دام برس- إيرينا الشرع:

الحضارة السورية حضارة عمرها آلاف السنين, منذ عامين وهي تتعرض للنهب والسلب والاغتصاب من قبل جماعات تكفيرية لا تستطيع التمييز بين حجر عادي وتمثال عمره آلاف السنين نحتته اليد السورية, ولا يعرفون معنى حضارة جذورها ممتدة في الزمن يعود تاريخها إلى 14 آلف سنة، سوريا مهد الحضارات منها خرجت أولى الأبجديات وأولى التشريعات وأعظم القادة العسكريين حضارة أنجبت أعظم أباطرة روما وملوكها،وأعظم مهندسين العالم ومنهم مصممي الأهرامات المصرية, وفيها دمشق أقدم عاصمة مأهولة في العالم, وفيها حلب أقدم مدينة في العالم , عدا عن العديد من الآثار التي يعود تاريخها إلى ما يزيد عن ثمانية آلاف عام قبل الميلاد، ويبلغ عدد الحضارات التي تواجدت وتعاقبت على الأرض السورية أربعين حضارة،وحسب العديد من الموسوعات العالمية يعتبر علماء الآثار سورية مركز أقدم الحضارات على وجه الأرض حيث تتالت عليها الممالك مثل إيبلا وماريوأوغاريت وراميتا والبارة ودورا أوربوس وسرجيلا وكرك بيزة وجرارةوقاطورة وعين دارة وشمس وباصوفان وأرواد وقطنا وشهبا وبصرى وقنواتوصلخد وأفاميا وغيرها من الممالك.‏ والجدير ذكره أن عدد المتاحف في سورية 40 متحف ، وعدد المواقع الأثرية 10 آلاف موقع.

سعت الجماعات التكفيرية لطمس كل هذا المجد ومحي تاريخ الحضارة السورية وعملت على نهب كنوز أثرية من مواقع تاريخية مميزة وباختفاء هذه الآثار يختفي معها جزء من التاريخ السوري، الآن في سوريا يقاتل الجيش والشعب كي لا يأتي الضلاليون والظلاميون ويمحون نور الحضارة كما حصلتماما في العراق، فيمحى تاريخ الشرق وتدفن ذاكرة الزمان والإنسان. وراء كل هذه الفوضى من سرقة للآثار وبيعها لشراء السلاح جهد منظم ومغطى ومدعوم لإفراغ البلد من تاريخه وحضارته, تاريخ سنبكيه ونندبه غدا عندما نرى آثارنا في متاحف اسطنبول وتل أبيب تنطق بلغة وحضارة غير لغةحضارتها السورية.

في سوريا تتعرّض الكنائس والأديرة والجوامع التي تعود إلى مئات السنينبل آلاف السنين، للهدم على يد الأصوليين الذين يعيثون فيها نهباً قبل تدميرهاكما حصل في معلولا والرقة عندما قام الإرهابيون بكسر الصليب ورفع "رايةداعش" مكانه وهذا ما حصل في كنيستي سيدة البشارة للروم الكاثوليكوكنيسة الشهداء الأرمن في مدينة الرقة، وقاموا بحرق محتويات الكنيسة من صلبان ولوحات وتماثيل، و استند حرق الكنائس في مدينة الرقة إلى فتوى شرعية أطلقها أحد الإرهابيين من غير السوريين.

ومن الأماكن الأثرية التي تضررت بفعل هذه المجموعات الإرهابية المتشددة القلاع والحصون مثل المضيق، والحصن، وشيزر، والرحبة، ومدخل قلعة حلب وبرجها الشمالي والجامع الأموي وأسواق حلب التاريخية، وفي حمص تضررت كنيسة أم الزنار(ويقال أنها سويت بالأرض بعدما نهبها الأصوليّون)، إضافة إلى كنائس أخرى، وبعض الأسواق القديمة في المدينة, وفي درعا دمّرجامع الحراك الأثري وطالت الأضرار مدينة بصرى المدرجة على لائحة التراث العالمي، وكذلك مبنى مبرك الناقة، ومعبد حوريات الماء (المسمّى شعبياً سرير بنت الملك)، والساكف الوحيد المتبقي فوق الأعمدة، وبعض البيوت القديمة,وفي مدينة تدمر تضرر الجدار الداخلي للواجهة الغربية لمعبد بل.

من المستفيد؟

يمكن تقسيم المجموعات المشتركة والمستفيدة بصورة مباشرة أو غير مباشرةمن سرقة تاريخنا إلى عدة مجموعات أولها: المستفيدون ماديا وبائعو الضمائر الذين قبلوا خيانة وطنهم وبيع  تراثه وكنوزه ومحو تاريخه مقابل أجور مالية.

المجموعة الثانية: السلفيون والوهابيون التكفيريون الذين يروجون أن هذه الآثار ما هي إلا عبارة عن أصنام وجب تحطيمها والتخلص منها وهدمها كي لا يعمد الناس إلى عبادتها، وهذه طبعاً تعاليم محمد بن عبد الوهاب السعودي. وهذا ما حصل سابقا في أفغانستان من خلال تدمير تماثيل بوذا من قبل حركة طالبان، وحاليا ً في تونس بعد استلام حزب النهضة المتدين للسلطة وهدمه بعض التراث التونسي من قبل أتباعه، وما حصل أيضا ً في معرة النعمان حيث تم قطع رأس تمثال أبي العلاء المعري، واختفاء حوالي 20 إلى 30 من الفخاريات من متحف معرة النعمان.

المجموعة الثالثة: أخطر المجموعات على الإطلاق لأنها تملك هدف ذو بعد تاريخي، ديني، استيطاني، قومي وعنصري، تسعى من خلاله إلى إحلالتاريخ شعب محل تاريخ شعب آخر، وهذه المجموعة تستغل الانحطاطالأخلاقي للمجموعة الأولى وجهل وغباء وسذاجة المجموعة الثانية وتغذي كليهما بالمال والفكر المسموم المسيء للدين والتراث كي تصل لغايتها الكبيرة المستقبلية بالسيطرة على الأمة السورية.

عقد مؤخرا في باريس مؤتمر لبحث الواقع الراهن للآثار السورية بدعوة من اليونسكو تحدث عن مستوى الخطورة الذي يتعرض له قطاع الآثار والمتاحف لكن ما الفائدة من عقد مثل هذه المؤتمرات دون تنفيذ، فالقانون الدولي المتعلق بمحاسبة الدول التي ساعدت وهربت الآثار قائم على الأخلاق فخلال الاحتلالالأميركي للعراق رأينا مدى رقي الأمريكان وتحضرهم وكيف قاموا بحماية الآثار العراقية من خلال جعلها عرضة للنهب والسلب وخاصة متحف بغداد، ماالسبب خلف سرقة الآثار هل هي عقدة النقص التي تعاني منها أميركا التي سلبت أرض الهنود الحمر والآن جاء دور الحضارات الأخرى؟ أم هذا موروث ثقافي لدى الكوبوي الأميركي المبني على القتل والحقد ؟ لماذا الآثار تسيل لعابهم فبعد أفغانستان والعراق سوريا؟! الآن أثارنا  في الأسواق العالمية بفضل الجهود التركية والأردنية لتهريبها عبر أراضيها إلى الخارج وغيرها من الدول التي تقدم العون والمساعدة، وبالتالي تعمل على تسريب الإرهابيين إلى الداخل السوري. والشيء الوحيد والحقيقي هو أن تراث وآثار الشعوب ..هي ملك للشعوب وحدها وهي القادرة على حمايتها.