الخلافات بين دولتي السعودية والإمارات من جهة ودولة قطر من جهة أخرى، لا تخفى على أي متابع للشأن الخليجي، وهي ليست وليدة اللحظة، ولكنها تفاقمت منذ إندلاع ثورة الربيع العربي في عدد من دول المنطقة، إذ يعتبر الربيع العربي بالنسبة لدول الخليج – ما عدا قطر – كابوس مفزع ومصدر قلق ورعب، فإستمرار هذا التأزم فى علاقات تلك الدول مع قطر، قد يكون المسمار الأخير فى نعش المنظومة الخليجية التي أصيبت بإنتكاسات عديدة طوال الأعوام الماضية.

إن سحب كل من السعودية والإمارات والبحرين سفرائها لدى قطر، إجراء متوقع إزاء حالة الإحتقان في مجلس التعاون الخليجي، ونتيجة تدهور العلاقات مع الدوحة بشأن الحالة السورية والمصرية، ويعتبر هذا القرار بأنه أقوى ضربة يتلقاها المجلس منذ نشأته، رغم وجود تشابه كبير بين أنظمة الحكم في معظم دول الخليج، بمعنى إن مصر وسوريا هما مربط الفرس في المشكلة الخليجية، نظراً لإختلاف رؤية معظم دول المجلس بشأنهما عن رؤية قطر.

مما لا شك فيه هناك جملة من المؤشرات تبيّن أن مسار العلاقات الخليجية- الخليجية ينحو نحو التراجع، وربما ينتهي إلى تفكك هذا التنظيم الإقليمي القائم منذ 25 أيار 1981، وذلك بسبب الخلافات حول قضايا عدة، ومن هذه المؤشرات التي تهدد صمود هذا المجلس:  إنحياز قطر للرئيس المصري السابق محمد مرسي ودعم الإخوان المسلمين، وإصرار قطر على إبقاء القرضاوي خطيباً لمسجد عمر بن عبدالعزيز وعدم إسكاتها لقناة الجزيرة وشن حملات على كل من الإمارات والسعودية، ويعلم الجميع أنه لا يمكن لقناة الجزيرة ولا القرضاوي الهجوم على هاتين الدولتين من دون ضوء أخضر من السلطات القطرية، مقابل ذلك، إن كل من الإمارات والسعودية، تعتبر جماعة الإخوان المسلمين خطراً حقيقياً يهدد أنظمة الحكم لديها، على عكس الرؤية السياسية لدولة قطر المطالبة بإستيعاب جميع التيارات السياسية، فضلاً عن دعم السعودية حركة المشير عبد الفتاح السيسي في 30 حزيران ضد الإخوان المسلمين، وبالتالي كان الخلاف  قادماً لا محالة.

بعد أن أكدت قطر ولو بشكل غير رسمي أنها لن ترضخ للضغوطات السعودية والإماراتية البحرينية بشأن تغيير سياستها الخارجية، أصبح من المرجح أن مجلس التعاون الخليجي، الذي كان إلى وقت قريب أكثر التجمعات الإقليمية العربية إنسجاماً، مهدداً بالتفكك، خاصة أن سلطنة عمان التي سبق أن هددت بالإنسحاب من المجلس ترفض الإنحياز للبلدان الثلاثة ضد قطر، في حين تفضل الكويت البقاء على الحياد ولعب دور الوسيط بينهما، ولا تنوي الدول الخليجية الثلاث الإكتفاء بسحب سفرائها من الدوحة، بل تعزم تصعيد الموقف إلى أكثر من ذلك، من خلال سعي هذه الدول إلى عدم دعوة الدوحة لأي من المناسبات أو المنتديات أو المؤتمرات التي تخص دول مجلس التعاون، بالإضافة الى منع الطائرات القطرية من التحليق فوق الدول الثلاث، ما قد يكبد الطيران القطري خسائر كبيرة.

لهذا اقول إنه يوجد في هذه المرة مؤشران أساسيان ينذران بإن المستقبل الخليجي يمر بمرحلة انعطاف مغايرة تماماً، أولها أن ردة الفعل الخليجية شديدة بإمتياز، والثاني إن البيان الوزاري صدر مباشرة بعد تفجيرات البحرين بساعات قليلة.

وأخيراً ربما يمكنني القول إن سحب السفراء رسالة تحذيرية قوية، تنذر بمزيد من التداعيات، في حال عدم تغيير الموقف القطري، قد يؤدى الأمر الى تفكك مجلس التعاون الخليجي وفرض عزلة على قطر وقد تتطور الأمور إلى إغلاق المجال البري وحتى الجوي،  وهذا قد يدفع قطر لتوثيق علاقاتها مع دول أخرى، منافسة للسعودية والإمارات، كإيران وتركيا، فضلاً عن إن منطقة الخليج مقبلة على تحالفات خليجية عربية وتكتلات سياسية جديدة تبدأ بمجلس تعاون جديد يضم السعودية والإمارات والكويت والبحرين، بالإضافة إلى مصر والأردن، وسيكون بينهما تعاون مشترك في المجال العسكري وتبادل المصالح في عدد من المجالات الأخرى.

 

كل ماورد في المقال يعبر عن رأي كاتبه