دام برس:
لا بد أن تعود بنا الذاكرة و نحن نغادر السنة السادسة و الخمسين على إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة في الثاني و العشرين من شباط لعام 1958 ، لقد عشنا تلك المرحلة التي استطاعت فيها القوى الوطنية و القومية انجاز أول وحدة عربية حقيقية في التاريخ المعاصر تحققت بقيام الجمهورية العربية المتحدة ، لا بد في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة العربية من العودة و توضيح بعض النقاط الهامة التي ميزت المرحلة التاريخية من النصف الثاني للقرن العشرين ، و التي تميزت بانتصار القوى الوطنية و الفكر القومي و التي أفشلت كل محاولات أمريكا و بريطانيا و فرنسا و إسرائيل لتطويق المارد العربي الذي انطلق من عقاله بقيام ثورة الثالث و العشرين من تموز عام 1952 و التي قام بها الضباط الأحرار في مصر بقيادة القائد جمال عبد الناصر ، قد تتسائل الأجيال الحاضرة ؟؟ التي لم تشهد و لم تعاصر الإنتصارات القومية لماذا ترفع صور القائد جمال عبد الناصر بعد مرور اربعةٍ و أربعين عاماً على رحيله ، أليس في ذلك مدعاةٌ للإستغراب و قد رحل قبله و رحل بعده العديد من الرؤساء و القادة في العالم و في العالم العربي و لم يخلدوا ذلك الذكر و لم يحظوا بذلك الإهتمام ، قد يتميزُ جيلنا بأنه لامسَ و عاش الإنتصارات المتلاحقة التي حققتها القيادةُ الفذة للرئيس جمال عبد الناصر و التي كان لها الأثر الكبير في التفاف جماهير الشارع العربي من المحيط إلى الخليج حول زعامتة و التي اعترف له الأعداء قبل الأصدقاء بنظافة اليد و نقاء السريرة .
لقد اتسمت مرحلة ما بعد الاستقلال في سوريا بصراعات عديدة ما بين القوى المحليةِ المختلفة ذات المصالح المتياينة و بدون شك تميزت تلك المرحلة أيضاً بترسيخ أسس الديمقراطية و تشكيل الأحزاب السياسية و شرعية صندوق الانتخاب إلا أن المؤامرات التي كانت تحاك ضد سورية و التي تميزت في تلك الحقبة بما اصطلح على تسميتها بمعارك الأحلاف ( حلف بغداد ) و التي كانت تهدف إلى إبعاد المشرق العربي عن مغربه و محاولة تطويق المد الثوري الذي أفرزته نجاحات ثورة 23 تموز يوليو 1952 و التي تجلت بالقضاء على الاستعمار و أعوانه في مصر و رحيل القوات البريطانية المستعمرة بعد سبعين عاماً من الاستعمار ، و كيفَ ردت القيادة الثورية الناصرية على سحب البنك الدولي لعرضه بتزويد مصر بالمعونات اللازمة لبناء السد العالي بتأميم قناة السويس الذي أفقد القوى الاستعمارية صوابها و قامت بالعدوان الثلاثي العسكري على مصر لاستعادة السيطرة على القناة ، و لكن ثبات القيادةِ الناصرية و استبسال القوات المصرية و جماهير الشعب المصري في الدفاع عن مصر الكنانة أدى إلى دحرِ العدوان و تثبيت أقدامِ الثوار ، و كل تلك الانتصارات جعلت من ثورة الثالث و العشرين من تموز قبلةً للمناضلين العرب و أنصار الحرية في كل مكان و لم تجد القوى الوطنية السورية مناصاً من مد جسور الوحدة و التلاقي مع الشقيقة الكبرى مصر بقيادتها الفذة .
نعم لقد فامت وحدة 1958 و أعلنها الرئيسان شكري القوتلي و جمال عبد الناصر في الثاني و العشرين من شباط و توالت المؤامرات على الجمهورية العربية المتحدة إلى أن استطاعت القوى المتآمرة في صباح الثامن و العشرين من أيلول 1961 ذلك اليوم الأسود في تاريخ سورية و في تاريخ الأمة العربية حيث ذبحت الوحدة بأيدي أبنائها و ما زالت تذبح حتى يومنا هذا ، و انتصرت بكل أسف الاقليمية و المذهبية و العشائرية و الشعوبية ، و هذه سورية اليوم مثخنةً بجراحها لا يلتئم لها جرح و هي تنعي شهدائها كل يوم من كل مكونات الشعب السوري ، رغم شعورِ كلِ مواطنٍ سوري بجسامة الخطب ، و بالدماء التي تراق و من كلِ الاتجاهات و التيارات و رغم الإرهاب الذي عم البلاد و التدخلاتٍ لا تتوقف من كل القوى الإقليمية و الدولية و التي تحركها مصالحها الخاصة و التي لا تعطي أي اهتمام لمصالح الشعب السوري الجريح ،
نقف اليوم لننظر و نحلل و نتسائل هل هناك من طريقٌ للخلاص ، نحن نعتقد أن ما تعانيه سورية اليوم بكلِ مكوناتها كانت بدايته في مؤامرة الانفصال ، و أن أعداء الأمة العربية قد استجمعوا قواهم و خططوا و نفذوا ، و الأكثر من ذلك استطاعوا النفوذ إلى العقلِ العربي حتى لا تقوم لهذه الأمةِ قائمةً بعد تدمير الوحدة و أصبح التفكير في الوحدة ضرباً من الخيال ، نحن لا زلنا نعتقد بأن الخلاص لهذه الأمة لن يكون إلا باستعادة عزيمتها و توحيد رؤيتها ، و بناء دولتها الواحدة في هذه المنطقة الهامة جداً من العالم ، و لا بد لنا أن نذكر بأن كل انتصارات الأمة العربية لم تتحقق في أي يومٍ من الأيام إلا بوحدة مشرق العرب و مغربه و في لقاءِ سوريةَ مع مصر .
لقد فشلت كل الجهود المبذولة حتى الآن في استعادة الوئام و السلم الأهلي في سورية الغالية و لا يمكن تفسير هذا الفشل إلا في سيطرة النزعة المصلحيةِ الشخصية لدى الفرقاء ، و لم يعد كافياً الإدعاء بالالتزام و التمسك بحضور مؤتمر جنيف 2 و القبول بتوصيات جنيف 1 الصريحةِ و الواضحة ، و أخيراً فإننا نحسب أن حل القضية السورية لن يتحقق إلا بيد أبنائها عندما تتوفر الرغبة و النية الصادقة في الحل العادل و الذي تتحقق فيه المصلحةُ المتوازنة لكلِ الفرقاء ، لقد كان المؤمل أن يكون جنيف 2 و ما يتلوه مدخلاً مناسباً لانعقادِ مؤتمرٍ وطنيٍ شامل يضم كل الفعاليات السياسية و الوطنية في الداخلِ و الخارج و تحت رعايةٍ دولية ، بستطيع فيه السوريون أن يصلوا إلى قواسم مشتركة تنقذ الوطن و المواطن مما آلت إليه التداعيات ، و سنبقى نكرر الدعوة لهذا المؤتمر و ما لم يتحقق ذلك ستبقى آمال و أحلام السوريين في مهب الريح تتقاذفها المصالح الدولية و الإقليمية للقوى المحيطة و التي لا تقيم وزناً إلا لمصالحها على حساب مصالح الشعب السوري الجريح .