Logo Dampress

آخر تحديث : الاثنين 29 نيسان 2024   الساعة 22:07:35
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
هل ركبت الولايات المتحدة الأمريكية قطار التقسيم ؟ بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي
دام برس : دام برس | هل ركبت الولايات المتحدة الأمريكية قطار التقسيم ؟ بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي

دام برس:

من ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية التي تتبع بوصلة مصالحها تقديم الدعم للإنفصاليين والمطالبين بالإستقلال وتقسيم الدول، ولطالما كان المسؤولين الأمريكيين يلجأون إلى دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها وذلك في إطار الدفع قدماً في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وظفت أمريكا كل إمكانياتها، المادية والعسكرية لإثارة الفتن الطائفية والمذهبية والقومية، في أماكن عدة من العالم خدمة لأهدافها العدوانية والإستعمارية، وخاصة بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي، وإستطاعت أن تقسم يوغسلافيا ودول أخرى إلى دول صغيرة، وأن تشعل حروباً أهلية في دول ومناطق عدة من العالم والوطن العربي، وما زالت مستمرة في هذا النهج حتى يومنا هذا، فالولايات المتحدة الأمريكية تواجه اليوم هي نفسها خطر التقسيم لطالما عملت جاهدة خلال قرون على بسط سيطرتها على العالم عبر تقسيمه وتجزئته.
ما يقارب نصف الشبان الأمريكيين يعتبرون الإنفصال حق لكل الولايات الأمريكية، وبحسب إستطلاعات سابقة لمؤسسة ميدلبوري وشركة زوكبي فإن عدد كبير من الأشخاص البالغين في أمريكا يعتقدون أن بإمكان أي ولاية أو مقاطعة الإنفصال عن أمريكا والتحول إلى جمهورية مستقلة عبر الطرق السلمية، فالأرقام المطروحة كانت متطابقة في كل الفئات العمرية التي شملتها الإستطلاعات وهذا مؤشر على أن الجيل الجديد يميل أكثر إلى الحركات الإنفصالية في أمريكا ويرغبون بمنح حق الإنفصال للولايات والمقاطعات داخل الولايات المتحدة.
كاليفورنيا التي كانت تعد نجماً للتفاؤل والإنجاز في أميركا، ومنارة الفرص للموهوبين والمغامرين من مختلف أنحاء العالم، أصبحت اليوم بمثابة صورة توضيحية للمصاعب التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية والمدى الذي قد تصل إليه الأمور من سوء في الداخل الأمريكي، ويؤكد المروجون للمشروع التقسيمي بأن كاليفورنيا كانت على وشك أن تقسم إلى ولايتين في القرن التاسع عشر لكن تم التخلي عن المشروع بسبب حرب الإنفصال.
وفي سياق متصل تعتبر كاليفورنيا الأكثر تنوعاً في الولايات المتحدة، وتمثل التجربة الإجتماعية الأضخم في تاريخ البشرية، فهي تجلب أناساً ينتمون إلى مختلف الخلفيات لكي يتعايشوا معاً على نحو لا يمكن تصوره في بعض دول العالم، وتشكل  مسألة كيفية صياغة مجتمع واحد من ولاية بهذا القدر من التنوع تحدياً صعباً داخل أمريكا، يقول بعض أصحاب النفوذ الأمريكيين، إن الولاية تحتاج إلى دستور جديد يحد من مبادرات الإقتراع ويجعل تمرير الميزانية أمراً أكثر سهولة، وفي الطرف الآخر يصر بعض المفكرين الأكثر تطرفاً على أن كاليفورنيا غير قابلة للحكم ولابد من تقسيمها إلى أكثر من ولاية، وهذا يتطلب بطبيعة الحال موافقة الحكومة الفيدرالية في واشنطن.
وبموازاة ذلك نجح المستثمر الأمريكي تيم درابر في الحصول على موافقة لجمع توقيعات لدعم مشروعه لتقسيم ولاية كاليفورنيا إلى ست ولايات مختلفة، منها ولاية خاصة بوادي السيليكون التي ينتمي إليها، وفي حال نجح في جمع ما يزيد على ثمانمائة ألف توقيع  يستطيع أن يحصل على الموافقة النهائية لتقديم مشروعه في إستفتاء شعبي تمهيداً لإقراره،
وتشمل الولايات "وادي السيليكون" في جنوب سان فرانسيسكو، و"كاليفورنيا الجنوبية" حول سان دييغو، و"كاليفورنيا الشمالية" في ساكرامنتو، و"كاليفورنيا الغربية" في لوس أنجلوس، و"كاليفورنيا الوسطى" في فريسنو، و"جيفرسون" في شمال كاليفورنيا، وقال درابر إن تحويل كاليفورنيا إلى هذه الولايات سيجعل إدارتها أسهل، ويعود بالنفع على جميع السكان فيها، خاصة أن التقسيم سيسهل تقديم الخدمات لجميع سكان ولاية كاليفورنيا الحالية ويرفع من كفاءتها، حسب تعبيره.
وفي السياق ذاته يرى منتقدون أن كاليفورنيا التي يبلغ حجم إقتصادها 2.1 تريليون دولار، أي أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا، وما يعادل ناتج ولاية فيرمونت 80 مرة، من الضخامة، أصبحت غير قادرة على الاستجابة لمشكلاتها المحلية، بمعنى إن كاليفورنيا أكثر ولاية دافعة للضرائب وهذا ما يولد مزيداً من المغتاظين، الذين يشكلون الأرضية المناسبة والخصبة لتقسيم كاليفورنيا الى ولايات متعددة.
فاليوم نعيش في عالم بناه عمالقة الإنترنت من وادي السليكون، ويسعى هذا الوادي حالياً ليكون جزءاً من العالم أو على الأقل بعض أهله يريدون ذلك، وقام مؤخراً بلاجي أس سرينفاسان المستثمر والمحاضر في جامعة ستانفورد بدعوة شركات صناعة التكنولوجيا الى الإستقلال عن أميركا وتكوين دولة خاصة بها تسمى وادي السليكون، كون رؤيا الإنفصال شائعة بين فاحشي الثراء من نخبة صناع الإنترنت، فالرئيس التنفيذي لغوغل قال انه يريد عزل جزء صغير من العالم يكون معفى من القوانين والضوابط التي تعيق التكنولوجيا والأعمال، أماكن آمنة، يمكن تجربة أشياء جديدة فيها وإكتشاف أثر ذلك على البشرية دون الحاجة الى تطبيق أمور العالم التقليدي.
وهنا يمكنني القول إن الولايات المتحدة الأمريكية هي عبارة عن شركات عملاقة بمعنى أن الوجود الحقيقي هو سلطة هذه الشركات التي تتحكم بسلطة القرار وتوجيهه بما يخدم مصالحها، أما الدول أو الكيانات السياسية فهي لا تعدو أن تكون مجرد أدوات لخدمة تحقيق أهداف ومصالح هذه الشركات وهذا ما يعيشه العالم الآن وتطبيقاته واضحة على كل المستويات ولعل إحتلال العراق مثال صارخ وشاهد على ذلك.
وتشير الأبحاث العرقية للإستطلاع إلى أن أكثرية الأعراق تدعم منح حق الإستقلال للولايات التي ترغب بذلك، وهناك نسبة كبيرة من المواطنين البيض أكدوا دعمهم لمنح حق الإنفصال للولايات والمقاطعات عبر الطرق السلمية، في حين إعتقد نصف الذين شملهم الإستطلاع أن النظام السياسي والإنتخابي للحزبين لم يعد فاعلاً في إدارة المجتمع الأمريكي كما أعلن 35% من الشبان الأمريكيين الأفارقة الأمريكيين بأنهم سيدعمون مساعي إنفصال الولايات أو المقاطعات التي يقطونها ويعيشون فيها.
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إن الولايات المتحدة الأمريكية بكل ما تمتلكه من مقومات القوة على إختلاف مسمياتها سواء كانت إقتصادية أو عسكرية أو تكنولوجية وغيرها، تحمل في ذات الوقت عوامل ضعفها ومقدمات نهايتها، وهذا ما تحاول الطبقة السياسية فيها الإلتفاف عليها وتعطيلها لاسيما بتوجيه أنظار كل مكونات الشعوب التي تتكون منها هذه الدولة إلى ما يجمعهم عن طريق إشعار الجميع بوجود مخاطر وأعداء خارجيين يستهدفونهم بشكل مستمر.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن  مكونات الشعوب الأمريكية كانت وستبقى أهم وأخطر نقاط ضعف أمريكا فهذه الدولة تتكون من  مجتمعات هجينة جمعت بإطار سياسي مصلحي متين، إلا أنه في حقيقة الأمر واهن وضعيف، وبالتالي إن من حسن حظ الأمريكان أن خصومهم لا يعرفون كيف يستغلون نقاط الضعف هذه عدا ما أسلفت الإشارة إليه وهو قيام الإدارات التنفيذية (الإدارات الأمريكية) بخلق أعداء الخارجين الذين يسهمون بإيجاد فرصه توحيد كل هذه المكونات لمواجهة التهديد الخارجي، فأمريكا تتكون من خليط من الأجناس والأعراق والأديان والطوائف فهناك الهنود الحمر وهناك السود الأفارقة و الأسيويين والعرب إضافة إلى من هاجر من أوربا وإستوطن في القارة، ومحصلة ذلك إن كل مكون من هذه المكونات  يحمل عاداته وتقاليده ومشاكله وإمتداداته مع المجتمعات التي جاءوا منها، بمعنى أن جميع هؤلاء ورغم كل ما تبذله المؤسسات الأمريكية المعنية لم يتم صهرهم في بوتقة واحدة، وأنهم لم يتوحدوا إلا بشعورهم أن هناك خطر يتهددهم جميعاً وبإستمرار.
Khaym1979@yahoo.com
 

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz