دام برس - رنا عبد الكريم علي:
دائماً أدركتُ أن سورية قادرة على المواجهة، فمنذ أن تبنّتِ القضيةَ الفلسطينيةَ عام 1948 وهي من يقف في وجه أمريكا والكيان الصهيوني، وتحاول -على الأقل- جعل الوطن العربي واحداً، وإن كان الهدف القومي جعله موحّداً..
سورية الآن تتمخض عن عذاباتها إفرازات شائكة.. متشابكة.. لا لون لها غير الدم، وأيّ دم!!!! دمُ ولادةِ سورية القوية التي أثبتت لكل من حاول طعن قوتها بأنها من بقي منضلاً في الساح الكبيرة ضد الظلم والقهر والعنف، وطالبت بأن يكون العرب عروبيين، قوميين، نابضين بما نبض به أباء العز والمجد، وسعت سوريّتي إلى أن يكون الوطن نبضةَ قلب، إحساساً، حباً مغروساً بالوجدان، إلا أن ما يحدث الآن هو أقرب إلى فيلم درامي ... مونولجي سيّء.. فتبّاً لمَ اكتشفت!!!!
..
جمال عبد الناصر قالها في دمشق (قلب العروبة النابض)، وكان هذا هو الموقف العربي العروبي القومي الوحيد لصالح سورية... الآن ذهب الموقف وبقيالموقع، وإن كانت المواقف المعادية قد زادت كاهل الياسمين عبئاً، وفي كل هذه الفوضى.. ظهر القيصر الروسي ليزيح (القطب الواحد) عن عرش محاولة السيادة على الشرق الأوسط.. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاعب ماهر، أحرز هدفاً مكّنه من استعادة أمجاد روسيا العظمى، وصارت روسيا قوة (داخل الشرق الأوسط) باستخدام الدهاء والمكر عملاً بالمثل القائل (الدهاء هو بلع الغصة وتحيّن الفرصة)...
وجاءت الفرصة التاريخية لروسيا واحتفل بوتين ولافروف بنهاية (أفضل أسبوع) لهم منذ ماينوف عن العامين (ظاهرياً).. فقد استطاعت موسكو بناء (المبادرة) بدعم من القاهرة إلى بيروت وصولاً لدمشق بمنتهى الهدوء والحذر...وهذا ما جعل (أوباما) يبتسم بامتعاض ولسان حاله يقول (ماذا أنا فاعل؟!!!)
ماذا ستفعل؟!!!!!!!!!
سؤال بالكاد له إجابات، فلا جواب له إلا (التراجع) أمام هذا التوازن الدبلوماسي الذي صنعه بوتين حين استثمر وجود روسيا في الشرق الأوسط، وبنى العلاقات الاستراتيجية مع خاصرة سورية (لبنان) وتحديداً مع الروم الأرثوذكس، تلك الطائفة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية.. فماذا يريد السوريون بعد!؟
...
أوباما وقع في الفخ عندما تعهد بضرب سورية، وحتى حين أعلن العام الماضي عن التحرك في حال تجاوزت سورية الخطوط الحمر واستخدمت السلاح الكيماوي، ولكنه منذ ذلك الحين وهو يسعى (للتملص) من تهديده... وكل هذا الصخب الحاصل في نقاشات وحوارات العامة عند طرح (النقاط السياسة) على الطاولة ماهو إلا (صرعة) لم يألفوها بعد، فدوماً الأزمات تكشف المستور في المجتمعات، وكل هذا التفسّخ في البنى الاجتماعية ليس وليد اللحظة اللحظة الآنية فقط، بل هو تلك النتيجة التراكيمة والمخزونية والمنطقية لما كان يحدث في الزوايا والدهاليز الخفية للمجتمع.. هذا المجتمع الذي ذكره شكري القوتلي وهو يسّلم الإقليم الشمالي (سورية) للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فقد قال له:
((أنت لا تعرف ماذا أخذت يا سيادة الرئيس!!!!! أنت أخذت شعباً يعتقد كل من فيه أنه سياسي، وخمسون بالمئة منه يعتقدون بأنهم زعماء، وخمسة وعشورن بالمئة يعتقدون بأنهم أنبياء، وهناك عشرة بالمئة -على الأقل- يعتقدون بأنهم آلهة...
يا سيادة الرئيس
أنت أخذت ناساً فيهم من يعبد الله، وفيهم من يعبد النار، وفيهم من يعبد الشيطان أنت أخذت نسيجاً متمايزاً يا سيادة الرئيس...)) نظر جمال عبد الناصر إلى القوتلي... ثم انفجر ضاحكاً وهو يقول: ((الله!! ما قولتي ليش ليه الكلام ده قبل ما وقّع الاتفاق؟؟؟؟؟)) فهل من أحد أخبر أوباما بذلك... فتراجع!!!؟؟؟