاص، ونتابعُ فيديوهات القتلِ والتنكيلِ والخرابِ في بلادنا.

كم تعلمنا من أجدادنا أن نحمي الأصدقاءَ من الغدر، وأن نمنعَ اللسانَ أو العينَ أن تنمَّ على أحد؟ لكنهم جعلونا جواسيس لنقلِ الخرابِ والخيانة.

كم جلسنا كلَّ مساءٍ لنخططَ للخروجِ برحلةٍ في الغدِ إلى ساحلِ بلادنا أو جبالها، إلى أثارها وحضارتها العريقة؟ لكنهم جندونا لتدميرِ المساجدِ والكنائسِ والأوابدِ الأثرية، علمونا الشتيمة، ونادينا بشعاراتٍ لا نعي منها شيئاً.

نحنُ أطفالٌ أبرياء، على يقين أن الربُّ غافر، فهل تغفرون أيها البشر؟

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz