دام برس:

 خلافا لموقف القيادة الفلسطينية الذي كان في آخر لقاءتها، منح الرئيس محمودعباس الضوء الأخضر لوزير الخارجية الأميركي ليعلن عن استئناف المفاوضات خلال اسبوع بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي في واشنطن، بين "الكبيرين"عريقات وليفني، وجاء الاعلان الأميركي بعد زيارة خاطفة مفاجئة قام بها المكوك كيري لمقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، ولم يتم الكشف رسميا عن "الصفقة"التي أدت لموافقة عباس دون اتفاق مع القيادة الرسمية، رغم محاولات الحديث عنوجود بعض "التفاصيل" العالقة، ولكن لم يكن عبثا أن يعلن كيري عن اتفاق لاطارالاستئناف لو ان تلك "التفاصيل" ستكون "عقبة"..

موافقة الرئيس عباس على الموقف الأميركي دون الاتفاق مع القوى الفلسطينية يكشف أن "الصفقة" لا تتفق والأسس الوطنية التي سجلتها القيادة خلال المناقشات الأخيرة، بل وأنها لا تتوافق أصلا مع موقف قيادة حركة فتح الأساسي والذي أعلنه أكثر من مسؤول بإسمها، ولغياب "الشفافية" السياسية من قبل الرئاسة الفلسطينية ومن معها في اعلان حقيقة الصفقة ومضمونها، تبقى كل الاحتمالات بأنها صفقة ضارة هي التي تسود الى حين ما يثبت عكس ذلك، اي ان المتهم ليس برئيا حتى تثبت براءته..

ولكن ما بدأ يتسرب من عناوين الصفقة التي أجبرت عباس وفريقه على الانصياع للمشيئة الأمريكية، يتضح أنها مكونة من "رزمة تسهيلات" لتحسين نمط الحياة اليومية وفتح الباب أمام أهل الضفة الغربية للذهاب الى السوق الاسرائيلي للتسوق،والدعاية للهبات الاقتصادية التي ستأتي نتيجة تلك الصفقة، مع بعض الرتوش السياسية التي لا تحمل اي شكل التزامي أو الزامي بل لا تحمل وعدا مكتوبا، هيمجرد كلام في كلام، وكأن أمريكا احترمت يوما ما وقعت عليه كي تحترم ما تتكلمبه، ولذا ما هو ملوس فعليا سيكون "رزمة تسهيلات حياتية" دون "تسهيلات سياسية"..

العودة الى طاولة المفاوضات ضمن شروط أمريكا – تل أبيب تشكل انتكاسة سياسية، بل قد يراها البعض طعنة لروح الوطنية الفلسطينية، وتنازل لا مبرر له فيزمن بدأت به روح "الوطنية" تشرق من بابها المصري ضد "الهمينة" الأمريكية، تنازللا مبرر له وطنيا، ولن ينفع معه لاحقا كل أشكال التبرير الساذج الذي يعده "فريق الذل السياسي" المنصاع للقرار الأمريكي، ولو كان لدى ذاك الفريق ما يمكن أن يعلنوه لشعبهم لما اصروا على منح كيري موافقة دون الرجوع للإطار القيادي الرسمي، أو لابقاء الاطار الذي تحدث عنه كيري في اطار السرية، وكي لا يقال أن"السرية" لخدمة المفاوضات كما سبق أن حدث في مفاوضات سابقة، فتلك ليسسوى استخفاف نادر بالعقل الجمعي الفلسطيني، لأن شروط التفاوض التي تمتحديدها كانت موقفا وطنيا معلنا، هي ليست نصا تفاوضيا بل أسسا لها، ولا يوجد"اسسا سرية" في علم التفاوض..

يبدو أن الادارة الأمريكية نجحت في تحقيق "انجاز" خاص في ظل فشلها العام في المنطقة، خاصة بعد سقوط حكم الاخوان في مصر وارتباك المشهد عليها وتحالفها التركي الاسلاموي، لترتيب المنطقة وفقا لمخطط زرع الفتنة والتقسيم من أجل فرض هيمنة مستديمة تضمن لها مصالحها في صراعها الكوني، في ظل بداية كسرسيطرتها الإحادية التي دامت لسنوات على العالم، الاصرار الأمريكي على اجبارالرئاسة الفلسطينية أن توافق للعودة التفاوضية بلا اي شرط أو ضمانة مكتوبة تكشف القيمة السياسية للورقة الفلسطينية في ظل المشهد الراهن..

لو اصرت الرئاسة الفلسطينية على التزامها بالموقف الرسمي للقيادة بعدم الاستجابة للموقف الأمريكي دون احترام أسس الموقف الفلسطيني لعاد كيري يحمل عاراوخيبة وانكسار، لكن حدث ما لم يكن بالحسبان الفلسطينيي وحصل مندوب واشنطن على مبتغاه، دون أن تتراجع دولة الاحتلال عن موقفها التفاوضي، بل ودون أن تتعهدبوقف استيطانها أو تهويدها في الضفة والقدس المحتلة، واكتفت باستبدال ذلك برزمة تسهيلات حياتية يبقى تنفيذها بيد اي مجند على حاجز لجيش المحتل..

هل ستمر الصفقة الحديثة في ظل "جعجعة" رفض كلامية أم تتجه القوى الوطنية جميعها للتعبير الحقيقي عن رفضها لصفقة  ستلحق ضررا تاريخيا بالقضية الوطنيةلو تم الصمت عليها، الرد بفعل شعبي يكسر شوكة أطرافها!

قديما تحدثت واشنطن عن معادلة ساذجة اسمها "الأرض مقابل السلام" وجعلتالعرب يعتقدون أنها معادلة لهم، واليوم تستبدل تلك المعادلة الساذجة بمعادلة أكثرسذاجة اسمها "مفاوضات مقابل تسهيلات"..يا حلاوة..مع الاعتذار للمثل المصري مظهر ابو النجا!

ملاحظة: من يقرأ تصريحات ليفني وفرحها بصفقة كيري سيكتشف مدى عارالصفقة الذي لحق بصورة شعب فلسطين وقضيته..!

تنويه خاص: صحيح شو أخبار "المجاهد" خالد مشعل.. من ايام رحيل "الأميرالوالد" في قطر وسقوط حكم مرسي الاخواني في مصر ..لا حس ولا خبر..عل المانع خير!
 

حسن عصفور رئيس  تحرير وكالة  امد